تتمة الكلمات في حفل تكريم الشيخ محمد عوامة - كلمات
 نتابع في هذا الملتقى العلمي ما وعدنا به القراء من الكلمات التي ألقيت في حفل تكريم العلامة المحدث الشيخ محمد محمد عوامة. وبعد كلمة مؤسس الاثنينية الشيخ عبد المقصود خوجة ، التي سبق نشرها في هذا الملتقى ، تكلم معالي الشيخ الدكتور محمد عبده يماني كلمة بليغة في الترحيب بالشيخ والثناء عليه، ثم تبعه الدكتور الشيخ أسامة الرفاعي ، ثم ألقيت كلمة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، وسنورد هذه الكلمات تباعاً .
وأما الكلمات التي لم يسعف الوقت بإلقائها، وهي كلمة الدكتور أحمد البراء الأميري، وكلمة الدكتور حسن الوراكلي التطواني، فسنوردهما بعد تلك الكلمات .
كلمة الدكتور محمد عبده يماني :
قال حفظه الله : هذه الليلة ذات خصوصية ... ذلك أنها تتم في يوم أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصامه، ونبهنا إلى الاحتفاء و الاهتمام به : "هذا يوم ولدت فيه" في هذه الليلة المباركة نحتفي بقضية من قضايا الأمة الجوهرية،في حراسة السنة النبوية ، وما يجب أن نقوم به تجاه هذا العلم .
ولقد أكرمني الله عزَّ وجل أن أجتمع برجل عملت معه فترة من الزمن ، وهو أستاذنا الشيخ محمد عوامة . هذا الرجل نضَّر الله وجهه ، تحقيقاً لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم :" نضر الله وجه امرئ سمع مني حديثاً فبلغه كما سمعه".
نبهنا صلى الله عليه وسلم إلى كريم فضل أمثال هؤلاء الرجال الذين يهتمون بالحديث النبوي الشريف، ويتضاعف فضل هؤلاء في هذا العصر الذي كثر فيه أعداء السنة من القرآنيين ، الذين حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، فقال:"يوشك رجلٌ شبعان على أريكته يقول بيننا وبينكم كتاب الله .... ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه".
من نعم الله أن نحتفي الليلة بهذا الموضوع، ونشعر جميعاً أن من واجبنا أن نعنى بالحديث النبوي والمهتمين بالحديث .
وأنا أشهد أن هذا الرجل طوال الفترة التي عملت فيها معه، أو قرأت فيها عليه، أو تتلمذت على يديه، أو اشتغلنا معاً في بعض الأمور في خدمة الحديث النبوي ، شعرت أنه فعلاً كما يقول أهل مكة :عوامة، وهم يقولون ذلك لمن يحسن العوم، وهذا العوام في العلم هو: محمد بن محمد عوامة ، محب بن محب، ومن مدينة حلب التي ما عرفنا منها إلا المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
 فرحنا الليلة بهذا الرجل الإنسان، وشعرنا أننا نقف لحظات مهمة عند أعمال باهرة ، وأسعدنا أن نشاركه بالاهتمام بالكتاب العظيم الذي حققه :"مصنف ابن أبي شيبة"، وقد قدم بهذا العمل خدمة جليلة للمهتمين بالحديث النبوي في وقت قل فيه من يهتم بهذا العلم ، فالكثير من أبنائنا لا يحسنون قراءة النصوص فضلاً عن معرفة علم الجرح والتعديل ولذلك فإن مثل هذا العمل الجليل جدير أن يكرم هذه الليلة ، ومثل هذا الرجل الفذ جدير أن يقدر وتحترم أعماله، وإننا نفخر به ونشكر الله على ما وفقه إليه، ونسأل الله له مديد العمر والتوفيق والسداد. فمرحباً بك أستاذنا عوامة ، وعلى بركة الله، والسلام عليكم ورحمة الله .
كلمة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان
عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية
فضيلة الشيخ محمد عوامة العلامة الأديب الفقيه المحدث
يُقيِّض الله جلَّ وعلا للأمة في كل زمان وجيل علماء أتقياء ، وصفوة أوفياء لدينهم وأمتهم، يواصلون سيرة السلف علماً، وسلوكاً، يصلون حاضر الأمة بماضيها،يجاهدون لترسيخ العقيدة الصحيحة، ويناضلون لإحياء القيم الإسلامية، والمعاني الرفيعة، جهاداً بالقلم،واتباعاً لسنن السلف،هؤلاء هم مشاعل الأمة ونورها إذا ادلهمت الأحداث، وتكالبت ، يبثون روح الأخوة والمحبة، ويقاومون روح الخلاف والفرقة بكلِّ ما أوتوا من علم وبيان.
فضيلة العلامة الأديب، المحدِّث،المحقق الشيخ محمد عوامة حفظه الله ـ ساكن المدينة ردحاً من الزمن يتجاوز عقدين من السنين ، المهاجر إليها حباً في الله، ومرضاة رسوله، وإشاعة لعلوم الشريعة الغراء ـ أنموذج رفيع لعلماء المسلمين في وقتنا الحاضر، الذين يجاهدون في الله حق جهاده، ينافحون عن العقيدة الإسلامية الصحيحة، وينهجون منهج السلف الصالح وسطية واعتدالاً، وهو من بقيتهم، أثرى المكتبة الإسلامية بفكره الصافي، ووسطيته الإسلامية ، واعتداله الفكري، تتلمذ عليه أجيال من الأساتذة والشباب في جميع أصقاع العالم الإسلامي.
أسعدني المولى جل وعلا بقراءة بعض كتب فضيلته قبل التشرُّف بالتعرُّف عليه فتلمذت على مائدته العلمية قبل التشرف بلقائه فكان أمنية ، والحديث إليه أملاً، وكان مما قرأت له، وتأثرت بفكره من كتبه كتاب:( صفحات في أدب الرأي: أدب الاختلاف في مسائل العلم)،وهو موضوع الحاضر والماضي والمستقبل، كتاب علم وفهم وأدب.
قرأت هذا الكتاب قراءة تفحُّص وتمعُّن فوجدته فريداً في موضوعه، رفيعاً في عرضه، نقي الفكر، أعجبت باعتداله ووسطيته، مما جعلني أقدمه لطلاب الدراسات العليا، وفوق هذا فقد اقتبست منه في كتابي:"منهج البحث الفقهي" جملة مفيدة من الأفكار التي تُشيع التسامح والنقد الفقهي النزيه الذي يرتفع بالموضوع ، ويسمو عن الجوانب الشخصيَّة ، وهو الحاجة الملحة في وقتنا الحاضر.
هذه الأصالة العلمية الفكرية لمستها في مؤلفات عالمنا الجليل فضيلة الشيخ محمد عوامة حفظه الله ، هذا ليس غريباً عليه فهو ابن مدرسة علمية لها أعلامها البررة الذين شهد لهم التاريخ في العالم الإسلامي بصفاء الفكر وخلوص النية. لا جرم أن يكون العلامة الشيخ محمد عوامة خير من يمثلهم علماً ، وموضوعية، وسلوكاً.
أكرمني المولى جل وعلا بالاجتماع به، فتضاعف إعجابي بهذا العالم الفذ بتواضعه الجم، وخلقه الرفيع .
 إذا تحدث فأنت أمام عالم من علماء السلف، خلقاً فاضلاًَ،سكينة وهدوءاً، متزن الحديث، يشعر جليسه مهما تدنت منزلته أنه الأعلم ،والأفضل، والأجل.
إن من منن الله عزَّ وجل التي تُذكر فتشكر أنه في عام 1428هـ، حظيت بإجازته العلمية بمروياته عن مشايخه الأفاضل لدى اجتماعي بفضيلته بمكتبته بالمدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فحصل لي هذا الشرف الذي يُقدِّره حقَّ قدره علماء السنة النبوية المطهَّرة، فجزاه الله خير الجزاء.
صبرُ فضيلته الدؤوب ، وإخلاصُه في خدمة السنة النبوية المطهرة، مضرب المثل، حيث حقق دواوينها الكبيرة، وأكبَّ على إخراجها إخراجاً علمياً متقناً، تضعف أمامها جهود المعاصرين بما يعدُّ أنموذجاً رفيعاً في عالم التحقيق ،والعناية بالحديث النبوي الشريف ، قضى عُصَارة عمره في خدمته، وضرب المثل الأعلى في الصبر، ولا أدل على هذا من تحقيقه وإخراجه أخيراً لديوان من أعظم دوواين السنة المطهرة كتاب:" المصنف "لابن أبي شيبة،في ثلاث وعشرين مجلداً، لا يضطلع به إلا أولو العزيمة الصادقة، والنية المخلصة..
إنَّ المطَّلع على الجهد المبذول في هذا الكتاب ،والتحقيق العلمي الرصين لا يسعه إلا أن يُكبر هذا لمجهود العلمي الكبير الذي قضى فضيلته لإنجازه عقدين من السنين يُعدُّ مثالاً رفيعاً، وسابقة تاريخية في خدمة السنة النبوية الشريفة في هذا العصر بأسلوب علمي رفيع يُدركه المتخصِّصون في علم الحديث، ولا يغمط هذا الجهد إلا جاهل، أو حاقد.
فضيلة العلامة الفقيه الأديب المحدث الشيخ محمد عوامة حفظه الله دوحة علم وفقه، وحديث وأدب،علم من أعلام هذا العصر، قيادة فكرية ، قدوة حسنة، ومثل رفيع يُحتذى في فكره، وأسلوبه العلمي الرصين، يسعى دائماً ـ قولاً وعملاً وتأليفاً ـ لترسيخ المعاني الإسلامية الرفيعة التي تميَّز بها علماء السلف، وورَّثوها الخلف ، إذا جلست إليه أنست منه بحديث هادئ عذب المورد، وأدب نبوي جم، ونفس كلها سكينة وطمأنينة، تتجلى فيه مصداقية العلماء، ونبرة الصالحين الأتقياء.
فضيلة العلامة الفقيه الأديب، المحدث الشيخ محمد عوامة مفخرة من مفاخر هذه الأمة في العصر الحاضر، هنيئاً لبلد تحتضن أمثاله من العلماء الذين صَفَت أفكارهم، وحسنت مناهجهم، وخلصت نياتهم، يبذلون من جهدهم ووقتهم لنفع الأمة ، والإفادة من تراثها ما يحفظ عليها دينها، ومبادئها ، وأصالتها.
إن من أهم المبادئ العلمية التي يتبنَّاها فضيلته، ويُرسِّخها في مؤلفاته العلمية تضييق شقة الخلاف بين العلماء، وحفظ قلمه ولسانه عن الخوض في أعراض الناس بعامة، وعلماء الأمة بخاصة، وهو مبدأ إسلامي حرص على الأخذ به علماء الأمة المخلصون الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يفصح عنه في كتاباته، يعمل به، ويحث عليه، منهجاً شرعياً، وأن الانحراف عن هذا المبدأ لغرض شخصي انحرافٌ عن جادَّة الشريعة المطهَّرة، وطعن يشير إلى عدم سلامة نية صاحبه، يذكر به دائماً في كل مؤلف ، ومناسبة، وهو ما سطره في تحقيق كتاب المصنف ـ الذي سعدت به الساحة العلمية مؤخراً ـ حفظه الله وشدَّ من أزره ـ يذكر تحت عنوان:" المرحلة الثالثة: المنهج الذي اتبعته في الجرح والتعديل" قائلاً: "أستهلُّ هذه الفقرة بقول الإمام الحجَّة الورع ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى آخر الباب الثامن( معرفة الضعفاء) من كتابه( الاقتراح):" أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون،والحكام.
يقول العلامة الشيخ محمد عوامة تعليقاً على هذه المقالة: "فأنار الدرب، وبصَّر المتعجل،ووضع بهذا القول الوجيز منهجاً دقيقاً بيناً لمن يريد ولوج هذا العلم الحرج( الجرح والتعديل).
أسأل الله عزَّ وجل أن يفسح في أجله في صحة وعافية، وكل مَنْ يُؤازره في أداء رسالته، وأن يديم به نفع الأمة إنه سميع مجيب.
عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان
كلمة الدكتور أسامة عبد الرزاق الرفاعي
مفتي عكار في الجمهورية اللبنانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأثمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، أما بعد:
السيد المحترم الشيخ عبد المقصود خوجة، حفظه الله تعالى، راعي هذه المناسبة، أصحاب السماحة والفضيلة العلماء أصحاب المعالي والسعادة، الحفل الكريم، أيها السيدات والسادة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اسمحوا لي قبل البدء بحديثي في هذه المناسبة، مناسبة تكريم شيخنا وأستاذنا سيدي الشيخ محمد محمد عوامة حفظه الله تعالى وأمتعنا به والمسلمين بخير وعافية، أن أخصه بشكري وتقديري، وتحيتي وسلامي لما له من منَّة عليّ، وحق محفوظ لديَّ. وأن أتقدَّم بخالص إعجابي، وصادق امتناني للشيخ عبد المقصود خوجة، صاحب سنة وفكرة الاثنينية التكريمية لجهد وعطاءات علمائنا، وذوي الفضل والمعرفة فينا، فله أجرُ هذه السنة وأجرُ من عمل بها إلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى.
أيها الحفل الكريم:
جرت عادة الكثير من أبناء الأمة الإسلامية أن لا يكرموا أو يعرفوا قدر علمائهم وعظمائهم إلا بعد رحيلهم، ومفارقتهم لمن معهم، وأن لا يقوموا بواجبهم إلا بعد فوات الأوان على أكمل وجوهه ، ولكن ... حُقّ لنا اليوم أن نغير ما سبق في إنزال الناس منازلهم، وإعطاء كل ذي حق حقه، والقيام بما ميَّز الله به أمتنا في توقير كبارنا، ورحمة صغارنا ،ومعرفة حقوق علمائنا، وأراني الليلة معكم أننا نقوم بشيء من ذلك ليكون سنة حسنة ماضية، ومأثرة لأجيالنا خالدة في خدمة وتكريم سادتنا علمائنا وأكابرنا.
أيها الحفل الكريم:
لقد أكرمني الله تعالى بسيدي الشيخ المحتفى به في بداية الثمانينات من القرن الميلادي المنصرم عام 1401هـ ، وكنت قد عرفته للمرة الأولى من خلال كتابه القيم" أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء..."
فتعلّق قلبي بهذا الكتاب وصاحبه، وكانت فاتحة الخير، في طيبة الخير، في المدينة المنورة، على منوِّرها الصلاة والسلام، فعرفتُ سيدي الشيخ حفظه الله تعالى عن قرب ، ورأيت من مكارمه وأخلاقه التي حباه الله إياها وبها، ما غدت معه وله سجية وطبعاً من غير تكلف، والحديث عنها حديث يطول، وفيه فنون وشجون، ويحتاج إلى غوَّاص ماهر يستخرج درره، ويفتق أكمامه، ولكن سأقتصر على بعض منهاـ وأنا العاجز عن إدراك كُنهها، أو استيعاب جمعها، وأرجو من سماحته أن يغفر لي تقصيري، وسوء تعبيري، وللمحب أحوال وأحكام.
مع العلم وأنا أذكر ذلك موقن بأن الله سيسألني عن كل كلمة أقولها ، وكل حرف أنطق به. وسأشير إلى الأمور الآتية، مع تقصيري في ذلك :
1ـ العلم:لقد عرفت سيدي الشيخ كما عرفه غيري من أهل العلم ومُحبيه ، أنه لا يشبع من العلم ومُدارسته، وسعى في تحصيله، وتعليمه، ونشره، وتحقيقه، واقتناء كتبه، وإكرام طلابه ما أصبح معروفاً به عند القاصي والداني، وإنَّ ما كتبه ونشره ، وحقَّقه، من كتب هامة جداً يؤكد صدق ما أقول، وبخاصة في جانب السنة وعلومها، وأهمها موسوعة: "المصنف" للإمام الجهبذ ابن أبي شيبة رحمه الله تعالى.وما رأيته يوم أجلس بين يديه إلا مُحدِّثاً بالعلم، أو ناصحاً باقتناء كتاب، أو مرشداً إلى كتاب، وكان يدقِّق في مسائله، ومختلف ألفاظه وعباراته بما يُحيِّر العقول، ويُدهش النفوس،مع صبر بليغ، وفهم عميق، وتأنٍّ دقيق.
وكان يرشد لذلك مجالسيه:" أن العلم لا يُعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، وهو مع ذلك من إعطائك بعضه على خطر كبير".
وكان يُحذِّر من اتباع شواذ العلماء ، وهفوات الفقهاء، ويدعو إلى التدقيق والتحقيق، وينبِّه إلى خطورة الذهاب أو الفتوى إلى قول، أو بفتوى ، ليس لطالب العلم سلف من الأئمة المعتبرين في ذلك.
وكان إذا تحدَّث عن طلاب العلم اليوم، وما نراه من اختلاطات في الفهم والمناهج ، يُحَوْقل ويتألم أشدَّ الألم ، يخيّل إليك وهو في حزنه لهذه الفوضى " العلمية" وكأن الإسلام ولده الوحيد الذي يُذبح بين يديه، مع ورعه الكامل وتقواه الباهر، وكان دائم التشديد على التدرُّج بين يَدَيْ السادة العلماء، وملازمتهم ، والتأدب بآدابهم، ويردِّد على مسامعنا: "ما فاز من فاز إلا بالأدب ، ولا سقط من سقط إلا بقلة الأدب".
وحذَّرنا كثيراً من أن يكون طالب العلم هجَّاماً على الفتوى، بل يتريَّث ويتأنى.
وأقول بصدق أيها السادة: لقد أنقذني اله تعالى به من الضياع " العلمي"، فلقد قدمت للدراسة في المدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام عام 1399هـ،وأنا من خريجي الثانوية الشرعية في بيروت، " أزهر لبنان" بمنهجه الأزهري، ورأيت الفارق والتفاوت في المناهج العلميَّة ، ووقعت لذلك في حَيْرة ودهش، وبدأ صراع النفس والفكر، ولكن بفضل الله تعالى أولاً، ثم بتوجيهات شيخنا حفظه الله تعالى، استقام الأمر، واطمأنت النفس ، وانتظم عِقْد الفقه والسلوك.
2ـالجانب التربوي:يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" العلماء ورثة الأنبياء.."لقد كان سيدي الشيخ حفظه الله سبحانه وارثاً نبوياً بقاله وحاله، فجلُّ عمله وخدمته للعلم في حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكثرة ملازمته له، وتدقيقه فيه انسكبت معانيه فيه، وتحلَّى بحلاه، وظهرت فيه أحواله وأنواره، فكانت أحواله نبويَّة محمديَّة، وكان يُربِّي بحاله قبل قاله،وبهدْيه وسمَْته ، وبألحاظه قبل ألفاظه، وكثيراً ما يُردِّد في بيان معنى الربَّاني في قوله تعالى:{ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه :" الرباني هو الذي يربي بصغار العلم قبل كبارها". وأنَّ بركة العلم، بالعمل به، وهو مفهوم التربية الصحيح: علم وعمل.
ورأيتُ منه تعظيمه للنبي صلى الله عليه وسلم الشيء العجيب ، وكذا حبه له وتوقيره، ويعمل على غرس كل ذلك في نفوس مجالسيه وزائريه.
وكان يربي بتواضعه كل من خالطه، وأذكر أنه حفظه الله تعالى وبعد انتهاء مجلس علم بين يديه دفع إليّ نسخة من كتاب لطيف قد طبع طباعة أولى تجريبية، وقال لي: اقرأ هذا البحث واكتب ما تُلاحظه عليه، فأخذته وأنا على يقين أن الكتاب ليس له،ولم يكن على لوح الكتاب ما يدل على اسم مؤلفه، وقرأته ثم علَّقت على ما بدا لي من ملاحظات ، وأتيتُهُ به، واطلع على ما علقت ، فصوّب بعضه، ووجَّه البعض ، ولربما وافق على البعض، ودُهشت عندما علمت أن هذا الكتاب الذي هو:" أدب الخلاف.." من تأليفه حفظه الله ونفع به، ولو علمت أنه هو مَنْ كتبه ودبَّجه لما علَّقت بكلمة، ولا دوَّنت ملاحظة، فأنى لمثلي أن يدقِّق على مثله حفظه الله . ولكن أفادني من ذلك خلقاً نبيلاً وهو التواضع في العلم، وقصْدُ الدربة فيه.
أما عن حبه ووفائه لشيوخه فحدِّث ولا حرج، يعرف تعظيمه لهم كل من جالسه أو قرأ كتبه.
وأقول بحق: إنه سبيكة علمية أخلاقية ، تربوية، وفكرية، يملك عليك قلبك بكلامه،ويأسر فؤادك بأخلاقه، ويربي نفسك بسلوكه، ويؤدِّبك بصحبته، ويثلج صدرك ببيانه ، ولقد نوّره الله وزاده جمالاً وبهاءً لخدمة دينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان بعلمه وعمله، وحرصه واجتهاده ممن قال فيهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يحمل هذا العلم من كل خلف عدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".
ولهذا كله تراني في لبنان قد عملتُ على غرس هذه المعاني في قلوب طلاب العلم الشرعي ، فاقتنوا كتبه حفظه الله ،وكتب العلامة المحقق المحدث الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى،وكتب العالم الربَّاني المحدث المرشد الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله، وأنا أقول ما أقول بصدق وحُب، لأحسب عليه، ويقبلني في سلِْكه ، عسى أن أكون ممن عناهم قول النبي صلى الله عليه وسلم :"يحشر المرء مع من أحب"، وقياماً بواجبه حفظه الله تعالى من كل سوء ومكروه. وأمتعنا الله تعالى بك يا شيخنا والمسلمين بخير وعافية، وجزى الله القائمين على هذا العمل الكريم خيراً ، وصلى الله وسلم وبارك على صفوة خلقه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والحمد لله رب العالمين.
الفقير إليه سبحانه: أسامة عبد الرزاق الرفاعي.
مفتي وقاضي عكّار الشرعي ـ لبنان ـ الشمال.
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين