رجال ومواقف: عُمَيْر بن أبي وقاص الغلام الشهيد

(1)

سعد – عُمَيْر

"صوت عُمَيْر أدق من صوت أخيه سعد لأنه أصغر منه"

سعد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "عُمَيْر يكرر الصلاة" قد دعانا إلى الخروج معه سريعاً يا عُمَيْر.

عُمَيْر: وما الأمر يا سعد؟

سعد: بَلَغَهُ أنَّ عِيراً قادمةً لقريش من الشام إلى مكة المكرمة، فهو يريد السرعة في الخروج عسى أن تكونَ غنيمةً للمسلمين.

عُمَيْر: إنَّ قريشاً تستحق ذلك يا سعد، وتستحقُّ أكثر من ذلك، لقد عَدَت على أموالنا ودُورِنا، وظلمت القريب، وبطشت بالبعيد.. فإنْ نَغنَمْ هذه القافلة فهو بعض ما تستحقه قريش.

سعد: صدقتَ يا أخي.. بارك الله فيك.

عُمَيْر: تُرى من قائد قافلة قريشٍ يا سعد؟

سعد: إنه أبو سفيان.

عُمَيْر: أبو سفيان!.. إنه لَقائدٌ فَطِنٌ داهية، أحسبُهُ سيفعلُ كل شيء حتى لا يقع هو وقافلتُه بأيدينا.

سعد: إنه داهيةٌ حقاً.. لكنَّ قضاءَ الله ما منهُ مهرب، إنَّهُ إن وقع بين أيدينا فأنَّى له النجاة من سيوف المسلمين.

عُمَيْر: يا أخي سعد.. متى يكون الخروجُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "سعد يكرر الصلاة"

سعد: ما أحسبُ الوقتَ إلّا قد أَزِف، هَلُمَّ بنا يا أخي نحمل سلاحَنا وزادَنا، هَلُمَّ يا عُمَيْر.

عُمَيْر: هَلُمَّ يا سعد.

(2)

سعد – عُمَيْر – رجل من المسلمين

الرجل المسلم: "بصوتٍ عال" يا معشر المسلمين، ابرزوا جميعاً ينظر إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم "سعد وعُمَيْر يكرران الصلاة" قبل خروجنا في طلبِ قافلةِ قريش.

عُمَيْر: "في صوت خائف بعض الشيء" يا أخي سعد..

سعد: نعم يا عُمَيْر.

عُمَيْر: دَعْني وراءك في الصف يا سعد.. وسِّعْ لي مكاناً لأقفَ فيه خلفك.

سعد: ولِمَ يا أخي؟ قِفْ في الصف مثل الآخرين.

عُمَيْر: "في صوت هامس خائف" أخاف إن رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم "سعد يكرر الصلاة" يمنعني من الخروج.

سعد: وما عليكَ من ذلك يا عُمَيْر!؟

عُمَيْر: كيف لا أخاف يا سعد!؟ أحسبُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "سعد يكرر الصلاة" سيستصغِرُني ويأمرُ بِرَدِّي.

سعد: وهل تطيقُ القتال إنْ جرى بيننا وبين المشركين؟

عُمَيْر: إني ابنُ ست عشرة سنة يا أخي.. "في صوت هامس فيه رقة ودعاء" وأنا أحِبُّ الخروجَ، لعل الله أنْ يرزقني الشهادة. بالله عليك إلا ما تركتني أتوارى خلفك يا سعد.

سعد: فأنتَ وما تريد يا أخي. "صوت جلبة وحركة".

الرجل: أنت يا عُمَيْر بن أبي وقاص!..

عُمَيْر: "في صوتٍ مضطرب".. أيَّ شيءٍ تريد؟

الرجل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "عُمَيْر وسعد يكرران الصلاة" يأمرُكَ بالعودة إلى المدينة المنورة، فأنت صغيرٌ لا تقوى على القتالِ إنْ نشَبَ بيننا وبين القوم.

عُمَيْر: "يبكي" أرأيتَ يا سعد!؟ ها قد مُنِعتُ من الخروج.

سعد: هوِّن عليك يا أخي، فأنت صغيرٌ بعد، وقد لا تطيقُ القتال.

عُمَيْر: "في صوتٍ يخالطه البكاء" بل إني لَأُطِيقُه.. وإني لَأرجو أن أُرْزَقَ الشهادة يا سعد.

سعد: إنك حريصٌ على الخروج، صادقُ الرغبة في الجهاد.. وأنتَ بذلك مأجورٌ يا أخي عُمَيْر، فلا يغلِبْكَ الحزن.

عُمَيْر: "في صوت يخالطه البكاء" بالله عليك يا سعد أخبِرْ رسول الله صلى الله عليه وسلم "سعد يكرر الصلاة" أني أوَدُّ الخروج، وأني أطِيقُ القتال.. افعل ذلك يا أخي.. فمَن يدري قد أفوز بالجنة يا سعد!؟.. ولا تنسَ يا أخي، أنتَ لستَ أكبرَ مني بكثير، وإنَّ الشعرَ لم ينبُت في وجهكَ بعد.

سعد: "ضاحكاً" لكنَّ في وجهي شعرةً واحدة هي هذه التي تراها.. "يضحك" وها أنذا أمسحُها.. أما أنت "يضحك" فما في وجهك شعرةٌ قط.

عُمَيْر: "في صوته الباكي" بالله عليك يا سعد.. اعملْ على خروجي معك.. بالله عليك!..

سعد: "في صوتٍ يدل على العطف والمواساة" هوِّنْ عليك يا عُمَيْر.. سأعمل على خروجك معنا.. وما يُدرِيكَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "عُمَيْر يكرر الصلاة" سوف يجيزك للخروج حين يعلمُ صِدقَ نيَّتِكَ في الجهاد وقدرتك على القتال.. وإنْ كنتَ صغيراً "يضحك" لم تنبُت في وجهك شعرةٌ واحدةٌ بعد.

(3)

سعد – عُمَيْر – رجل من المسلمين

الرجل: "بأعلى صوته" يا معشر المسلمين!.. إنكم اليوم بإزاءِ عدوكم فاصدقوا الله في الجهاد ينصركم ويكتب لكم الفوز المبين.

يا معشر المسلمين إنها أول معركةٍ بين الكفر والإسلام، فليكنْ منكم في يومِ بدرٍ هذا الصبر والثبات.

"صهيل خيل – جلَبَة وضوضاء – خطى على الأرض"

عُمَيْر: الحمد لله يا سعد، لقد أجازني رسول الله صلى الله عليه وسلم "سعد يكرر الصلاة" فخرجت. الحمدُ لله، الحمدُ لله.. إنَّي والله لَسعيد!..

سعد: إن المعركة تكاد تبدأ يا عُمَيْر فكُنْ قويَّ النفسِ، ثبْتَ الجَنان.

عُمَيْر: "متحمساً" لَأكونَنَّ والله كذلك.. لأرمينَّ بنفسي في قلبِ المعركة.. عسى.. عسى "في صوت متقطع منه بكاء ودعاء" أن أُرزَقَ الشهادةَ فأفوزَ بالجنة. "في صوتٍ ضارع".. اللهم إني أسألكَ ألّا أعودَ من معركةِ بدر.. اللهم انصرِ الإسلامَ في هذا اليومِ المشهود.. واجعلني شهيداً فيهِ على إظهارِ دينك وإعزازِ رسالتك. "يبكي" في صوت كأنه حالم يناجي فيه نفسه" مَن يدري فقد أفوز.. مَن يدري فقد أفوز.. مَن يدري فقد أفوز!..

الرجل: "بأعلى صوته" يا معشر المسلمين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم ألّا تُقاتلوا العدو حتى يُؤذِنَكم، وإن اكتنفوكم فارموهم، ولا تَسُلُّوا السيوف حتى يغشَوْكم.

يا معشر المسلمين الثباتَ الثباتَ!.. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكم: والذي نفسُ محمدٍ بيدِه لا يقاتلهمُ اليومَ رجلٌ فيُقتَلُ صابراً مُحتسِباً مُقبِلاً غيرَ مدبِر إلّا أدخله الله الجنة.

عُمَيْر: "فرِحاً متحمساً" الجنة يا أخي سعد، الجنة يا أخي سعد.. إني والله لَأشم ريحها اليوم..

سعد: دعني أعْقِدُ لك حمائِل سيفكَ يا أخي عُمَيْر.

عُمَيْر: دونَكَ فافعلْ "صوت حركة خفيفة".

سعد: ها هي الحمائلُ وقد عُقِدَتْ..

عُمَيْر: إني ابنُ ستَّ عشرةَ سنة.. وأرجو أن يكونَ خِتامُ حياتي في هذا اليوم، فقد كفاني ما عِشْتُ يا سعد!..

الرجل: "بأعلى صوته" يا معشر المسلمين.. إنَّ المعركة قد بدأت الآن فقاتلوا عن دينكم يرحمكم الله.. "صوت المعركة يشتد"

(4)

راوٍ يتحدث في صوت هادئ عميق

الراوي: واحتدمت معركةُ بدر.. وانطلقَ الفتى المؤمنُ عُمَيْر بن أبي وقاص يجاهد في الله بصدقٍ وثبات.. وهو الفتى الذي لم تنبت في وجهه شعرةٌ واحدةٌ قط.. مضى سيفه يجوب أرض المعركة غير خائفٍ ولا وجِل.. لقد كان يرجو أن يُرزَقَ الشهادة.. ولقد كان يكره القعود مع الصغار.. بكى حين رَدَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بادئَ ذي بَدْء، وحين أجازهُ استبدَّ به الفرحُ والشوقُ والحنان.. والرغبة العارمة في ميتةٍ كريمةٍ نبيلة.. عقد له أخوه سعد بن أبي وقاص حمائلَ سيفِه لأنه صغيرٌ لا يُحسِنُ فِعلَ ذلك.. لكنَّ إيمانه كان كالجبال الراسيات امتداداً وثباتاً وعظَمَة.. مضى في معركة بدرٍ يقاتلُ عن دينِ الله حتى استشهد ففاز بما كان يرجو، وأصاب ما كان يؤمِّل.

*****

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين