أيها الزوجان هل أنتما صديقان؟

محمد رشيد العويد

علماء الاجتماع يؤكدون أنه لا تقوم صداقة حميمة بين اثنين إلا إذا كان أحدهما – على الأقل – مُؤْثِراً صديقه على نفسه ، خافضاً جناحه له . وأنه لا يمكن أن تنشأ صداقة بين اثنين إذا كان كل منهما يؤثر نفسه على صاحبه ، ويسعى ليكون سابقاً له ، متفوقاً عليه ، متقدماً عنه .
 
وأرى أن الصداقة بين الزوجين لا تختلف كثيراً ، فهي تحتاج إلى أن يؤثر كل منهما صاحبه على نفسه ، ويزيد في التضحية من أجله ، ولا يتردد في خفض جناحه له .
هذا أساس لا بد منه في قيام الصداقة بين الزوجين ، وإذا قامت هذه الصداقة ورسخت أركانها في بيت الزوجية ، كان البناء الأسري فوقها قوياً ، مستقراً ، ثابتاً ، لا تؤثر فيه ريح خلاف ، أو عاصفة شجار ، أو صاعقة تأتيه من خارجه .
قرأت عن دعوى أقامتها زوجة على زوجها تطلب فيها من المحكمة أن تطلقها منه ! هل تعلمون لماذا ؟ لأنه لم يرزق منها بأولاد ، والسبب في عدم الإنجاب هي لا هو ، أي أنها هي العاقر وزوجها ليس عقيماً . وشرحت للقاضي بأنها تريد الحكم بالطلاق لأنها ترغب في أن يتزوج زوجها من غيرها حتى لا يُحرم الذرية .. بعد أن رفض طلبها مراراً بأن يتزوج امرأة أخرى غيرها .
 
ثم استمع القاضي إلى الزوج الذي قال إنه يحب زوجته ، ولا يريد أن يطلقها ، وأن الأولاد رزق من الله ، وهو راض بما اختاره الله تعالى له .
 
كان القاضي في غاية الدهشة ، وكذلك كان الجمهور الحاضر في قاعة المحكمة . لم يحكم القاضي بالطلاق طبعاً ، وخرج الزوج مع زوجته وهما أكثر صداقة ومحبة .
 
ما سر هذه الصداقة التي لم تنل منها هذه القضية في المحكمة ؟ إنه الإيثار .. الزوج يؤثر زوجته على أن يرزق بالأولاد ، والزوجة تؤثر أن يرزق زوجها بالأولاد من غيرها على بقاء زوجها لها وحدها ... !!

ليت الأزواج يبنون هذه القاعدة الراسخة من الإيثار ، فهم – إن فعلوا ذلك – أنشؤوا بينهم صداقة تضمن استمرار زواجهم .. إلى آخر العمر .

أما الأنانية ، والأثرة ، والنظر من خلال الذات ، فلا تجلب صداقة ، ولا تنشئ مودة ، وتطرد الرحمة طرداً من القلب ... ومن البيت .
 
بعد بيان هذا الأساس الهام ، الثابت ، الراسخ يمكن أن أشير إلى أمور يمكن أن تكون متممة ومكمّلة لنشوء صداقة راسخة بين الزوجين ، ومنها :
 
- الصدق ، ومن حروفه اشتقت الصداقة ؛ إذ ينبغي أن يكون كل من الزوجين صادقاً مع الآخر ، لا يخدعه ، ولا يخونه ، ولا يغشه .
- ندرة اللوم والمعاتبة – وانعدامهما أفضل – فكثرة اللوم ، وتكرار المعاتبة ... تسببان الضيق ، والغضب ... وربما الكراهية .

- عدم إساءة أحدهما إلى أهل الآخر أو الانتقاص منهم .. ولو كان هذا صحيحاً ، أي أن ما انتقده موجود فيهم .
- يحترم كل منهما طباع الآخر الخاصة .. ولا يحاول تغييرها .
- يحترم كل منهما رأي الآخر .. ولو كـان خاطئاً .. وليحاول تصحيحه له دون تسفيه وتحقير .. بل بلطف وتقدير .
- الغياب القصير مفيد في تجديد الشوق إلى الصديق الآخر .. وكذا الحال بين الزوجين الصديقين .
أجل .. إنها علاقة سامية
أرجو أن تنظري إلى تلبيتك حاجة زوجك نظرة أبعد من كونها تلبيةً لشهوته ، أن تنظري إليها على أنها وسيلة هامة لإعفافه ، وغض بصره ، والتزامه دينه ، وإتقانه عمله .
ضعي في خاطرك مشهد زوجك وهو ينظر في هذه المرأة ، ويحدّق في تلك ! بعد أن تكوني قد أبيت تلبيته ورفضت الاستجابة له .
وضعي في خاطرك مشهداً مقابلاً للمشهد السابق : زوجك وهو يغض بصره ، ولا ينظر إلى من يصدفه في طريقه من النساء بعد أن تكوني قد استجبت له ولبيّته !
ألا تكونين قد أسهمت في غض بصره في المشهد الثاني ، وساعدته – ولو من غير قصد – على ذلك التحديق في النساء في المشهد الأول ؟!
وضعي في خاطرك مشهد زوجك وهو ثائر في عمله ، متوتر الأعصاب ، عرضة للخطأ والتقصير ، لأنه أتى إلى عمله وهو ضائق بك لأنك قد رفضت دعوته ولم تلبي حاجته !
والمشهد المقابل : زوجك وهو هادئ الأعصاب ، منشرح الصدر ، مرتاح في عمله ؛ إنجازه فيه أكثر وعطاؤه فيه أفضل .
ألا تكونين قد شاركت في النتائج الإيجابية في الحال الثانية .. أو في النتائج السلبية في الحال الأولى ؟!
لقد وعد الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة التي تحسن تبعلها لزوجها ( ولا شك في أن تلبيتها زوجها من حسن التبعل ) بالأجر المماثل لكل ما يقوم به الزوج من عمل يؤجر عليه .
فإذا عفَّ الرجل ، وغضَّ بصره ، وأتقن عمله ، ونال على هذا كله أجراً ومثوبة فلا شك في أن للزوجة نصيباً مماثلاً من هذه المثوبة وذلك الأجر .
وعلى هذا ؛ فإني أرجو من كل زوجة أن تضع في حسبانها هذا الأجر الذي تكسبه حين تلبي زوجها وتجيبه إلى حاجته .
لتنظر المرأة إلى تلبيتها زوجها نظرة أسمى ؛ نظرة من يشارك في حفظ المجتمع ، ويسهم في سلامة أركانه وحفظ بنيانه .
وهذا على العكس مما تحسبه الزوجة التي تأبى على زوجها ، فهذه تحسب أنها تسمو بنفسها حين تنفر من معاشرة زوجها ، وتـهرب منها ، وتبتعد عنها ... وهذا حسبان غير صحيح ، وظن خاطئ ، وليس من الإسلام في شيء .
لقد سما الإسلام بالعلاقة الجنسية في إطار الزواج ووعد الزوجين بالثواب عليها .
إن السموّ لا يكون بكبت هذه الغريزة ؛ كما يفعل قساوسة ورهبان كثرت الأخبار التي تتحدث عن اعتداءاتهم الجنسية على نساء وأطفال ؛ مؤكدين بهذا أنهم يخالفون الفطرة ويحاربونها .
فلتعلمي هذا كله ، أختي الزوجة ، وتتفهميه ، لتغيري نظرتك وتصححيها إن كان خاطئة .. تجاه تلبيتك حاجة زوجك الجنسية .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين