السعادة الزوجية....حقائق وتوصيات

فضل سالم


من أكبر الأخطاء التي يقع فيها معظم المتزوجين أنهم يتصرفون على أساس أن السمكة وقعت في المصيدة وانتهى الأمر، ويتعاملون مع شريك العمر على أنه أو أنها مضمون «في الجيب» ولم تعد هناك حاجة لعمل أي شيء لضمان هذه العلاقة وصيانتها من التدهور.


يستغل أحدهم وجوده في البيت لقضاء أشغاله أو لتبادل الأحاديث الهاتفية مع الأصدقاء والأقارب.. أو يقضي وقته مع الأولاد في أيام العطلة الأسبوعية، وينسى أن شريك العمر ينتظر منه أن يمنحه بعض الاهتمام ويقضي معه بعض الوقت كما كان يفعل أيام الخطبة. المشكلة حين يتصور الزوج أو الزوجة أن شريك العمر يجب أن يتفهم أن الأولوية للأولاد، أو القول اننا لم نعد أطفالاً أو مراهقين لنهتم بصغائر الأمور مما يسمى بالرومانسية.


هذه النوعية من التفكير هي التي تخلق المسافات وتقيم الجدران بين الزوجين، فيصبحان مثل أي غريبين على الرغم من أنهما يعيشان تحت سقف واحد، يتباعدان حتى أنهما قد لا يعودان لتناول الطعام على مائدة واحدة إلا في المناسبات.
العمل مهم بالطبع.. والأطفال مهمون جداً.. لكن الأولوية يجب أن تكون لشريك العمر، ولا يجوز أن نتركه أو نتركها إلى أن تسمح الظروف أو إلى أن يفرجها الله. من المهم جداً أن نتعامل كما كنا نفعل أيام الخطبة!


فإذا كان الرجل قد اختار هذه المرأة بالذات للارتباط بها فلأنه يحبها ويحترمها ويريد قضاء بقية العمر معها.. وإذا اختارت المرأة أو وافقت على الزواج بهذا الرجل بالذات فهذا معناه أنها تريد مشاركته الحياة.. إذن لماذا تتبدل الأولويات بعد الزواج؟


الزواج السعيد لا يكون إلا بين اثنين يدركان أن الأولوية يجب أن تكون لشريك العمر دائماً وأبداً. أما في الحالات الاستثنائية.. والاستثنائية فقط يصبح في الإمكان استيعاب الظروف والمتغيرات.


التواصل والفهم المتبادل
من المستحيل أن نعيش مع شخص لا نتبادل معه الآراء والأفكار.. لا وجود للتواصل والتفاهم بين اثنين يتكلمان لغتين مختلفتين.. فالمصابون بالبكم تمكنوا من إيجاد وسيلة للتفاهم بلغة الإشارة، فلماذا لا يستطيع بعض المتزوجين إيجاد لغة مشتركة لتبادل الأفكار والمشاعر؟
كيف يمكن أن نعرف ماذا يريد شريك العمر إذا لم تكن هناك وسيلة للتفاهم بيننا؟ كيف يمكن أن نعرف إذا لم نكن نجيد فن الإصغاء؟


يقول المتخصصون ان الغالبية لا تجيد فن الإصغاء.. فهم يوجهون جزءاً من انتباههم إلى الإصغاء في حين أن الجزء الأكبر من الاهتمام منصب على ما سيقولونه. وفي هذه الحالة فهم يسمعون بعض ما يقوله الآخر، في حين أنهم يتصورون أنهم يسمعون ما يريدون أو يتوقعون سماعه.
في هذه الحال ينطبق على الحديث وصف «حوار الطرشان».. لا أحد يعرف ما يقوله الآخر لأنه لا يعرف كيف يصغي. وعلاقة من هذا النوع مآلها الفشل حتماً.. لا تفاهم بين طرفي العلاقة ولا توجد لغة مشتركة بينهما لأن شراكة العمر تعني المشاركة في كل شيء.. مشاركة في الأفكار والمشاعر.. مشاركة في السراء والضراء.. في الخير وفي الشر أيضاً.


الحياة الزوجية السعيدة تتطلب أن يستجيب كل من الزوج والزوجة لكل ما يسمع، وليس لكل ما يتصور أنه يسمعه أو يفسر ما يسمعه على هواه ومزاجه. إذ لا يوجد ما يدمر الإنسان أخطر من أن يعيش مع شخص غير قادر على فهمه أو أن يكون لهذا الشخص أسلوبه الخاص والخاطئ في الفهم وترجمة ما يقال.


فن الإصغاء
السؤال الآن هو كيف نتعلم فن الإصغاء؟
بداية لا بد من تحديد موعد للمناقشات الجادة بين الزوجين، فمن الخطأ أن تتحدث في موضوع مهم مع زوجتك وهي منهمكة في المطبخ، أو مشغولة مع الأطفال مثلاً.
كذلك الأمر بالنسبة للزوجة التي تختار الوقت الخطأ لمناقشة موضوع مهم مع الزوج.. فمن غير المقبول أن تفتح أبواب النقاش أثناء انشغاله في متابعة مباراة رياضية محببة مثلاً، أو في الصباح الباكر قبل ذهابه إلى العمل.


وينصح الخبراء بأن يخصص الزوجان وقتاً، ولو لدقائق قليلة يستحسن أن يكون يومياً، لتبادل المعلومات عن المستجدات لدى كل منهما، من أجل أن يكون كل منهما مطلعاً على تفاصيل حياة الآخر والمتغيرات اليومية.


ومن المهم للزوجين أن يتبادلا الحديث بكل صراحة عن الاحتياجات والمشاعر والرغبات.. أن يشعر كل منهما أنه قادر على قول ما يريد، وأن الطرف الآخر سوف يصغي باهتمام.. لكن المتخصصين يحذرون من التمادي إذا كان الحديث من طرف واحد.


وينصح الخبراء بعدم محاولة القفز حول الموضوع المطروح للنقاش أو للحديث. فإذا كان أحد الزوجين يتحدث عن مشكلة واجهته، فمن غير المنطقي أن يقفز الآخر قبل الانتهاء من عرض التفاصيل لإعطاء رأيه في ما كان يجب عمله بدلاً من الاستماع إلى حقيقة ما حصل.. فالإصغاء يعني الإصغاء وليس تقديم الحلول وإصلاح الأمور.


تباعد الزوجين
من الأسباب الأكثر شيوعاً للطلاق أن الشقة الفاصلة بين المتزوجين تزداد اتساعاً مع الأيام. كلاهما مشغول في عمله.. الزوج يقضي معظم الوقت في عمله، والزوجة تعمل أو أنها مشغولة في رعاية الأطفال وربما تجمع بين العمل ورعاية الأطفال.. زوجان يعيشان في منزل واحد لكنهما منفصلان تقريباً، لكل منهما مشاغله وارتباطاته التي لا تترك متسعاً لشريك العمر.


ومن المؤسف أن نرى أن العلاقة بين الأصدقاء أو زملاء العمل.. أو حتى بين الجيران أقوى من العلاقة بين زوجين لا يعطي كل منهما الأولوية للآخر، أو بأسف أكبر.. لا وقت لشريك العمر!


ومن المظاهر غير الصحية في المجتمعات الشرقية بالذات، وهذا رأي المتخصصين، أن المتزوجين يشعرون بتأنيب الضمير إذا ما خصصوا لأنفسهم وقتاً يخرجون فيه للنزهة أو لتناول العشاء في مطعم مثلاً من دون اصطحاب الأطفال. ويتجاهل هؤلاء أن العلاقة الزوجية السعيدة لا يمكن أن تنتظر الأطفال حتى يكبروا ويتزوجوا.. لا يمكن للعلاقة الزوجية أن تستمر إذا كان طرفاها يواصلان التأجيل والتسويف لألف سبب وسبب.. تارة الأطفال.. ومرة العمل وهكذا.


ماذا يمنع الزوجين من تحديد موعد أسبوعي أو شهري لتناول الطعام منفردين، أو للذهاب إلى السينما مثلاً.. زيارة أصدقاء مشتركين من دون اصطحاب الأطفال.. الذهاب في إجازة قصيرة.. تجديد شهر العسل ولو بأيام قليلة.. كل هذا من شأنه أن يضيف بعض التوابل اللذيذة إلى طبخة السعادة الزوجية.


فارتباطات العمل والأطفال والأسرة والأصدقاء كلها قابلة للتأجيل، أما الرغبة في أن تظهر لشريك العمر كم هو أو هي مهم في حياتك، فمسألة غير قابلة للتأجيل مهما كانت الظروف.


الخلافات الصحية ضرورية
في حياة كل زوجين لا بد من وجود خلافات واختلافات في الرأي والنظرة إلى الأمور. والارتباط مع شريك العمر لا يعني ولا يجب أن يعني أن يتنازل أحدهما عن شخصيته.. عن أفكاره وآرائه. فلكل منهما وجهة نظره وطريقته في التفكير والحكم على الأشياء، وبالتالي فالنقاشات الهادئة والجدال البناء مسألة يجب أن تكون موجودة وطبيعية في كل بيت ولدى كل أسرة، لكن من المهم جداً أن نعرف كيف نناقش اختلافاتنا بطريقة حضارية.


الهدف الرئيسي من النقاش هو أن نوصل وجهة نظرنا إلى شريك العمر لا أن ندفعه الى اتخاذ موقف الدفاع عن النفس بالتقليل من شأنه أو من أفكاره، أو بالتطاول والصوت العالي. من الضروري احترام وجهة نظره، حتى لو كانت تختلف عما نعتقد أنه الصواب.


من أجل ذلك لا بد من اتباع بعض الخطوات إذا كان الزوجان حريصين على سعادتهما وعلى زواجهما ولا يريدان الوصول به إلى الحائط المسدود.


أولى الخطوات الواجب اتباعها تقضي بضرورة التركيز على الموضوع الرئيسي للنقاش. فإذا كانت الزوجة متضايقة من عودة زوجها متأخراً من عمله مثلاً، فعليها ألا تتطرق إلى أي موضوع آخر. لا بد لمن يفتح باب النقاش أن يعرف أولاً سبب المشكلة، ويعرف أيضاً ماذا يريد من النقاش، فالمسألة ليست مجرد مناسبة للفضفضة والتنفيس عما يجيش في النفس من رواسب قديمة.


وكما هي الحال في ضرورة التركيز على المشكلة موضوع النقاش، من المهم أيضاً التركيز على النتيجة التي نريد الوصول إليها من هذا النقاش.. فالنقاش العبثي لمجرد النقاش مضيعة للوقت وتدمير للعلاقة الزوجية.
فإذا كان النقاش بسبب أن الزوج أو الزوجة أوقف سيارته مكان سيارة الآخر، فالنقاش يجب ألا يتجاوز هذه الحدود. أما إذا استغل أحدهما المناسبة لنبش الماضي فقل وداعاً لهذه العلاقة الزوجية، أو على الأقل وداعاً لأي تفاهم محتمل بين الزوجين.


نقاش حضاري
إذا طرح أحدهما وجهة نظره بطريقة هادئة بعيداً عن التهديد والوعيد والاستهزاء بالآخر، فمن المؤكد أن تكون استجابة الشريك هادئة أيضاً وفيها الكثير من الاحترام والتفهم لوجهة النظر المطروحة. أما إذا بدأ النقاش بالصراخ فسوف ينتهي بصراخ إلا إذا أقدم أحدهما على ما هو أخطر من الصراخ.
من المهم جداً الإصغاء جيداً لما يريد شريك العمر أن يقوله قبل التسرع في الرد. ويقول الخبراء ان البعض يلجأ الى الرد قبل أن يعرف حقيقة ما يريد الطرف الآخر قوله.. يتصور أن النقاش هجوم شخصي موجه ضده، فيبادر برد هجومي مضاد كأنه في ساحة معركة وليس في منزل يجب أن يسوده الهدوء والطمأنينة.


يتصور هؤلاء أن النقاش أو اختلاف الرأي مشكلة خطيرة ويتجاهلون ما يقوله المتخصصون من أن اختلاف وجهات النظر بين الزوجين يدعم الأواصر الزوجية ويقويها ويشبهانه بالملح والبهار اللذين يعطيان الطعام نكهته المميزة ومذاقه اللذيذ.
ويقول الخبراء أن الزوج أو الزوجة إذا بدأ يفكر في ما سيقوله قبل أن يكمل المتحدث كلامه، فهذا معناه أنه لم يصغ جيداً لما قيل وبالتالي فإن رد فعله لن يكون كما يجب. لا بد من الإصغاء جيداً قبل التفكير في جواب متسرع ستكون نتائجه على الأرجح وبالاً على الطرفين وعلى العلاقة الزوجية نفسها.


النصيحة التي يقدمها الخبراء بصيغة سؤال تقول: هل هناك أحلى من نقاش بين زوجين ينتهي بعبارة: شكراً على إصغائك واهتمامك يقولها أحدهما فيرد الآخر بكلمة أحبك.. ومن ثم يتبعان النقاش بابتسامة سعيدة وجلسة شاعرية تعيدهما إلى أجواء الحب الأولى.

 

الوصايا العشر
1 - أعطاء الأولوية لشريك العمر.
2 - التفاهم والتواصل.
3 - المواعدة بين الزوجين.
4 - النقاش الحضاري.
5 - قراءة الأفكار.
6 - ترك المشاكل القديمة.
7 - رفع شأن شريك العمر.
8 - تسوية الخلافات بالتقسيط.
9 - تطوير اهتمامات مشتركة.
10 - وقت للزوجين فقط.
 
قراءة الأفكار
قال الشعراء والأدباء والفلاسفة الكثير في تعريف الحب منذ مئات السنين وما زالت التعريفات تأتي من بحر لا قرار له.. لكن الثابت هو أن أحداً لا يستطيع تعريف الحب لغيره، فلكل إنسان مفهومه وطريقته في التعريف.. ولكل إنسان مشاعره وأحاسيسه المختلفة عن مشاعر وأحاسيس الآخرين.. لكن من المتفق عليه وضع إطار واسع للحب يشمل مجموعة كبيرة من المشاعر كالسعادة والراحة والطمأنينة والجنس والصداقة.

إذن يمكن القول ان الحب الحقيقي يمنح المحب كل هذه المشاعر وغيرها الكثير، لكنه عاجز عن إعطائه القدرة على قراءة أفكار شريك العمر أو إعطاء هذا الشريك القدرة على قراءة أفكاره، وهذه نقطة في غاية الأهمية لأن البعض يتصور العكس.

فإذا كان شريك العمر غير قادر على قراءة أفكارنا فالمطلوب منا أن نطلعه على ما يجول في رأسنا من أفكار. والشيء ذاته بالنسبة لعدم قدرتنا على قراءة أفكار الحبيب وهذا يتطلب منا الإصغاء جيداً لما يريد أن يقوله.

لا بد للطرفين من تبادل الأفكار والمشاعر والآراء.. لا يجوز الافتراض بأنه يتعيّن على شريك العمر لمجرد أننا نحب بعضنا أن يقرأ أفكارنا ويعرف ماذا نريد إذا لم نبادر أولاً بتعريفه على هذه الأفكار والمشاعر.

هنا نعود إلى النقطة المهمة التي أشرنا إليها في بداية هذا الموضوع، وهي ضرورة التواصل الدائم والتفاهم على كل صغيرة وكبيرة. وهذا التفاهم لا يعني بالضرورة الاتفاق على كل شيء أو أن تذوب شخصية الزوج في شخصية الزوجة أو العكس، فلكل منهما وجهة نظره مادام الاختلاف لا يهدد الحياة الزوجية.

فإذا كانت الزوجة ترغب في الحصول على هدية معينة بمناسبة عيد ميلادها مثلاً، فلماذا لا تقول ذلك صراحة مادامت تعرف أن زوجها محتار في اختيار الهدية المناسبة وأن الهدية المطلوبة لا تتجاوز الميزانية المقررة؟
إذا كان أحد الزوجين متضايقاً من طريقة الآخر في إنفاق المال أو تقتيره فلمَ لا يقول رأيه بصراحة بدلاً من التزام الصمت واستمرار الضيق.

الأمثلة كثيرة بالطبع، لكن المغزى الوحيد من كل ما سبق هو أن يجيد الزوجان لغة التفاهم والتواصل بينهما لأنهما بهذه الطريقة وحدها يستطيعان اجتياز الصعاب وما أكثرها في هذه الحياة. ولو تحدثنا بلغة الأرقام لوجدنا أن أكثر من ستين في المائة من حالات الطلاق في العالم تعود في أسبابها إلى انعدام التواصل والتفاهم بين المتزوجين.

يقول المتخصصون في أهمية التواصل والتفاهم بين المتزوجين ان انعدام التواصل يسبب الإحباط وخيبة الأمل، وهذه بدورها تؤدي إلى النقاشات العقيمة والامتعاض والاستياء والغضب، وفي النهاية قد توصل إلى الطلاق.. فأيهما أسهل وأفضل: التفاهم والتواصل أم الخلافات والطلاق؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين