من أساليب التربية في القرآن الكريم ، أسلوب القص ـ القصة ـ

الدكتور عثمان قدري مكانسي


 
      للقصة تأثير كبير في نفس متلقيها ، لما فيها من تدرُّج في سرد الأخبار ، وتشويق في عرض الأفكار وطرحِها ممزوجة بعاطفة إنسانية .
     وهي تعتمد على الحوار والنقاش الداخلي حيناً ، والخارجي حيناً آخرَ ، وتصدر مقترنة بالزمان والمكان اللذين يغلفان الأحداث ، بإطار يمنع الذهن من التشتت وراء الأحداث ، وتتدرج من موقف إلى آخر فتجذب السامع والقارئ إلى التفاعل معها ، والمتابعة بأحاسيسه وأفكاره ومشاعره ، ويندمج فيها فتصل به إلى نقطة التأزم " العقدة " ثم تنحل شيئاً فشيئاً . . وتكون
" نقطة التنوير " في الأحداث الضوءَ الذي ينقذ الموقف القصصي ، وينقله إلى حالة الهدوء والانتظام أو اتخاذ الموقف الإنساني . . نتيجةً للتفاعل الفكري والنفسي مع الأحداث(1) .
      والقرآن الكريم استخدم الأسلوب القصصي إذ رآه من أبلغ الطرق المؤدية إلى توثيق الفكرة وإصابة الهدف .
      فالقصة في القرآن الكريم : .
      1ـ الله سبحانه وتعالى [ راويها ] [ فهي حقيقة واقعة لا ريب فيها ] على عكس ما زعمه مَنْ يُدعى " عميد الأدب العربي " حيث زعم في قصة إبراهيم عليه السلام أنها رُوِيَتُ في القرآن على سبيل العبرة والعظة لا على سبيل الحقيقة في الوجود !! يقول الله تعالى : (( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ ))(2) ، ويقول جلَّ وعلا في أهل الكهف : (( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ))(3) ، ويقول سبحانه : ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ))(4) .
      ففي الآيات الثلاث يؤكد صاحب العزّة والجبروت أن ما يقصُّه حقٌ ، فماذا بعد الحقّ إلا الضلال ؟!! وهل بعد الحقِّ إلا الضلالُ في أوهام المخرّصين ؟!!.
      2ـ والله تعالى يقص [ أفضل القصص وأحسنها ] ((للفائدة والعبرة)) لا ليتمتّع بها ((أهل الفنِّ للفنّ)) لإن القصة تأتي :
أ   ـ لغرس مبدأ وفكرة .
ب ـ وتثبيت عمل صالح .
جـ ـ ونشر فضيلة .
د ـ ودعوة إلى حقٍّ وهدى .
      قال تعالى : (( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ ))(5) .
      (( فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ))(6) .
      (( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) ))(7) .
      (( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى ))(8) .
      3ـ وهي في مادتها تنحو تجاه وحدانية الله وطاعته والعمل بشريعته ، وقصد رضوان الله والفوز بالجنة ، والنجاة من النار . . قال تعالى :
  (( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا    قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)))(9) .
      وقال أيضاً : (( يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)
                      وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)))(10) .
      4ـ وهي أنواع عدة في شخوصها . . فنحن نرى :
      أ ـ قصص الأنبياء وأقوامهم ـ قوم نوح ـ عاد قوم هود ـ ثمود قوم صالح ـ إسرائيل وموسى ـ اليهود وعيسى ـ داوود وجالوت .
      وهذه ـ على سبيل المثال ـ قصة الرجل من بين إسرائيل الذي قتله ابن أخيه ليرثه ، فكشفه الله تعالى أمام قومه لينال جزاءه .
      ((وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً
      قَالُوا: أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا
      قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)
      قَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ
      قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)
      قَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا
      قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)
      قَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)
      قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا
      قَالُوا: الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ
      فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ))(11) .
      ومن الفوائد في هذه القصة :
أـ    قوله : ((أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ )) تنبيه على أن الاستهزاء بأمر الدين جهل
كبير .
ب ـ قوله : (( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا )) وإذا قتلتم نفساً خطاب موجه إلى اليهود المعاصرين للنبي         ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقد جرى هذا الأسلوب المعروف في مخاطبة الأقوام ، إذ ينسب إلى الخلف ما فعل السلف ، إذا كانوا سائرين على نهجهم ، راضين بفعلهم ، وفيه تقريع وتوبيخ للغابرين والحاضرين منهم .
جـ ـ واقعة قتل النفس هذه جرت قبل أمرهم بذبح البقرة وإن وردت في الذكر بعده ، والسرُّ في ذلك التشويق إلى معرفة السبب في ذبح البقرة .
د ـ التكرار في التقريع والتوبيخ لتكرار سوء أدبهم في عدّة أمور :
      أولها : أنهم استهزأوا برسول الله موسى عليه السلام (( أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا )) .
      ثانيها : ما ضيّقوه على أنفسهم في اختيار البقرة ، فضيّق الله عليهم .
      ثالثها : العودة إلى الهزء بالرسول الكريم موسى في قولهم : (( الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ )) إذاً فهو على زعم المغضوب عليهم لم يكن يأتي سابقاً بالحق !! .
      رابعها : عدم الكشف عن القاتل ، ومداراته ، ومحاولة إخفاء جريمته .
هـ ـ التأكيد على إحياء الموتى بطريقة حسية
                (( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا
                   كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ
                   لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) )) .
      ولا بد في كل قصة كما أسلفنا من فوائد ، وعظات وعبرٍ ، جاءت السورة لأجلها .
      ب ـ قصص الصالحين كقصة مريم عليها السلام وزوجة فرعون ، ورجل من آل فرعون ، والرجل الصالح في سورة يس .
      أما قصة الرجل الصالح فتدل على عميق إيمانه ، فلم يخفف من قول الحق وعضّدَ رُسُلَ الله ، ودعا إلى اتباعهم ، وأعلن كلمة التوحيد ، فقتلوه فكانت الجنّة مثواه رضي الله عنه ، قال
تعالى : (( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
              قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
              اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)
              وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
              أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ
              (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)      
              إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
             قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
             بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) ))(12) .
      ومن الفوائد في هذه القصة :
1 ـ الإسراع إلى نصرة الحق (( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى )) .
2 ـ مهما قلّ العدد فإنّه يفيد في نصرة الحق . . رجلٌ [واحد] .
3 ـ إعلان كلمة الحق وذلك في اتباع المرسلين المهتدين الذين لا يريدون أجراً إنما عند الله 
      ثوابهم .
4 ـ لا تجوز عبادة أحدٍ سوى الله الذي خلقَ وأمات ، وإليه المعادُ .
5 ـ لا يُعبَدُ إلا مَنْ بيده الأمر ، فهو يعطي ويمنع ، ويضرّ وينفع .
6 ـ أيُّ إشراك بالله إجحاف بحقه في الألوهيّة ـ سبحانه ـ وظلم للنفس .
7 ـ المسلم داعية إلى الله ، يُسمِع الناس كلمة الحق (( فَاسْمَعُونِ )) .
8 ـ دخول الجنّة وغفران الله تعالى الربح العظيم والفوز الكبير .
9 ـ لا يحقد المسلم على أحد حتى على الذين قتلوه بل يطلب لهم الهداية كما اهتدى ، والنجاة كما  نجا ، والفوز كما فاز : ((يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ )) .
10ـ التحبب إلى الناس (( يَا قَوْمِ )) لإشعارهم أنك منهم ، تريد لهم الخير .
      جـ ـ قصص الأنبياء والصالحين ، ومنها : قصة ـ موسى والخضر ـ وموسى والرجل الصالح في مدين الذي زوّجه ابنته(13) وقصة ذي القرنين .
      أما موسى عليه السلام فقد ظنّ أنه أعلم الناس في زمانه لأنّه النبي الوحيد ـ إذ ذاك ـ من أولي العزم ، فنبهه الله إلى ان هناك مَنْ هو أعلم منه ، فرغب عليه السلام ان يقابله ليتعلم منه ، فبدأت القصة : قال تعالى :
      (( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ(14) لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)
      قَالَ : أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا
      قَالَ : ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ
      فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)
      قَالَ : لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا
      قَالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)
      قَالَ : سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا
      قَالَ : فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا
      قَالَ(15) : أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا(16)
      قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
      قَالَ : لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ(17)
      قَالَ : أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا
      قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
      قَالَ : إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ
      قَالَ : لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا
      قَالَ : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
أ   ـ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)
ب ـ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)
جـ ـ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)))(18) .
      والفوائد في هذه القصة جمّة وفيرة نذكر منها :
1ـ   أن يتلزم الإنسان حَدَّه مهما علا قدره وارتفع .
2ـ   الإصرار على حيازة العلم ، (( لا أبرح . . . أو أمضي حقباً )) .
3ـ   الترتيب الجيد للسفر ، من تهيئة الطعام ، ومعرفة الغاية من سفره ، ومكان الوصول ، ومَنْ تلتقي ، ومَنْ تصاحب في سفرك . . . .
4ـ   قدرة الله تعالى أحيت الحوت المشويّ ، فانطلق في الماء مبتعداً .
5ـ   الاعتراف بالنقص حين طلب الطعام ، وكأنّه شعر بالجوع بعد السفر وأن الله تعالى كان يعلّمه فآثر العودة .
6ـ   الأدب في نسبة النسيان إلى الشيطان ، أما الله تعالى فهو يُذكَر بالخير .
7ـ   سمات عباد الله ، آتيناه رحمة من عندنا ، وعلمناه من لدنا علماً .
8ـ   إذا اتخذ الله ولياً لم يتركه جاهلاً ، إنما علمه (( العلم اللدُنّي )) .
9ـ   الصبر على طلب العلم واحتمال المعلّم ، والتلطف به .
10ـ من شروط تحصيل العلم : الصبر ، وطاعة المعلّم .
11ـ كل أمر بمشيئة الله سبحانه (( إِنْ شَاءَ اللَّهُ )).
12ـ توضيح الأمور للمتعلم قبل أن يفارق أستاذه .
13ـ أن تنسب العلم والأمر كلّه لله سبحانه (( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي )) .
14ـ التأدب مع الله حين جعل الخضر خرق السفينة من عمله وإن كان الله تعالى قد أمره ، وكذلك قتل الغلام . . أما بناء الجدار فقال فيه : (( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا )) فجعل ذلك من الله .
      د ـ قصص التائبين : ومنها قصص أصحاب الجنة ، وسحرة فرعون ، وأصحاب الأخدود .
      ونقف عند سحرة فرعون الذين ظنوا سحرهم يقف أمام آيات الله الباهرات ، فلما عاينوا قدرة الله عرفوا أنفسهم ، فسجدوا لله ، وآمنوا بموسى عليه السلام ، فهددهم فرعون بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، فكان صبرهم أوفى دليل على صدق إيمانهم . . . قال تعالى :
      ((وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11)
      قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)
      قَالَ: كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)
      قَالَ: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) ؟!!
      قَالَ: فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) ؟
      قَالَ: فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) ؟!
      قَالَ: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)
      قَالَلِمَنْحَوْلَهُ: أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25)
      قَالَ: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26)
      قَالَ: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)
      قَالَ: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28)
      قَالَ: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)
      قَالَ: أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)
      قَالَ: فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)
      فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)
      قَالُوا: أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ
      قَالُوالِفِرْعَوْنَ: أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41)
      قَالَ: نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)
      قَالَ: لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ
      وَقَالُوا: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44)
      فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46)
      قَالُوا: آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48)
      قَالَ: آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)
      قَالُوا : لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)))(19) .
      ومن الفوائد في هذه القصة :
1      ـ أن الله رحيم بعباده يرسل إليهم الأنبياء يدلونهم إلى طؤيق الهدى والسداد .
2      ـ معيّة الله لأنبيائه والداعين إلى سبيله .
3      ـ استهزاء المشركين بالرسل والداعاة ، والمنُّ بما يكون ولا يكون .
4      ـ الاعتراف بالذنب ، والإقرار بالتوبة ، وجواز الفرار من الكفار في حالة الضعف .
5      ـ الإقرار بفضل الله ومنّه وكرمه . . (( فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ )) .
6      ـ الرسالة فضل من الله تعالى ، وكذلك الإيمان يثبت الله به قلوب الدعاة .
7      ـ رفض الظلم والعبودية ، فالله تعالى خلق الناس أحراراً .
8      ـ على الداعاة أن يبلِّغوا رسالة ربّهم على الرغم من المعوّقات والإرجاف والتهديد .
9      ـ الاستعلاء على الدنيا واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى في العسر واليسر .
10ـ الاتهامات التي يطلقها أهل الكفر على الداعية واحدة يَسِمون بها كل الدعاة:[ سحر ، جنون ، كذب . . ] .
11ـ البطالة الفاسدة المترفة عون للحاكم الفاسد على التمادي في الظلم .
12ـ الحاكم الظالم يستهين بكل شيء ، ليثبت أركان ملكه . ويبذل المال وغيره في سبيل
       ذلك .
13ـ انتصار الحق على الباطل نهاية المطاف . والحقَّ منتصرٌ ولو بعد حين .
14ـ يصل إلى الإيمان أصحاب العقول ، وذوو الفطن والنباهة .
15ـ يجعل الإيمانُ الحقُّ أهلـًَه أقوياء ، لا يهابون الموت في سبيله ، ويتحملون المصائب
       والمحن .
      هـ ـ قصص الكفار والمفسدين ، ومنها قصص ـ إبليس والذي آتاه الله آياته فانسلخ منها ، قصص الكفار في النار وحوارهم . . .
      و " بلعام بن باعوراء " رجل من اليهود أرسله موسى إلى " مدين " داعياً إلى الله ، وكان مع بلعام اسم الله الأعظم ، فرشاه الملك على أن يعطيه الملك ، فيترك دين موسى ، ففعل وضل ، واستحوذ عليه الشيطان حتى جعله في زمرة الكافرين الراسخين في الغواية بعد أن كان من المهتدين . . قال تعالى :
      (( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
         فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ
        ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا
         فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)
         سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) ))(20) .
       ومن الفوائد في هذه القصة :
1 ـ   قد يضل المؤمن وإن بلغ من الهداية مبلغاً إن اتبع هواه ، نسأل الله الثبات على الإيمان .
2 ـ   لا يرضى الشيطان من ابن آدم إلا الكفر ، فهو يسعى جاهداً إلى ذلك ، والمؤمن يستعيذ دائماً بالله من الشيطان الرجيم .
3 ـ   التعبير بالانسلاخ دليل على الخروج من الإيمان كلّية بعد أن كان بينهما كمال الاتصال .
4 ـ   فمثله كمثل الكلب ، دلالة على السوء الذي يعيشه من غوى على علم ، فهو ضالٌ سواء حمل علماً أم بقي جاهلاً . .
5 ـ  هذه القصة دفعٌ للمؤمن أن يعزو فضل الإيمان لله تعالى لا لنفسه .
6 ـ   مَنْ آمن فقد أسعد نفسه ، ومَنْ كفر فقد أساء إليها .
      5 ـ طريقة عرض القصة في القرآن الكريم :
أ ـ    قد تجيء القصة كاملة مفصلةً في الجزأين الثاني عشر والثالث عشر ، كقصة يوسف.
ب ـ وقد تأتي كاملة مختصرة في سورة صغيرة الحجم ، كقصة أصحاب الأخدود في سورة البروج .
جـ ـ وقد تأتي في سور عديدة موزّعة حسب الهدف الذي جاءت أجزاء القصة موضحةً له كقصص سائر الأنبياء الكرام : آدم ، نوح ، إبراهيم ، هود ، صالح ، موسى . . .
       6 ـ بناء القصّة في القرآن :
أ ـ    بعض الصور جاءت بطريقة السرد ، ومثالها قصة نوح عليه السلام في الجزء التاسع والعشرين ، وقصة الذي انسلخ من اسم الله الأعظم ، وقصة آدم في سورة البقرة . . .
ب ـ وبعضها جاءت بطريقة الحوار ، ومثالها ما رأيناه في قصة موسى والخضر عليهما السلام ، وقصة إبراهيم عليه السلام وقومه ، والنمرود . . .
جـ ـ وبعضها جاءت تحمل في أسلوبها السرد والحوار معاً كقصة سيدنا يوسف عليه السلام ، ومَنْ سأل عن قرينه الذي كاد أن يغويه لولا رحمةُ ربّه به(21) .
د ـ وبعضها جاءت مسرحيّة حوارية كقصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام في سورة الأعراف(22) وكقصة موسى عليه السلام في السورة نفسها (23) .
      7 ـ زمان القصة في القرآن الكريم ومكانها :
أـ    قصص حدثت في الزمان الماضي على هذه الأرض كقصص الأنبياء الكرام وأقوامهم ، والصالحين ، والتائبين ، والمفسدين . . وقد مرَّت أمثلة عليها .
ب ـ قصص ستحدث في المستقبل ، يعلم الله سبحانه أنها ستكون ، فقصَّها علينا سبحانه ، وكأنها حصلت لتكون العبرة أبلغ والفكرة أوضح فمثالها هذه القصة الصغيرة :
          (( هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)
               هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواالنَّارِ (59)
      قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60)
      قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)
      وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)
      إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) ))(24) .
      وهذه القصة القصيرة أيضاً :
   (( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50)
      قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53)
      قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)
      فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)
      قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)
      أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59)
      إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60)))(25) .
      أراد الله تعالى له السعادة ، فلم يتبع صاحبه الكافر ، وانطلق في ركب المؤمنين الأطهار ، فكانت الجنة مثواه .
      وهكذا كانت القصة في القرآن الكريم أسلوباً تربوياً رفيعاً أفادَتْ معلومات وأرشدت إلى خير ، وشوَّقت إلى عبرة وعظة ، ودفعت إلى التأسي بالصالحين والسير على منوالهم ، والتفكير السليم والتصرف الصحيح .

 

--------------------------------------------------------------------------------
(1)   من كتاب التربية النبوية ص14 .
(2)   سورة آل عمران ، الآية : 62 .
(3)   سورة الكهف ، الآية : 13 .
(4)   سورة الأنعام ، الآية : 57 .
(5)   سورة يوسف ، الآية : 3 .
(6)   سورة الأعراف ، الآية : 176 .
(7)   سورة هود ، الآية : 120 .
(8)   سورة يوسف ، الآية : 111 .
(9)   سورة الأنعام ، الآيتان : 130 ، 131 .
(10)  سورة الأعراف ، الآيتان : 35 ، 36 .
(11)  سورة البقرة ، الآيات : 67 ـ 73 .
(12)  سورة يس ، الآيات : 20 ـ 27 .
(13)  على قول أنّه ـ صاحب مدين ـ ليس نبياً .
(14)  هو سيدنا يوشع بن نون الذي استلم الراية بعده وقاتل الكفار ، وتوقفت الشمس عن الغياب حين دعا وهو يحاربهم حتى انتصر فغابت .
(15)  القائل موسى .
(16)  الإمرُ من الشيئ : العجيب المنكَر ، العظيم .
(17)  قتله الرجل الصالح ( الخضِرُ ) .
(18)  سورة الكهف ، الآيات : 60 ـ 82 .
(19)  انظر : سورة الشعراء ، الآيات : 10 ـ 51 .
(20)  سورة الأعراف ، الآيات : 175 ـ 177 .
(21)  انظر : سورة الصافات ، الآيات : 5 ـ 61 .
(22)  انظر : سورة الأعراف ، الآيات : 59 ـ 93 .
(23)  انظر : سورة الأعراف ، الآيات : 103 ـ 156 .
(24)  سوة ص ، الآيات : 55 ـ 64 .
(25)  سورة الصافات ، الآيات : 50 ـ 60 .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين