أسباب السفور
الشيخ مجد مكي

المراد بالسفور كشف المرأة عن عورتها الشرعية، وعرض مفاتنها للغير، وما يتبع ذلك من الاختلاط واللمس.

والسفور خروج على ما وصفه الله من تشريع الحجاب، سفور المرأة : مظهر من مظاهر الانحراف والوقوع تحت تأثير الشهوة.
وللسفور أسباب تدفع إليه وتشجعه، وكلها نابعة من عصيان الله واتباع الهوى.
ومن الأسباب الدافعة إليه : سوء فهم الدين : فالإسلام دين التوسط والاعتدال يتناسب مع الفطرة.. وقد فهم بعض الناس أن تشريعَ الحجاب وَقْفٌ لنشاط الغريزة وحربٌ على مطالب البدن، وفي ظل الفهم الخاطئ منعت المرأة من إبداء رأيها في الزواج، ورعاية الأسرة والأولاد والتعليم... والمرأة في مثل هذا الجو مسجونة في سجن مظلم، محرومة من كل نور حسي ومعنوي، وما ذلك من الدين في شيء، وهو ناشئ عن سوء فهم الدين، وأدَّت هذه المعاملة إلى استجابة المرأة لدعاة التحرر.
ـ التقليد : تقليد المرأة المسلمة لغيرها من نساء الكفار سواء كنَّ يَعِشْنَ معها في بيئتها، أم كنَّ أجنبيات عنها، وللتقليد أثر كبير في التربية والسلوك والعقائد والمفاهيم.
لقد ظَلَّت المرأة المسلمة محافظةً على الحجاب قروناً طويلة... ولم يظهر السفور في المجتمع الإسلامي بشكل واضح إلا بعد احتكاك الغرب بالشرق عن طريق الحروب والتجارة والسياحة... ولقد كانت الحملة الفرنسية على مصر والشرق موقد الفتنة في تمرد المرأة على الحدود الشرعية... ثم جاء الاحتلال الانجليزي والاستعمار الغربي وبدأت المعركة بين الحق والباطل وكانت معركة المرأة من أهم المعارك...
ـ التقليد يكون من المغلوب : وقد نبت السفور أولاً في البيوت الكبيرة، وعند الشخصيات المشهورة... والناس على دين ملوكهم، وهنا تسارع النسوة إلى تقليد نسائهم بشعور من الاطمئنان والاعتزاز بالتشبه بالكبار.
ـ ضعف التدين: إن ضعف روح التدين ظاهرة عامة بين الرجال والنساء، وإن ضعف روح التدين أنتج ضعف الاهتمام بمقاومة الفساد والنهي عن المنكر، سواء منها المقاومة الذاتية النابعة من نفس المرأة، والمقاومة الخارجية الموجهة من الآباء وأولي الأمر.
ومقاومة الفساد لا تجدي إلا إذا قامت بها كل الجهود، والمقاومون للفساد ينبغي أن يكون على رأس قائمتهم رجال الفكر والتعليم، وكذلك الآباء والأزواج الذين يباشرون الرقابة على تصرف الزوجات والبنات.
والأزواج والآباء ضعفت مقاومتهم لسفور من تحت أيديهم من الزوجات والبنات، وذلك لضعف شخصيتهم، أو لرقة دينهم وتحللهم، أو لتقليدهم لغيرهم، وأصبح الرجل لا يستطيع مقاومة رغبة المرأة في السفور، بل صار حامياً لها ومدافعاً عنها، ليتمتع هو كما يتمتع غيره بالنظر إلى السافرات والاتصال بهذه. وإذا كان الزوج والأب لا يقاوم السفور فهل يقاومه رجلٌ أجنبي لا صلة له بالمرأة؟!.
ـ حماية السفور وتشجيعه: إن الوازع الديني إذا كان ضعيفاً، ووجدت عوامل مساعدة على الخروج على الشرع، ثبتت دعائم السفور.
إن العوامل المساعدة للسفور تتمثل بالدعوة إليه بالأفلام السينمائية السافرة، والإذاعة المسموعة والمرئية، والصحافة وكتب الأدب، والجمعيات النسائية والحفلات المختلطة، وتشجيع السافرات بالمكافآت وتولي الوظائف، ووجود المدارس الأجنبية، وتطبيق النظم الغربية، والحملات الشديدة على الحجاب، والاستهزاء بالمحافِظات، إلى جانب حماية السفور... كل ذلك وغيره من العوامل التي أدَّت إلى انتشاره.
آثار السفور:
للسفور آثار خطيرة على المرأة أولاً، وعلى الرجل وعلى الأسرة وعلى المجتمع كُلِّه ثانياً.
1 ـ السفور يُغْرِي المرأة بالتمادي في التحلُّل من قيود الدين والأخلاق فهو يغري البنت بالتحرر من رقابة والديها، ويغري الزوجة بالتحرر من سلطان زوجها... وكان وراء ذلك من الفساد ما لا يخفى.
2 ـ التبرج يصرفها عن واجباتها الزوجية والمنزلية، ويحبب لها الخروج من البيت لعرض مفاتنها. ولاشك أن إهمال الواجبات المنزلية خطر على مستقبلها ومستقبل زوجها وأولادها.
3 ـ  سفور المرأة يؤثر على الرجل فهو يشغله عن واجباته ومهامه، فالزوج مثلاً يتبرم من الجلوس في البيت مع زوجته وأولاده، ويؤثر أن يمضي أكثر أوقاته في الأماكن التي يجد فيها متعته ويشبع غريزته وشهوته، ولو بمجرد النظر إلى النساء والتاجر والعامل ينطلقون من قيود العمل إلى حيث تكون الفتنة بألوانها وأنواعها، وأخطر ما يكون الانصراف عند الشبان وبخاصة طلاب العلم فإن الشباب له فورته وانطلاقه، والمتعة الميسورة مع إلحاح الشهوة تصرفه عن عمله وتغريه باللهو، وفي ذلك من الخطورة على مستقبله ومستقبل أمته ما فيه.
4 ـ السفور يفتح الباب للرجل للتخنث والفتنة بالتجمل، كما يغريه بالخروج على الآداب وعدم الاكتراث بما يوجبه الحياء، فالألفاظ النابية والكلمات الماجنة والأغاني المبذولة، ومزاحمة النساء في الأماكن العامة، والإغراق في التأنق والعطور والملابس الضيقة والشفافة... كل هذه المظاهر التي لا تتناسب مع الرجولة دعا إليها سفور المرأة.
5 ـ السفور يسيء إلى سمعة الزوج، لأن المرأة المتبرجة يحكم الناس بسلوكها على سلوك زوجها، فتسقط هيبته من نفوسهم ويعاملونه معاملة تتناسب مع من لا يعرف الغيرة والكرامة.
6 ـ السفور يسيء إلى العلاقة الزوجية، وذلك بفتورها الناشئ عن انصراف الزوج إلى المتعة خارج المنزل، وعن تحول قلبه عن زوجته لإعجابه بأخرى، ذلك الإعجاب الذي يجعله يندب حظَّه السيء الذي أوقعه في الزواج بمن هي في مؤخرة الركب في نظره، ولا شك أن تحول قلبه عن زوجته ينعكس على معاملته لها وقد ينجم عنه مشاحنات ومنازعات، وهذا بدوره يؤثر على سلوك الأولاد، وقد ينتهي الأمر بالطلاق.
وإذا كان السفور يؤثر على ميل قلب الرجل، فهو أيضاً يؤثر على قلب المرأة، وذلك لكثرة خروجها وإطلاعها على رجال هم في نظرها أحسن من زوجها.
7 ـ والسفور يرهق ميزانية الأسرة، لأنه يتطلب كماليات من أجل الزينة قد تؤثرها المرأة على الضروريات، والسفور كما يرهق ميزانية الأسرة يرهق الميزانية العامة للدولة، فإن كثيراً من كماليات السفور يستورد من الخارج، ويحول جزءاً من المال خارج الدولة، مع حاجة الضرورات المحلية إليه.
8 ـ وقد شجع السفور على كثرة بيوت الزينة، والتفنن في اختراع أنواعها من أدهان ومساحيق وحلي... ولليهود دور كبير في هذا المجال وفي غيره من المجالات التي تستغل فيها فتنة المرأة... وكذلك شجع السفور على ابتكار نماذج الملابس والتجديد فيها، وبخاصة ما يبرز فتنة المرأة، وافتتحت من أجل ذلك دور كثيرة للأزياء، وأقيمت حفلات لعرضها على أجساد نساء تخصصن في فَنِّ العرض الجذَّاب.
9 ـ السفور يصرف الشبان عن الزواج، وكذلك يصرف البنت عن الرغبة فيه ما دامت المتعة سهلة ميسرة، فالسفور يعطي الفرصة للرجل لينفس عن غريزته الجنسية بأي وسيلة من الوسائل بالنظر أو اللمس أو الكلام أو نحو ذلك، وهذا من غير شك يصرفه عن الزواج أصلاً، أو على الأقل عن التفكير به، وذلك لعاملين:
أولاهما: الشك فيمن يريد زواجها، فقد تكون على شاكلة غيرها ممن اتصل بهن في عدم الحفاظ على الشرف، والرجل، وإن كان يبيح لنفسه الاتصال بالنساء، لا يرضى لزوجته غالباً أن تدنِّس شرفها وعفافها بمثل ما يفعله هو بالنساء.
يقول القائل:
وأترك حبَّها من غير بُغْضِ      وذاك لكثرة الشركاء فيه
إذا وقع الذباب على طعام       رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسودُ ورودَ ماءٍ        إذا كان الكلابُ ولَغْنَ فيه
والعامل الثاني: عدم تقييد نفسه بالارتباط بزوجة واحدة، فالألوان أمامه متعددة مغرية ميسورة، وعدم التزامه بالتبعات والهموم التي يجرها تكوين الأسرة.
والحجاب يساعد على الزواج وتكوين الأسر، فالممنوع يغري بطلبه، والمعروض بكثرة مهان تملُّ النفس منه ولا تحترمه.
10 ـ السفور من الأسباب القوية المشجعة على إقامة الحفلات المختلطة لمناسبات كثيرة : وكل إنسان يعلم ما في هذه الحفلات من سُكْرٍ ولهو وعبث... ينعكس على الحياة الزوجية وعلى الحياة الاجتماعية بشكل عام.
11 ـ السفور شجَّع على شيوع المخدرات والعقاقير المقوية لخدمة الناحية الجنسية، ورواج الخمور التي تقوم عليها الحفلات الماجنة.
12 ـ السفور شجع على شيوع الصور العارية ذات الأوضاع المغرية.
13 ـ شجع السفور على رواج الأدب المكشوف بقصصه وأشعاره، وإخراج مجلات متخصصة وكتب... حتى غَطَّى هذا على كثير من الأدب الحقيقي الجاد.
14 ـ كما شَجَّع السفور على الزنى، لكثرة الطرق المؤدية إليه وسهولتها، وترتب على شيوعه ما هو معروف من الآثار الخطيرة، كانتشار دور البغاء، وكثرة الأولاد غير الشرعيين، وكثرة حالات الإجهاض للتخلص من الحمل المحرم، وكثرة وأد الأطفال الناتجين عن الزنى، وانتشار الأمراض السرية.
15 ـ السفور جعل الناس يستغلون المرأة في مآرب كثيرة في الصحف وأفلام السينما، ودور التمثيل والإذاعات، وفي الإعلان عن البضائع، واستخدامها في المرافق العامة المتنوعة كبائعات وعاملات في الفنادق ، ومضيفات في الطائرات... ومن أخطر الميادين التي استخدمت فيها المرأة الميادين السياسية والحربية في التجسس وتدبير المؤامرات.
16 ـ وأخيراً وليس آخراً، يشكل السفور خطراً كبيراً على الأمن بما يسببه من شيوع المخدرات، وانحلال الأسرة وكثرة مشاكلها، وكثرة الطلاق، وهتك الأعراض، وحوادث قتل من أجل الشرف، والتخلص من العار إلى غير ذلك من حلقات السلسلة الطويلة المترتبة على عدم صيانة العرض، وعدم التزام الحجاب الشرعي الكامل.
علاج السفور:
والآن بعد أن شَخَّصنا الداء وعرفنا أسبابه وآثاره، نريد أن نتعرف على العلاج المناسب بعون الله تعالى.
إنَّ الشعور بالنقص مبدأ الكمال، والإحساس بالمرض يحمل على التفكير في علاجه، فإذا شعر الفرد والمجتمع بخطورة السفور أمكن أن يؤخذ بأيديهم إلى العلاج، ولكن المؤلم أن السفور أصبح عند كثير من الناس مظهراً أكيداً من مظاهر التمدن والرقي.
وقد رأينا الأسباب الداعية إلى السفور والمشجِّعة عليه، والواجب أن يكون العلاجُ سداً لهذه المنافذ وقطعاً لهذه الأسباب، والعلاج يتلخص في التوعية الصحيحة، ومقاومة المنكر.
ـ تفهيم الناس حدود الحجاب الشرعي وحكمته من منع الفتنة وتطهير المجتمع من الفساد وصيانة المرأة والرجل على سواء من الانزلاق إلى السوء، وبيان خطر السفور.
ـ مقاومة المنكر، بقيام كل فرد بواجبه في هذا المجال بالوسيلة التي بينها الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).
والأزواج والآباء ومن لهم ولاية شرعية أشدُّ تأثيراً في الإصلاح من غيرهم، إنَّ على الأزواج والآباء مسؤولية كبيرة، والزوج أو الأب ليس مسؤولاً فقط عن غذاء زوجته وبناته بل مسؤولاً عن التربية والتهذيب.
قال تعالى :[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] {التَّحريم:6}.
والذي يقرُّ الفسادَ في أهله سمَّاه الرسول صلى الله عليه وسلم ديوثاً.
وروى النسائي والبزار والحاكم واللفظ له كما في الترغيب 3/37 عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ثلاثة لا يدخلون الجنة، العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء)، والديوث: هو الذي يعلم الفاحشة في أهله ويقرهم عليها.
ومن المؤلم أن بعض الأزواج قد ينتكس فهمهم وسلوكهم فيرغمون زوجاتهم على السفور للسير بهن في ركب التمدن، وهذا مسلك يعطن غيرته ورجولته.
إنه لابدَّ من تعاون المسلمين جميعاً في مقاومة المنكر : كما جاء في الحديث الشريف : (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته) رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما.
ولنذكر قول الله سبحانه: [وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ] {الأنفال:25}.وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا مَرُّوا على من فوقهم، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً نستقي منه، ولا نؤذي من فوقنا، فلو تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، ولو أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ).
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين