متى كانت أحكام الله للمضارة - أحكام الله والمضارة بعباد الله

كثرت في الآونة الأخيرة شكوى بعض النساء من أزواجهنّ، وهم يتحدّثون ليل نهار عن تعدّد الزوجات، ويتّخذون ذلك تسبيحة مجالسهم، وفاكهة سمرهم مع أصحابهم، وديدن كلامهم مع نسائهم، فلا تكاد تحظى الزوجة المؤمنة القانتة على ساعة أنس بينها وبين زوجها، حتّى يعكّر صفوها بحديثه عن رغبته بالزوجة الثانية، التي من صفاتها كيت وكيت.. 

ويتمادى به الحديث، ويسترسل في مزاحه كما يدّعي، وربّما تلاحى الزوجان واختصما، وانفضّ لقاؤهما على تهاجر وتدابر، وانقلبت حياة المودّة والرحمة إلى جحيم لا يطاق.

وإنّ ذلك لعجب والله، والأعجب منه أن يقول الزوج بعد ذلك: إنّه كان ممازحاً! وأيّ ممازحة هذه تلك التي توغر الصدور، وتوحش القلوب، وتنفّر العشير من عشيره، وتقلب حياة الزوجين إلى توتّر وشحناء؟! إنّ المزاحَ في الإسلام وَسيلة من وسائل التحَبّب للآخرين لا تنفيرهم.. وهل كان شيء من مزاح النبيّ صلى الله عليه وسلم ينفّر القلوب، أو يثير شيئاً من العداوة والبغضاء؟!

وأمر أعجب وأعجب أن يصدر هذا الأمر، بل يكاد أن يكون وقفاً على من يوصف بالالتزام، والحرص على اتّباع النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتّى عبّرت بعض النساء الملتزمات بقولها: "إنّ غير الملتزمين أحسن أخلاقاً من الملتزمين! ليتنا لم نزوّج ابنتنا لهذا الذي يقوم ويقعد يلوّح لها بالزوجة الثانية، ونحن نعلم أنّ ما قدّره الله عليها كائن لا محالة، ولكنّه لماذا ينغّص لها حياتها معه بهذه الطريقة؟!" وهو كلام حقّ لا غبار عليه، فأين هؤلاء الإخوة من هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم ولطفه وذوقه، وحسن معاشرته لأهله؟ وهل هذا المزاح اللطيف! من المعاشرة بالمعروف التي أوصى الله بها الرجال وأمرهم بها؟! وهل ثبت في هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يهدّد نسائه بالزواج والتعدّد؟ أم أنّه صلى الله عليه وسلم قد عدّد النساء كما يعرف كلّ مسلم ويقول، لمصالح دينيّة ودعويّة وإنسانيّة سامية.

وهل يلتقي هذا السلوك مع قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ". ومتى كانت أحكام الله للمضارّة بعباد الله؟!

إنّ التعدّد حكمٌ تشريعيٌّ حقّ، ولكنّ اتّخاذه سبيلاً للمضارّة عبث باطل، ونوع من الإساءة لدين الله، تتنزّه عنه مشاعر المؤمن الحريص على اتّباع النبيّ صلى الله عليه وسلم، واتّخاذه أسوة له في الحياة..

وإنّ الوصيّة وهي عَمل مشروع مبرور نهى الله تعالى أن تتّخذ وسيلة للإضرار بالورثَة، فهل يَرضى اللهُ أن يتّخذ الحديث عَن التعدّد وسيلَة لذلك؟ وكيف يتأتى للزوجة أن تكون متحبّبة لزوجها، وهي

تسمع منه ما يؤذيها صباحَ مساءَ!

ومع ما عرف عَنِ المرأة من غلبة العَاطفة، فإنّها لا يستبعد منها أن تدعو في ساعة غضبها وانفعالها على زوجها، كمَا لا يستبعد منها أن تشمت به عندما ترى المصيبة تحلّ بماله، لأنّها ترى ماله شؤماً عليها وعلى حياتها، فمن المتسبّب بذلك؟ ومن يتحمّل وزر هذا الدعاء؟ وأيّ تَربية مثلى للأولاد، وأيّ احترام لهم لأبويهم، وهُم يرونهم بمثل هذا النزاع في أكثر الأوقَات؟! 

إنّني أدعو الأزواج إلى أن يترسّموا بمزاحهم هدي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وسنّته، وهو القائل: "خياركم خياركم لنسائهم، وأنا خيركم لأهلي " . ولاشكّ أيضاً أنّ النساء والأطفال هم من الضعفة الذين وصّى النبيّ صلى الله عليه وسلم بهم بقوله: " هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاّ بِضُعَفَائِكُمْ "

* * *

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين