العيون

 د. محمد بن موسى الشريف


«العيون» مدينة في صحراء جنوب المغرب قريبة من ساحل المحيط الأطلسي وسميت بذلك لأن فيها عيوناً كبريتية قصدت مدينة العيون في السابع من ربيع الآخر سنة 1431هـ/23 مارس 2010م للمشاركة في مؤتمر «دور المذهب المالكي في تجربة الوحدة المرابطية لدول الغرب الإسلامي الكبير»؛ تلبية لدعوة كريمة من الأستاذ حميد لحمَر المشرف العلمي على هذا المؤتمر. والعيون مدينة في صحراء جنوب المغرب قريبة من ساحل المحيط الأطلسي، وسميت بذلك لأن فيها عيوناً كبريتية، وتقع على وادي الساقية الحمراء الممتد من الجزائر وينتهي على ساحل المحيط الأطلسي، وسكانها خليط من ذوي الأصول المغربية والأصول الشنقيطية، وهذه المدينة مع مدن أخرى مثل الداخلة تدور حولها مشكلة الصحراء المتنازع عليها بين الصحراويين «البوليساريو» وبين دولة المغرب اليوم، ونسأل الله تعالى أن تُحل هذه المشكلة على خير؛ وذلك لأن الاجتماع والاتحاد وعدم الفرقة هو أصل عظيم في الإسلام. رحلة بطائرة مروحية وشددت الرحال إلى العيون من الدار البيضاء في رحلة جوية بطائرة مروحية؛ فوصلت بعد ساعتين وبضع دقائق، وأُخذنا من صالة التشريفات في المطار إلى فندق برادور فوصلنا في الليل وأخلدت للراحة بعد عشاء وسمر قصير. وقد ذكرت قبل ذلك رأيي في مثل هذه المؤتمرات التي تُعقد وينفق عليها الأموال الطائلة والجهود الكبيرة، ذكرت ذلك في بضع حلقات قبل هذه، لكن الذي دعاني للذهاب إلى هذا المؤتمر أمران: الأول: وجود ثلة من أهل العلم والفضل أرغب في لقائهم وأُسعد بالحديث معهم. الآخر: انعقاد المؤتمر في الصحراء والتي لم أزرها من قبل، ورغبتي في زيارة المنطقة ورؤية أهلها وطرائق عيشهم وتفكيرهم. وممن رأيته في هذه الرحلة الأستاذ عبدالحميد الهَرّامة الليبي، وهو خبير في «الإيسيسكو» وهي المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، وقد أطلعني على بعض أبحاثه ومشروعاته، وجرى بيننا حديث عن الهموم الثقافية والعلمية، وأعجبت برغبته في الإصلاح في هذا الباب فوفقه الله تعالى. وقابلت الأستاذ الدكتور سليمان الدريع الخبير الشرعي في وزارة الأوقاف الكويتية، والعامل في موسوعة الفقه الإسلامي الشهيرة، وقد ذكر لي جملة من مشاريعه العلمية وأعماله التي تتسم بالموسوعية والبَسْط وأهداني بعض كتبه فجزاه الله خيراً. وجددت العهد بالدكتور العراقي البحريني عمر بن عبدالعزيز العاني، وهو أستاذ في جامعة البحرين، وقد كنا معاً في رحلة أوزبكستان، وتحدثنا عن بعض هموم الدعوة والدعاة. وفي اليوم التالي، أخذني بعض الإخوة الدعاة عقب صلاة الفجر للقاء بهم، في بيت الأخ الفاضل سالم يِنَجِّيه وكان معهم الشيخ ونّاس أحد أفاضل مشايخ مدينة العيون وعضو المجلس العلمي فيها، وثلة من أهل العلم والفضل، وطُرح في اللقاء موضوعات مهمة، فجزى الله تعالى خيراً الأخ يِنَجِّيه فقد أكرمني وعَرّف بي وأهداني بعض كتبه وكتباً أخرى مهمة. الجلسة الأولى ثم بعد الإفطار في بيته أخذني في جولة سريعة في بعض أحياء المدينة ثم أوصلني إلى الفندق، ومنه توجهت مباشرة إلى قصر المؤتمرات، وكان مقرراً أن يبدأ المؤتمر الساعة التاسعة فلم نبدأ إلا بعد ثمانٍ وثلاثين دقيقة من الموعد المحدد، وهذه آفة قَلّ أن يخلو منها مؤتمر حضرته، وبدأ المؤتمر في يومه الأول وتحدث ثلة من المسؤولين المحليين والمركزيين أعجبني من حديثهم حديث مستشار ملك المغرب الأستاذ الدكتور الجامعي عباس الجراري وفقه الله تعالى، فقد لخص أحوال المغرب قديماً وحديثاً بكليمات قليلات، لكنهن كُن معبرات ناطقات، وكان حديثه موجزاً جامعاً مرتباً من دون رجوع إلى ورقة. وقد دار حديث هؤلاء المسؤولين على مذهب مالك وأصوله وأهميته وأهمية اختيار المغرب له، وكان أيضاً عن صفات الإمام مالك ووجوه عظمته يرحمه الله تعالى. وقد تحدث الأستاذ الدكتور عبدالحميد الهَرّامة الليبي - الذي ذكرته آنفاً - ممثلاً لـ«الإيسيسكو». وتحدث الدكتور سليمان الدريع ممثلاً لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية. وتحدث الأستاذ خالد حمزة أبو فارس ممثلاً لجمعية الدعوة الإسلامية العالمية بطرابلس الغرب، على أنه ليس عضواً فيها ولا علاقة له بها لكنه ناب عن ممثلها. وختم الحديث د. حميد لحمر المشرف العلمي على المؤتمر، وهو أستاذ في جامعة محمد بن عبدالله بفاس، فكان المتحدثون عشرة، ثم ألقى الشاعر د. عبدالله العثيمين الأمين العام لجائزة الملك فيصل يرحمه الله تعالى قصيدتين لطيفتين، ثم ألقى الشاعر الفلسطيني المقيم في أمريكا وليد الكيلاني قصيدة، وبعده ألقى الشاعر الليبي مصطفى عبدالرحمن الهوني قصيدتين لطيفتين. الجلسة الثانية ثم انفضت الجلسة الأولى للاستراحة وحضور معرض مصاحب للمؤتمر، ثم عُقدت الجلسة الثانية وكانت كالمدخل لأبحاث المؤتمر، وكانت فيها محاضرتان: محاضرة للأستاذ الدكتور مولاي هاشم العلوي القاسمي الأستاذ بجامعة ظهر المهراس بفاس، وعنوان محاضرته «ميلاد الدولة المرابطية المغربية ومرجعيتها المالكية». والمحاضرة الأخرى للعبد الفقير كاتب هذه السطور، وقد كانت عن «الصفات والخصائص والشمائل التي أبرزت الإمام المجاهد يوسف ابن تاشفين المرابطي»، وقد تحدثت فيها عن صلته الحسنة بالله تعالى، وعن جهاده، وتقشفه وزهده واخشيشانه، وعن شجاعته وهمته العالية، وعن إكرامه للعلماء وجعلهم موضع ثقته ومشورته، وقد توقفت قليلاً هنا لأتحدث عن أهمية العلماء، وأن الدول الإسلامية لم يختل حالها إلا عندما ضعف العلماء، وأن أولي الأمر هم العلماء والحكام كما ذكر ذلك كثير من علماء الإسلام. ولا أكتم القراء الكرام أني كنت مستاء من بعض المنكرات الموجودة في المؤتمر من تبرج بعض الباحثات والحاضرات، واستأت من علائم الضعف البادية على بعض العلماء في سمتهم وأبحاثهم وطرائق حديثهم، وقد استغفرت الله تعالى وخشيت أن حضوري في مثل هذا المؤتمر لا يسوغ بدون إنكار، فتحدثت في ثنايا كلامي عن أهمية الالتـزام بالإسلام في زماننا هذا، وأنه لا حل لمشكلاتنا إلا بالإسلام، وأننا جربنا الناصرية والبعثية والعروبة والقومية زماناً طويلاً فلم تزدنا إلا ذلاً وهواناً، وأننا إذا قدمنا على الله مستمسكين بالإسلام فقد فزنا، وإذا ضيعنا الإسلام فقد خسرنا، وأن الأبحاث التاريخية الملقاة في المؤتمر لا ينبغي أن تكون مقطوعة الصلة بحاضرنا الذي يستصرخنا فيه أهلنا في فلسطين والعراق والشيشان وكشمير والفلبين، وبدون الإسلام لن ننصرهم، وعَرّجت على أمر مهم - في ظني والله أعلم - وهو أنه ينبغي لنا ألا نتحدث عن المرابطين على أنهم كانوا في مدة زمنية وانتهى أمرهم ويُكتفى بالاعتزاز بهم، إنما لابد أن نستفيد اليوم مما استفاد منه المرابطون وهو قيام الدول على الإسلام، وأن ندرس الدولة المرابطية دراسة دقيقة لنعرف كيف ارتقت بالإسلام وكيف انتصرت بالإسلام. تعليق على المحاضرة فلما ختمت محاضرتي، علق مدير الندوة تعليقاً جيداً حاصله أننا بحاجة لمثل هذه الصراحة لنعالج أوضاعنا اليوم، ثم تحدث معي كثير من الحاضرين فرحين بالبحث ولله الحمد، وأنه عالج كثيراً مما في صدورهم مما لا يستطيعون قوله لأسباب متعددة. ثم انفضت الجلسة للغداء والصلاة، وعدنا بعد ساعتين للجلسة الأولى وهي تحت المحور الأول: الدولة المرابطية: النشأة والمرتكزات. والمحور الثاني: المذهب المالكي أساس من أسس تجربة الوحدة المرابطية لدول المغرب الإسلامي الكبير. والمحور الثالث: مساهمة فقهاء المغرب الإسلامي إلى جانب الدولة المرابطية في الحفاظ على الثوابت والأمن العام والتنمية من خلال المؤلفات. والمحور الرابع: تواصل علماء مالكية المغرب الإسلامي الكبير في عهد المرابطين، وتحت كل محور عدة جلسات، وفي كل جلسة عدة أبحاث ويكفي أن أقول: إن في الجلسة الأولى من المحور الأول فيها ثمانية أبحاث. والمؤتمر كبير ومتشعب، وللأسف لم أستطع أن أحضر سوى بعض الجلسات الأولى في المحور الأول والثاني، وذلك لأني كنت أستعد للسفر إلى المملكة، حيث شددت الرحال في يوم المؤتمر الأول إلى الدار البيضاء ومنها إلى المملكة، وأسأل الله تعالى التوفيق والإخلاص وأن يسددني ويرشدني في رحلاتي هذه وإلا فيا ضيعة الأعمار وخيبة الآمال.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين