حبل الله قبل كل سبب وفوقه - حبل الله المتين
حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .!
بقلم د: عبد المجيد البيانوني
 
إنّ الإنسان عندما يكون موثّق الصلة بحبل الله تعالى يكون حبله لا عقدة فيه ولا التواء ، وعندما تتجاذبه العوائق على اختلاف أنواعها دون حبل الله ، يَكون له من أنواع العقد في حبله على حسب عددها وقوّتها ، ويكون له في كلّ عقدة أو عائق منزلق ، يودي به إلى دركات لا يعلم مداها إلاّ الله تعالى ..   
 وتتَشابك هذه العقد وتتداخل ، لتكون العقبة بها أخطر من أن يستطيع الإنسان تجاوزها بيسرٍ وسهولة ، حتّى تكون أشبه بطاقةٍ من الخيوط قد اختلّ نظامها ، وشُدّ كلّ خيطٍ من طرفٍ من أطرافها ، فتداخلت ، وتعقّدت ، وتشابكت ، فأنّى لإنسان أن يستطيع اكتشاف أحد طرفيها ، والقدرة على فكّ تشابكها ..؟! إلاّ من آتاه الله تعالى عزيمةً ورشداً ، وسدّده بعونٍ منه وتوفيق .. وتأسيساً على هذا القول ، فإنّ من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الباحثين والدعاة : أن تعزى مشكلة من المشكلات الاجتماعيّة التي تشكّل ظاهرةً متأصّلة في بنية المجتمع : أن تعزى إلى سبب واحد من الأسباب ، ولو كان سبباً رئيساً ، وتتفرّع عنه أسباب أخرى ، ولكن أنْ يدّعى أنّه السبب الوحيد ، وأن لا ينظر إلى الأسباب الأخرى ، ولا يبالى بها بسببه فهذا من الخطأ المنهجيّ البيّن ، الذي يؤدّي إلى تسطيح المشكلات ، والوقوف عند بعضها فحسب ، بصورة انتقائيّة ساذجة ، ثمّ الدوران حولها ، والعجز عن معالجتها .. وربّما أدّى هذا الموقف إلى توريط بعض الناس بمعالجة هذه المشكلة فحسب ، وهذا ما يحدث غالباً ، ثمّ تذرّ المشكلات الأخرى رأسها وقرونها ، فيصدم بها المتورّط ، ويكتشف في مرحلةٍ متأخّرة : أنّه كان واهماً فيما فكّر وقدّر ، وأن الأمور أعقد من أن تكون رهينة سبب واحدٍ ، تعلّق على مشجبه ولا تتجاوزه ، ولا علاقة لها بغيره ولا صلة . وتمثيلاً لما أقول: فإنّ مشكلة تأخّر زواج الشباب والفتيات ، وما يترتّب عليها منْ ظاهرة العنوسة ، وانتشار الفساد في الأرض .. كثيراً ما تعزى هذه المشكلة إلى غلاء المهور ، وتتوجّه أصابع الاتّهام إلى أولياء أمور البنات ، ويدور الباحثون الاجتماعيّون ، والمتكلّمون والخطباء ، والوعّاظ والمذكّرون في هذا الفلك ، وليس ذلك إلاّ تسطيحاً للمشكلة بصورة بدائيّة ، يغفل أو يتغافل عن العُقَد الأخرى التي تكتنفها من كلّ جانب ، وإنّ النظرة الموضوعيّة ، وحتّى الواقعيّة الحصيفة لتأبى هذا الأسلوب ، ولكنّنا لا نزال نصرّ عليه ، ونتعامل به .! فأنّى لنا أن نخرج من ربقته وإساره ، أو نصل إلى الحلّ المبتغى المنشود .؟ إنّ هذه المشكلة وجهٌ لمشكلات أعمق منها وأخفى ، يمكننا أن نعدّد أهمّها ، ولا ندّعي أنّنا نلمّ بها أو نستقصي أوجهها : ـ إنّها مشكلة تدلّ على خلل تربويّ تتعدّد وجوهه ومظاهره ؛ فمنها الخلل في تربية كلا الجنسين على تحمّل المسئوليّة ، والخلل في التربية الأخلاقيّة الحصينة ، التي تجعل الشابَّ أو الفتاة لا يلتفتون عن سبيل العفّة أو الحلال يمنة أو يسرة ، ومن مظاهر الخلل التربويّ أنّ الشابَّ لا يوثق بأخلاقه وقيمه ، التي تتبدّى خفيفة الوزن والقدر عند أيّة صدمةٍ أو هزّة ، فيسارع إلى الطلاق بدون أيّة رويّة أو تفكير .. ومنها الخلل الاجتماعيّ في سيطرة العادات والتقاليد التي تشكّل عبئاً ثقيلاً ، لا يستهان به على كلا الطرفين ، وفقد التعاون على البرّ والتقوى بين أبناء المجتمع ، بصورة يجعلهم كالأسرة الواحدة أو كالجسد الواحد .. وإذا كان هذا مفقوداً على مستوى الأسرة ، فأيّ مطمع لنا به على مستوى المجتمع وعلاقاته .؟! وهي مشكلة تدلّ على خلل عقديّ فكريّ : يبتدئ من ضعف الإيمان بالله تَعالى ، الخلاّق الرزّاق ، ذي القوّة المتين .. ويمتدّ إلى تأثير الغزو الفكريّ ، الذي يجتاح بلاد المسلمين وأبناءهم في قيمهم ومفاهيمهم ، وأسس دينهم ومبادئه ، فيجد عقولاً فارغة ، وقلوباً خاوية ، ومن مظاهره الدعوة إلى تحديد النسل لأسباب مادّيّة ، والترويج للحرّيّة الشخصيّة ، التي تتجاوز الحقّ وسبيل الاستقامة ، وتشويه الأحكام الشرعيّة كتعدّد الزوجات بكلّ الوسائل الشيطانيّة المتاحة ، فهو جريمة أو أشبه بالجريمة ، وأثراً عن ذلك كلّه فإنّ العلاقات الأسريّة الاجتماعيّة تتّجه يوماً بعد يوم إلى ترسيخ المادّيّة الجشعة ، وقيم الاستهلاك النهم ، والتعلّق بأسباب الرفاهية ..
 ومن آثار هذه الأنواع من الخلل كلّه : ارتفاع نسبة الطلاق ، بصورة مخيفة ، تجعل المقدم على الزواج يحاول الهروب من هذا الشبح المخيف ، ويحسب ألف حسابٍ لمشكلات هو قادمٌ عليها لا محالة .. فماله ولتلك المشكلات .؟! كيف يعرّض نفسه إليها .؟! فليهرب منها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً .! فهل من المعقول بعد ذلك أن نقصر المشكلة على جزءٍ من وجهها المادّيّ ، ألا وهو غلاء المهور ، وتشدّد أولياء الأمور .؟ تبعاً لهذه الاعتبارات وغيرها .. ثمّ لا نبحث في الأوجه الأخرى ، كما لا نبحث في أسباب ذلك ودوافعه أيضاً .؟!
وفي الختام ؛ فإنّني أقول باختصار : كلّما قوي استمساك المؤمن بحبل الله المتين ، بصورة شموليّة تقوم على الوعي والبصيرة ، زالت تلك العُقَد من طريقه واضمحلّت ، وتذلّلت الصعاب وتلاشت ، وتيسّرت الأسباب ولانت ، فلنوجّه جهودنا إلى ذلك كمحور رئيس في حياتنا ، لنكفى كلّ عقدة أو عقبة ، مع العمل على تذليل سائر العقبات ، وحلّ كلّ المشكلات ، ولندع تعليق المشكلات كلّها على مشكلة واحدة لا نرى غيرها ، والله وليّ التوفيق والسداد
من موقع الميثاق
 
*        *        *       

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين