الشباب والعمل التطوعي - صناعة الشباب
الشباب والعمل التطوعي
بقلم الدكتور: محمد سعيد حوى
من خصائص الشباب: الهمة العالية والإرادة القوية وتدفق العطاء والتطلعُ الدائم أثرًا عن قوة القلب ونفاذ الفكر وصفائه وسلامة البدن.
وكلُّ ذلك يرتب على الشباب مسؤولياتٍ خاصَّةً تجاه أنفسهم وتجاه مجتمعاتهم، تجاه أنفسهم كيف يحرصون على سلامة القلب في تقواه ونقائه وصفائه ونُورانيته، من خلال الالتزام والإقبال على الله تعالى، والتَّسامي عن المعاصي والشهوات المنحرفة، وسرعة التوبة والإنابة حال وقوع زلل أو انحرافٍ، مستعينين بالصبر والصلاة، والرفقة الصالحة، والحياة في ظلال القرآن في أفياء المساجد.
كما يرتب على الشباب مسؤوليات تجاه أبدانهم، فيحرصون على سلامتها، من خلال إعدادها رياضة وقوة، والبعد بها عن أسباب أمراضها، فيجنبها ما يضرها من تدخين ومأكولات ومشروبات محرَّمة كالخمر والخنزير، ويبتعد عن الإسراف في الطعام والشراب بعامة.
إذا كانت هذه بعض المسؤوليات المترتبة على الإنسان عامة وعلى الشباب خاصة تجاه أنفسهم، فإنه يبقى أن نشير أنه لا يقلُّ أهمية عن ذلك ما يترتَّب على الشباب من مسؤوليات تجاه مجتمعاتهم، وقد حبا الله الشباب ما ذكرناه من خصائص في قوة القلب والعقل والبدن.
 ومن أهم ما يترتب على الشباب من مسؤوليات:ما يقدمونه لمجتمعاتهم من خدماتٍ تطوعية وأعمالٍ خيرية ومساعدةٍ في وجوه العمل والإنتاج والبناء والخير في المجتمع تطوعاً وإقبالاً ورغبة واحتساباً.
فقضية العمل التطوعي في حياة الشباب من أسمى ما يمكن أن يقدِّموه لمجتمعاتهم ومن أرفع ما نطالبهم به.
والعمل التطوعي من أسباب تكوين شخصية الشاب وتقويم سلوكه وتحقيق وجوده، وشعوره بأنَّ له رسالة سامية غالية يسعى لتحقيقها في المجتمع .
يشعر من خلال ذلك أنه عنصرٌ فعَّالٌ مفيدٌ مؤثّرٌ، ذلك أن أبواب العمل التَّطوعي واسعة جداً، متعددة جداً، مفتوحة على مصراعيها، متاحة ميسورة، لا يحول بينك وبينها أحد.
وهي في الوقت نفسه سببٌ مباشرٌ للاتصال بالمجتمع، وإرساء العلاقات السليمة، وتصحيح السلوكيات المنحرفة لدى الآخرين، والاطلاع من خلال ذلك على مشكلات المجتمع، ومحاولة معالجتها، وتقديم يد العون في ذلك، والنفوس جُبلت على حبِّ من أحسن إليها، ومتى كان الحبُّ عنوانَ العلاقة مع الآخرين، فإنَّ القلوب تُفتح لك، والعقول تصغي إليك، والألسنَ تلهجُ بالدعاء والثناء.
ومن ثم يكون التعاون البناء المثمر، لذا حدثنا القرآن عن موسى وهو يسقي للفتاتين، تطوعاً واحتساباً وتعاوناً، بلا رجاءِ مقابلٍ ، ثم تولَّى إلى الظل فقال:{ رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}[ القصص:24]، ماذا كانت النتيجة؟.
كان أن دعاه الرجل الصالح وأكرمه، ثم ليزوِّجه إحدى بناته، هذا أنموذج للعمل التَّطوعي الذي نتحدث عنه وعن آثاره العليا، وأهميته في الحياة الاجتماعية، بما يعود نفعه على العامل المتطوع، وعلى المجتمع، إصلاحاً وبناءُ وعلاقاتٍ سليمةً ومعالجات لمشكلاته.
تعيش المجتمعات الإنسانية كثيراً من المشكلات: الفقر والفاقة تارة، والبطالة تارة أخرى، وتفشِّي أوبئة وأمراض في بعض البيئات، كما نلاحظ حاجة بيئات أخرى إلى الارتقاء بالتعليم ومؤسساته، وإيجاد المساكن اللائقة، وتيسير سُبُل الزواج، وحل مشكلات ناشئة عن سوء العلاقات بين الأقارب والأرحام والجيران.
فهذه المشكلات وغيرها لابد لحلها وتجاوزها من تعاونٍ كامل بين المؤسسات الرسمية والشعبية، وبين المؤسسات الخيرية والاجتماعية، وبين المؤسسات والأفراد، ويأتي دور العمل التطوعي بشكل خاص في هذا الصدد، فيمكن لمجموعة من الشباب في كل حيٍّ أو مسجدٍ أن يتعاونوا في البحث عن فقراء الحي، وأن يتَّصلوا بأغنياء الحي، فيتم التواصل والتعاون والتراحم.
ومجموعة أخرى تبحث في جوانب القصور لدى الطلبة في طلب العلم والمواد التي يشعرون بضعف فيها فيرتبوا دروساً تطوعية من خلال المسجد، دروساً في الرياضيات واللغة والعلوم وغيرها، وإذا لوحظ أن هناك في الحي من يحتاج إلى دواء أو علاج وهو فقير لا يستطيع ذلك سعوا في مساعدته في ذلك.
بل ويمكن أن يتطور الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك، كأن تنشأ جمعيات خيرية لتأمين المسكن المناسب للفقراء، من خلال التعاون وجمع التبرعات والإشراف الدقيق على ذلك.
ومن أهم الأعمال التطوعية التي نجدها في بلادنا الأعمال التي تقوم بها لجان الزكاة والصدقات والجمعيات الخيرية، فهي تقوم بجهود مشكورة.
وما أجمل أن يشارك الشباب في هذه اللجان والجمعيات تطوعاً! تارةً في البحث عن أصحاب المشكلات والحاجات ودراسة أحوالهم، وتارةً في جمع التبرعات، وتارة في توزيع المعونات، وهكذا...
إنَّ ظاهرة العمل التطوعي في أيِّ مجتمع أكبر دليل على خيريَّة هذا المجتمع وحضاريته ومدى تمسُّكه بدينه وأخلاقه وقيمه العليا، ودليلٌ آخر على صحة المجتمع وسلامته.
وكم حثَّ الإسلام على ذلك، وكما جاءت نصوص قرآنية ونبوية في ذلك، ومن ذلك:
عن أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال:"إيمان بالله، وجهادٌ في سبيله"، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال:" أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها"، قلت: فإن لم أفعل؟ قال:" تعين صانعاً أو تصنع لأخرق" ـ أي:الذي لا تيقن ما يُحاول فعله ـ قلت: فإن لم أفعل؟ قال:" تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك" أخرجه البخاري(2382)ومسلم(82)..
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلبٌ يلهثُ يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماءً، فسقى الكلب، فشكر اله له فغفر له"، قالوا: يا رسول الله وإنَّ لنا في البهائم لأجراً؟ فقال:" في كل ذات كبدٍ رطبةٍ أجر"رواه البخاري (2334)، ومسلم(2244)..
وفي رواية:" بينما كلبٌ يطيف بركِيَّة ـ أي يدور حول البئر ـ قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل ، فنزعت موقها ـ أي: حفها ـ فاستقت له به، فَسَقَتْهُ فغُفر لها به" أخرجه البخاري(3280)، ومسلم(1914).
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة، في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس" أخرجه مسلم(1914).
وفي رواية:" بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوكٍ على الطريق، فأخَّره فشكر الله له فغفر له" أخرجه البخاري (624)، ومسلم (1914).
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أُكل منه له صدقة، وما سُرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، ولا يرزُؤُه ـ أي: ينقصه ـ  أحدٌ إلا كان له صدقة".
وفي رواية عن أنس رضي الله عنه :" ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكلَ منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة".
من كتاب :" صناعة الشباب"
ص193ـ197
 
*       *       *

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين