كلمتا الأميري والوراكلي في الحفل التكريمي - تتمةالكلمات
كلمة الدكتور أحمد البراء الأميري
في حفل تكريم فضيلة الشيخ محمد عوامة
الاثنين6ربيع الثاني 1428هـ
بقلم:أحمد البراء الأميري
لم يُتِحْ لي التقارب في السن، والطريقُ العلمي الذي سلكتُه أن أتتلمذ على فضيلة أخي النبيل الجليل الشيخ محمد عوامة حفظه الله، لكنني ـ على قدر طاقتي في الاستيعاب ـ نهلت من كتبه ما نفعني الله به في ديني ودنياي، وأخص من تلك الكتب اثنين:
أدب الاختلاف في مسائل العلم والدين.
وأثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء رضي الله عنهم، الذي طلب إليَّ أن يكون موضوع مشاركتي في هذه الليلة السعيدة.
قدم للكتاب ثلاثة من أفاضل العلماء: الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي، والشيخ مصطفى أحمد الزرقا، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، رحمهم الله جميعاً، وكلهم أثنى على الكتاب ثناءً عاطراً، وأكتفي بنقل سطور مما كتبه شيخنا الزرقا تبين ـ على وجازتها ـ رأيه في الكتاب، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، قال،وهو الفقيه الذي يحسب لكل لفظ حسابه:" وقد أعجبني غزارة مادة الكتاب، وما تدل عليه سعة اطلاع مؤلفه، وعمق فهمه، وحسن تنسيقه، حتى اجتمع له في هذا الكتاب ـ على لطف حجمه ـ ما يندر أن يجده الباحث في الكتب الكثيرة".
" وزاد من إعجابي بالكتاب أنَّ مؤلفه متمكّنٌ من السنة النبوية ورجالها، وقد حقق قبلاً ( تقريب التهذيب) للحافظ ابن حجر، و(الكاشف) للإمام الذهبي وسواهما، وهو يبني بكتابه هذا جسراً بين الرواية والدرايه: رواية الحديث وفقهه.
"وأستطيع أن أقول بحق: إنه كتابٌ مُفقِّهٌ لقارئهِِ في الحديث ودلالاته، فجزاه الله عن علمه ودينه خير الجزاء ونفع به".
النقطة الأولى: الحديث عن كتاب" أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء رضي الله عنهم" لمن لم يقرأه كمن يصف رائحة زهرٍ لمن لم يشمَّه، وإذا كان الحكم على الشيء فرعاً عن تصوره، وأن من ذاق عرف، ومن لم يذق لم يعرف، وأنَّ من رأى ليس كمن سمع، فما أصدق قول القائل:
وكنت أرى أن قد تناهى بي الهوى    إلى غاية ما بعدها ليَ مذهبُ
فلما تلاقينا وعايَنْتُ حُسْنهــــــــــــا تيقَّنت أني إنما كنتُ ألعبُ
ما أصدق قول هذا القائل عليّ عندما سمعت عن الكتاب قبل قراءته، وبعد أن فرغت من قراءته، وأتوقع أن تكون حال أكثر من سيقرؤونه مثل حالي.
النقطة الثانية: في الكتاب جانبان: جانبٌ خاصٌّ يهتمُّ به طلبة العلم الشرعي ومحبّوه دون سواهم، وجانب عام ينتفع به المثقفون المسلمون على وجه العموم، وأمثل للجانب الثاني بمثالين:
1ـ نَقَلَ الكاتبُ الفاضل عن الأئمة الأربعة رحمهم الله ما يُبين إجلالهم للحديث الشريف، وهذا أمر بَدَهي، لكنه ذكر عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وهو إمام أهل الرأي، قوله:" إياكم والقول في دين الله تعالى بالرأي، وعليكم باتباع السنة ، فمن خرج عنها ضل"، وقوله:" لم تزل الناس في صلاح ما دام فيهم من يطلب الحديث، فإذا طلبوا العلم بلا حديث فسدوا"!! فما أعجب هذا الكلام عن( الرأي) من إمام أهل الرأي!.
2ـ بيّن المؤلف الفاضل أن بعض طلبة العلم في زماننا يرون حديثاً صحيحاً في أحد الكتب الستة مثلاً مخالفاً لأحد المذاهب الأربعة فيقولون: خذوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واضربوا بالمذهب عرض الحائط، وغاب عنه أن الحديث قد يكون منسوخاً، أو مُعَارَضاً بما هو أقوى منه سنداً،أو نحو ذلك من موجبات عدم العمل به، وهو لا يعلم بذلك، فلو فوِّض لمثل هؤلاء العملُ بالحديث مطلقاً لضلوا في كثير من المسائل، وأضلوا من أتاهم من سائل ، قال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله:" الحديث مضلة إلا للفقهاء" يريد: أنّ غيرهم قد يحمل شيئاً على ظاهره وله تأويل من حديث غيره،أو دليل يخفى عليه، أو متروك أوجب تركه غيرُ شيءٍ، مما لا يقوم به إلا من استبحر وتفقه.
النقطة الثالثة: من القواعد المطردة فيما يتعلق بالكتُب والكُتَّاب قولُ أحد الفضلاء:" من التأمل في صفات الكتاب يمكن التعرُّفُ على صفات الكاتب"، وقد طبقتُ هذه القاعدة على كتاب:" أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء رضي الله عنهم" فوجدتها صحيحة ، وبيان ذلك:
1ـالكتاب مخدوم بشكل ممتاز يدل على سعة علم مؤلفه وروح الإتقان التي يتحلى بها.
2ـ الذوق في إخراجه ذوقٌ عال: في اختيار الحرف، وسعة الصفحة، ووضوح الحواشي...الخ، وهذا يدل على ذوق المؤلف، وما قرأت كتاباً لفضيلة المؤلف إلا ذكّرني بكتب أستاذنا العلامة الراحل الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله ، فقد كانت مثالاً ناصعاً لجودة التحقيق وحسن الإخراج.
3ـ صُلب الكتاب يقع في حوالي (175)صفحة مصادرها(177) مصدراً، والقارئ الفاحصُ للكتاب يدرك أن المؤلف لم يذكر مصادره لتكثير عددها، وإلا لأضاف إليها مئات، إنما ذكر مصادر خبرها، وتعمق في الاطلاع عليها، وسَبَرَ أغوارها، واستخلص كنوزها وفرائدها، وجمع للقارئ شواردها.
النقطة الرابعة: إشارة عميقة جديرة أن نطيل الوقوف عندها، هي قول شيخنا مصطفى الزرقا رحمه الله عن المؤلف:" وهو يبني بكتابه هذا جسراً بين علمي الرواية والدراية: رواية الحديث وفقهه" ما أحوجنا في كل زمان ومكان إلى من يجمع بين الحفظ والفهم، إذ ما طغى جانب على جانب إلا نجمت مشكلات أو مصائب تجرّ على المسلمين من الويلات ما لا يعلم عواقبه إلا الله تعالى.
وأقول ـ واصفاً حالي بعد قراءة الكتاب ـ :" إن قراءة الكتاب بروية وإنعام نظر مثنى وثلاث تكوّن لدى قارئه ملكةً علمية فقهية تليق بحاله ينجمُ عنها: معرفةُ قَدْر نفسه، ومعرفةُ أقدار الأئمة العلماء، ومعرفةُ قيمةِ تراثهم العلمي النفيس الزاخر المتكاثر على مرِّ القرون، وأن هناك فرقاً بين تقدير الرجال وتقديسهم، فالتقديرُ هو الاحترام والتقديس هو المبالغة في الاحترام، وأن قلّة الأدب مع العلماء والكبراء معصيةٌ في الدين، وأنّ الدفاع عن أخطائهم وتسويغها على حساب المبادئ خطأٌ جسيم، ولا أعني بالطبع: الاعتذارَ لهم عنها والاستغفار لهم منها.
وفي الختام أدعو الله أن يُحسن جزاء صاحب الاثنينية على سنّته المباركة في تكريم أهل العلم والفضل، وأن يجزل الأجر لشيخنا الجليل ويبارك لنا في علمه وعمره، وأن يتولانا جميعاً بما تولى به عباده الصالحين.
والحمد لله رب العالمين
أحمد البراء الأميري
كلمة الدكتور حسن الوراكلي
الشيخ محمد عوامة
منهج سويٌ...ومنهل رويٌّ!
بقلم: حسن الو راكلي
أنصتُّ إلى الشيخ محمد عوامة ، أول مرة ، وهو يتدفق، كأنما يغرف من بحر، في حديث ماتع عن( أدب الاختلاف في مسائل العلم والدين)..
امتلأت جوانحي إعجاباً بما سمعت أذني ووعى الفؤاد من كلام أتقن الشيخ لحمته وسداه!
يومئذ تمنيت أن لو جاد الزمان بحديث مثله ثراء وبهاء مظهر!
لم تبطئ عليَّ أمنيتي... ما هي إلا أيام معدودات حتى أهلَّت تفيض أعطافها بالإشراق والبشر... وكان أن وجدتني ، مرة ثانية، أنصت إلى الشيخ وهو يتدفق، كما لو كان يغرف من بحر، في حديث ماتع يستقصي فيه( أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء).
امتلأت جوانحي إعجاباً بما سمعت أذني ووعى الفؤاد من كلام أتقن الشيخ لحمته وسداه!
يومئذ تمنيت ـ ومثلي من هو من لا يشبع ـ أن لو جاد الزمان بحديث من الشيخ ثالث ورابع وخامس يكون كالأول والثاني ثراء مخبر وبهاء مظهر...
وكان لي ما أردت...
أنصت إلى الشيخ يقدم نصوصاً ، فيقوم منآدها، ويجلي لآلئها حين اصطحبته في مواكب سنية بهية، أترسم وإياه آثار نخبة فضلاء كرام السجايا وجلة نبلاء عظام المزايا يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم: ابن أبي شيبة، وأبو داود ، والترمذي، وابن ناصر الدين الدمشقي، والسخاوي...
ما أحلاها جولات في رفقة طابت بأريج نداها أرجاء...
ما أحلاها رشحات في صحبة فاحت بشميم مسكها أفياء...
لم أكن رأيت مُحدِّثي رأي العين.. لكني لم أكن لأتوانى ـ وأنا أسترجع ما رأيت للشيخ من رسوخ علم وشفوف نظم ووفور عزم ـ في نَسْج ملامح له يتناغم فيها زيه وطيه!.
ثم ساءلت نفسي: هل يا ترى تصدقني فراستي؟.
يومئذ تمنيت أن لو يجود الزمان ـ لأتيقن من صدق فراستي ـ بلُقيا الشيخ مثلما جاد من قبل بحديثه المستجاد، ومثلما أفاد برفقته مع أعلام نبلاء بهم زهي العلم وساد!
وكان لي ما أردت.. ثم تبطئ عليَّ أمنيتي... ما هي إلا أيام معدودات حتى أهلَّت تفيض أعطافها ـ كما حالها أول مرة ـ بالإشراق والبشر..
كان ذلك في رحاب مهاجره طيبة الطيبة... هنالك.. دعاني بزاهر من القول مضمخ بعطر الدماثة الحلبية أخي الحبيب الفقيه الواعية الدكتور سائد بكداش إلى مجلس يضوع بهاءً في منزل يفوح رُواء!.
هنالك كانت اللقيا... قلَّبتُ بصري، فما وقعت به إلا على رجال غُر الوجوه كالشموس ، لكن ملامح وجه استوقفتني بوضاءتها كأنَّ لي بها سابق ود وسالف عهد!.
أيقنتُ أنها ملامح الشيخ التي تصوَّرت!
كَبُرت في سريرتي وأنا أسترجع ما نسجه حدسي للشيخ من ملامح، في زيِّه وطيِّه:
انظر يا حين تر: لباس تقوى... فيوضات من بياض من فوقه بياض..ز كزهرات الكمائم، إلى هَدي وسمت، ونظائر تجمل ينبئن عن بهاء زي!
وأنصت يا حسن تع: غزارة علم... في عرض بديع، وصوغ رفيع، ونظائر عارضة ينبئن عن غناء طي!.
لم يعرني استغراب مما رأيت على الشيخ من هالة حسن به زيه وطيه!، كيف يكون لي أن أستغرب مما رأيت وقد رأيت من قبل أعلامه في أطواء أقواله؟.
أو يستغرب من ذلك من رأى الشيخ يغرف علمه غضاً طرياً من عيون فوارة مثلها كمثل نهر عذب غمر لا ينضب قعره ولا يجف عطره!. قلت في نفسي:
طوبى لمن جعل ( علم الحديث أجل سُؤْله والوطر) لحظتها انهمرت على ذاكرتي ، كماء مبارك، أبيات كانت تستحثُّني ـ فيما مضى من العمر وانقضى ـ على اللحاق بالركب المنوَّر الذي يزهى يومه بالشيخ عوامة كما زهى أمسه بأعلامه نبلاء لا يحصون عدا ، كانوا بهجة المحدثين وزينة المسندين:
فالحق بقوم إذا لاحت وجوهُهُم
قوم قلوبهم بالعلم مشرقة
أضحوا من السنة العليا على سنن
أجل شيء لديهم(قال: أخبرنا)
هذي المكارم لا قعبان من لبن
لا شيء أحسن من( قال الرسول) ولا

رأيتها من سَنَا التوفيق كالقمر
صدقاً وأوجههم وضَّاحة الغرر
سهل وقاموا بحفظ الدين والأثر
عن الرسول بما صح من خبر
ولا التمتع باللذات والأثر
أجل من سند عن كل مشتهر

 استرجعت ـ وأنا أصغي إل الشيخ في حديثه الماتع بذلك المجلس السني ـ سيراً من سلفه الكرام البررة، أهل الحديث الذين قبس الشيخ من قناديلهم في منبته حلب الشهباء ، وعبَّ من حياضهم في مهاجره طيبة البيضاء...
طويت العصور... طويت الربوع.. ثم رأيتني، وشك اللمح بالبصر، أحلُّ بشهباء، الفضل والنبل ألقى بلقيا ابنها البار من أهلها خَلْقاً لا يُحصّون، ومن نزلائها خلقاً لا يحصون كذلك،كان فيمن تعرفت عليه من هؤلاء وأولئك الحافظ المسند أبو محمد الحسن الهمداني السبيعي، والمحدِّث الرحلة شمس الدين يوسف بن خليل، وفخر الحفاظ أبو بكر محمد بن علي بن ياسر الأنصاري الجياني، ومقدمهم وإمامهم في عصرنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.. وغيرهم كثير!.
ثم رأيتني ، وشك اللمح بالبصر، أحلُّ بطيبة الطيبة القى بلُقيا نزيلها المبجَّل من ألها خلقاً لا يُحصون، ومن المجاورين بها خلقاً لا يحصون كذلك ، تزدهي بهم حلقات التحديث، ويتسامع بها الناس في المشرق والمغرب، فيخرجون بضربون أكباد الإبل آ/ِّين مسجدها في طلب علمها عند كوكبها الوقَّاد إمام دار الهجرة مالك بن أنس، وعند مَنْ تلاه وحلق للتحديث من الرواة والدراة من بعده على تراخي الأزمان.
أولئك آباء الشيخ من حملة العلم الشريف: كلهم سابق بالخيرات في حضرهم وسفره. أينما حلوا بذروا حبقاً وزنبقاً!
يا حُسْنَ ما بذروا!. أدوا أمانات الحديث مصونة، كما لمزن تحمل أعذب الأمواه أولئك آباء الشيخ من حَمَلة العلم الشريف إسناده ، ومتنه، وطرقه، وعلله، وعاليه ونازله، ورجاله ونقلته ، المعدلين منهم والمجرحين.
أولئك آباء الشيخ من حملة العلم الشريف.. ورثوه عُلوَّ روايةٍ وكمالَ دراية،فكان ما علمتم له من عطاء غير مجذوذ كعطاء مهاجره طيبة الطيبة فسح له بين الباحثين مكاناً في الصدارة سنيا!
أولئك آباء الشيخ من حملة العلم الشريف... أنهلوه علم النبوة وعلُّوه، فكان ما علمتم له من عطاء غير مقطوع كعطاء منبته حلب الشهباء بوَّأه بين علماء النص والتحقيق مكاناً في الصدارة علياً!
وإنه لقمن بما رقيه من مكان مشهود بما أعطى وأقنى من ذخيرة في مجالي الدرس والتحقيق.
وانظروا مثلما نظرت تَرَوا مثلما رأيت:
ما من عطاء له في مجال الدرس إلا وجاء كمثل في العنبر إذا تضوَّع! وما من عطاء له في مجال التحقيق إلا وجاء كمثل الصبح إذا تنفس!.
قال بلدي الشيخ عوامة ابن أسامة الحلبي في عصره عن الشيخ الحافظ الحسن السبيعي الحلبي:" لو لم يكن للحلبيين من الفضيلة إلا الحسن السبيعي لكفاهم".
وأنا أقول في عصري عن الشيخ عوامة مثل ما قال: " لو لم يكن للحلبيين من الفضيلة إلا محمد عوامة لكفاهم" وأضيف عطفاً على الحلبييين ( والمدنيين).
ومعتمدي في ذلك ميزتان متلازمتان، كأن بينهما لحمة نسب سطعت بهما أعمال الشيخ في دراساته وتحقيقاته، أودعتهما قولي التالي:
يا حُسن ما درى الشيخ بمنهج سوي!.
ويا حُسن ما سقى الشيخ من منهل روي!
وكتب أبو أيمن حسن الو راكلي بالبلد الأمين مكة المكرمة
عشية يوم الأحد ربيع الثاني عام 1428هـ.
 
 
 
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين