فلنفترق على عهد

نحن أمّة رسالة، هي خاتمة رسالات السماء، وأتباع رسول هو سيّد ولد آدم، وخير الأنبياء وخاتمهم، وحملة دين كتب الله له الظهور على الدين كلّه..

فأين نحن من هذه الرسالة.؟! وأين نحن من رسولها.؟! وأين نحن من هذا الدين العظيم.؟!

بالأمس كانت الأمّة التي تخرّجت على يد سيّد الأنبياء أمّة فتح مبين، وبناة حضارة، ودعاة هداية، وحملة لواء الحقّ والعدل، والحرّيّة والكرامة إلى أمم الأرض قاطبة.. ونعمت أمم وشعوب في ظلال عدلها وبرّها، وفضلها وسموّ أخلاقها، وهزم أعداؤها في أنفسهم قبل أن يهزموا في ساحات الوغى، وميادين القتال والنزال، وشهد بعدالتها ونزاهتها المنصفون من أعدائها على مرّ العصور، دون أن تتبجّح بدعاوى هي خاوية الوفاض منها.. فعندما أذهلت الهزيمة الماحقة لبّ هرقل، واندحر جيشه اللجب أمام جند الحقّ في كلّ ميدان.. وغادر أرض الشام باكياً حزيناً، تساءل أمام كبار قوّاده عن سرّ هذه الهزيمة الهائلة وسببها، فقال لهم: أخبروني عن هؤلاء القوم الذين تقاتلونهم: أليسوا بشراً مثلكم.؟ قالوا: بلى، قال: فأنتم أكثر أم هم ؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كلّ موطن قال: فما بالكم تهزمون.؟! فردّ على الأمبراطور أكبر قوّاده، وقال له:

" أيّها الملك ! هزمنا وانتصروا: من أجل أنّهم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويتناصفون بينهم.. ومن أجل أنّا نشرب الخمر، ونزني ونركب الحرام، ونغضب، ونظلم، ونأمر بالسخط، وننهى عمّا يرضي الله، ونفسد في الأرض ".

أليس من حقّ الله علينا، وحقّ ديننا ونبيّنا، وحقّ أولئك الأطهار الذين وصّلوا لنا هذا الدين بجهادهم.. أليس من الوفاء بهذه الحقوق أن نتساءل في أنفسنا: أنعجز أن نكون مثل هؤلاء.؟! أنعجز أن نتمثّل سيرتهم في حياتنا، ونجدّد حياتهم بسلوكنا.؟!

إنّ أسوأ مصائبنا أنّنا نرمي باللوم على غيرنا، ونتنصّل من مسئوليّاتنا، ونلتمس الأعذار والمبرّرات لتقصيرنا وقعودنا، ونلوم غيرنا أن لم يفعل الكثير، ونعذر أنفسنا عن فعل القليل..

إنّ صرح الإسلام العظيم أمانة بين أيدينا، فهل نحن نبني ولا نهدم، ونجمّع ولا نفرّق، ونصلح ولا نفسد.؟ إنّ المصيبة الكبرى أنّ منّا من يحسب الهدم بناءً، والتخريب إصلاحاً، وتراهم ماضين في مشروعاتهم، لا يقبلون النصح أو النقد، ولا يفكّرون في متطلّبات واقعهم، ولا ثمرات أعمالهم..

وإنّي لأرغب إليك أخي القارئ الكريم ! أن نفترق على عهد، لا يكلّفك فوق طاقتك، ولا يأخذ من وقتك وجهدك إلاّ القليل..

ألا وهو أن تفكّر بجدّ: ماذا قدّمت وتقدّم لنصرة دين الله، والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.؟! وليكن منك القليل، بل ما هو أقلّ من القليل، فالقليل، وما هو أقل منه يبارك الله به، ولا تدري لعلّه يكون سبب نجاتك يوم القيامة.. وأبواب الخير أمامك لا تحصى، والسعيد من وفّق وسدّد، والله يتولاّنا وإيّاك بتوفيقه وهداه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين