واجب المسلمين لِنُصرة المُعتقَلين

عناصر المادة

1- إيماننا البلسم الشَّافي لِما يُصيبنا2- واجب المسلمين تجاه المعتقَلين

مقدمة:

مشاعر فرحٍ مختلطةٌ بدموع الحزن، تلك الّتي عاشها الشّعب السّوريّ الحرّ قبل أيّامٍ عند خروج دفعةٍ مِن أسرى الحرّيّة، بسمةٌ لم يُقدَّر لها أن تستمرّ حتّى علتها مسحة حزنٍ أليمةٍ، بأنّ مَن أُفرج عنهم كانوا قلّةً قليلةً، وأنّ الكثرة الكاثرة لا يزالون في سجون الطّواغيت المجرمين، ومازالت دموع أبنائهم تسيل على خدودهم ينتظرون أيادي والديهم، لتمسح هذه الدّموع بكلّ حبٍّ وحنانٍ، وما زالت أمّهاتهم ينتظرن لحظة ضمّهم لصدورهنّ، بل ما زالت نساؤهم تعدّ السّاعات للحظة الإفراج عن أزواجهنّ.

أليس مِن حقّ هؤلاء الأبناء وتلك الأمّهات أن ينعموا بإطلاق سراح ذويهم؟!

أليس مِن حقّ هؤلاء الأسرى أن ينعموا بشمس الحرّيّة وأن يتنسّموا عبيرها؟!

فيا ترى مَن الّذي ضيّع هذا الحقّ؟ أليس هذا حقٌّ ضيّعه عموم المسلمين المتخاذلين عن نصرة بلدنا بمقدّساته وشعبه؟ أوَما سمع هؤلاء أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم! عنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (فُكُّوا العَانِيَ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَعُودُوا المَرِيضَ). [ 1 ]

فأين الّذين يدافعون عن كرامة الأمّة؟ وأين الصّارخون النّاعقون بحقوق الإنسان وحقّه في العيش بحرّيّةٍ وكرامةٍ؟!

إِنْ أبى العالم النّهوض لنصرة أسرى المسلمين في بلدنا سوريّا، فيكفينا فخرًا أنّنا نواجه أعتى قوى الأرض طغيانًا وكفرًا، مِن النّظام المجرم وميلشياته وحلفائه؛ مِن روسيا والرّوافض، وإن لم يستجب المسلمون في العالم لصرخات المعتقلين والمعتقلات في سجون الطّغاة، ولم نجد فيهم نخوة المعتصم، فلا شكّ أنّ صرخاتهنّ ستصل إلى مَن شمّروا ساعد الجدّ، القابضين على الزّناد مِن المرابطين على ثرى وطننا الحبيب، المجاهدين ضدّ المجرمين المتغطرسين الظّالمين.

ألا فلنعلم بأنّ حقّ الأسرى أمانةٌ في أعناق المسلمين جميعًا، وفكاكهم هو فرض كفايةٍ عليهم جميعًا، ولا بدّ مِن اتّخاذ خطواتٍ عمليّةٍ لتخليصهم مِن أسرهم.

1- إيماننا البلسم الشَّافي لِما يُصيبنا

حين تشتدّ وطأة الظّلم على المستضعفين، ويجثم اللّيل على طريق المظلومين، فليس للقلوب بلسمٌ كالإيمان الّذي يقطر مِن آي القرآن، فيغسل القلوب بآي اليقين، ويغرس فيها الأمل الّذي يستشرف الغد الحقيقيّ في ظلّ العدالة الكبرى، يوم يقوم النّاس لربّ العالمين، فلنتأمّل قصّةً مِن قصص القرآن، قصّها الله عز وجل على المؤمنين المستضعَفين في مكّة، نستلهم بعض معانيها، ونستشرق بعض آفاقها لنكون في ظلّ المحنة الّتي نعيشها اليوم كما يريد ربّنا أن نكون، قال تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:4-8].

إنّها قصّة فئةٍ آمنت بربّها فارتفعت بهذا الإيمان، ولم ترضخ لتهديد الجبّارين الطّغاة، وفي مقابل هذه القلوب المؤمنة الكريمة كانت هناك قلوبٌ مجرمةٌ لئيمةٌ، تفنّنت في حرق عباد الله الأبرار، وارتفعت النّشوة الخسيسة في نفوسهم، وفي حساب الأرض يبدو أنّ الطّغيان انتصر على الإيمان، وأنّ هذا الإيمان لم يكن له وزنٌ ولا حسابٌ، فالآيات الّتي تحدّثت عن القصّة لم تذكر أنّ الله سبحانه قد أخذ أولئك الطّغاة في الأرض بجريمتهم البشعة، كما حدّثنا عن غيرهم، قال سبحانه: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت:40].

في حساب الأرض تبدو خاتمة الصّراع بين الحقّ والباطل في قصّة الأخدود أسيفةً أليمةً، عُذّب فيها المؤمنون وحرُّقوا، ونجا الظّالمون وأُفلتوا، وإنّ هذا الحساب ليحيك في الصّدر شيئًا أمام هذه الخاتمة الأليمة، ولكنّ القرآن يكشف للمؤمنين عن حقيقةٍ أخرى، ويبصّرهم بحقيقة المعركة الّتي يخوضونها، بأنّها حرب عقيدةٍ وإيمانٍ، حيث إنّ الحياة -وسائر ما يلابسها مِن لذائذ وآلامٍ- ليست هي القيمة الكبرى في الميزان، وليست هي السّلعة الّتي تحدّد الرّبح والخسران، ثمّ إنّ النّصر ليس مقصورًا على الغلبة الظّاهرة، وإنّ القيمة الكبرى في ميزان الله جل جلاله هي قيمة العقيدة والإيمان، وإنّ النّصر في أروع صوره هو انتصار العقيدة على الألم والفتنة، ولقد احترقت قلوبنا مِن هول المنظر -بالأمس- لمّا رأينا إخواننا المعتقلين يُقادون مِن قِبل المجرمين -في حي التّضامن- مكبّلين، على عيونهم العصائب، ثمّ يُقتلون تباعًا في وحشيّةٍ وهمجيّةٍ يغذّيها الحقد والإجرام، ومِن ثمَّ أُضرمت فيهم النّيران على مرأى ومسمع العالم كلّه؛ ولا مجيب، وما قُتلوا إلّا لأنّهم آمنوا بالله العزيز الحميد، ولكن ما يعزّينا ويواسينا أنّهم أحياءٌ عند ربّهم يتلذّذون فرحين بكلّ أنواع النّعيم.

2- واجب المسلمين تجاه المعتقَلين

إنّ فاجعة الأسر شيءٌ لا بدّ منه في كثيرٍ مِن ملاحم المسلمين مع الكافرين، وهو مِن جملة ما يمحّص الله به عباده المجاهدين، قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].

والإثبات هو الأسر والحبس، وهو أشدّ المصائب على النّفوس الأبيّة الّتي لا تقبل ضيمًا ولا ذلّةً، وذلك كلّه مِن قدر الله سبحانه بعباده الدّعاة والمجاهدين، وإنّ تخليص الأسرى -بكلّ سبيلٍ شرعيٍّ- مِن واجبات الدّين، ولقد جاءت الأدلّة القرآنيّة والأحاديث العامّة الّتي ترمي إلى نصرة المؤمن لإخوانه المؤمنين، قال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: 72].

بل لقد أمر الله جل جلاله بالقتال لتخليص ضعفة المسلمين وأسراهم، قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النّساء: 75].

ولقد جعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم نصرة المسلم لأخيه حقًّا مِن الحقوق الإسلاميّة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا). [ 2 ]

والخذل: ترك الإعانة والنّصر، فإذا استنصر مسلمٌ بمسلمٍ في دفع السّوء ونحوه لزمه إعانته إذا أمكن، ولم يكن له عذرٌ شرعيٌّ، ثمّ الويل لمن تقاعس عن مدّ يد النّصرة إلى مسلمٍ وهو قادرٌ، كَانَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولَانِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنَ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ..). [ 3 ]

وإنّ كلّ مَن تخاذل عن نصرة إخوانه خذله الله عز وجل في أحلك ما سيلقى، وتركه إلى نفسه الضّعيفة تستغيث ولات حين مغيثٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ، وَهُوَ يقَدِرُ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). [ 4 ]

فتخليص الأسارى واجبٌ على المسلمين، إمّا بالقتال وإمّا بالأموال، ولقد كان مِن ديدنه صلى الله عليه وسلم نصرة الأسرى بسهام الدّعاء الّتي لا تخطئ أبدًا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو فِي القُنُوتِ: (اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ). [ 5 ]

قال ابن العربيّ المالكيّ "إلّا أن يكونوا أسراء مستضعفين، فإنّ الولاية معهم قائمةٌ، والنّصرة لهم واجبةٌ بالبدن، بألّا يبقى منّا عينٌ تطرف حتّى نخرج إلى استنقاذهم، إن كان عدوانًا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتّى لا يبقى لأحدٍ درهمٌ، كذلك قال مالك وجميع العلماء، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، على ماحلّ بالخلق في تركهم إخوانهم في أمر العدوّ، وبأيديهم خزائن الأموال، وفضول الأحوال، والعدّة والعدد والقوّة والجلد". [ 6 ]

خاتمةٌ:

إنّ الّذي يحدث في الحياة الدّنيا، ليس نهاية المطاف، فالبقيّة آتيةٌ هناك، حيث إنّ خاتمة الطّغيان تقابلها خاتمة الإيمان، يحفّها رضا الله جل جلاله وإنعامه، وهذا ما ذكره القرآن الكريم، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج: 10-11].

فبهذه الخاتمة للمؤمنين يستقرّ الأمر في نصابه، وهذه هي الحقيقة الّتي غرستها الآيات في قلوب المؤمنين المضطهدين، وفي قلب كلّ مَن يؤلمه حالهم، وإنّ قضية أسارى المسلمين اليوم في سجون الطّغاة المجرمين، أمرٌ يؤرّق كلّ مسلمٍ أبيٍّ غيورٍ ويقضّ مضجعه، ولكنّ الحزن وحده لا يجدي، بل لا بدّ مِن تحرّكٍ عمليٍّ لنجدتهم وتخليصهم مِن أسر عدوّهم، فبادئ ذي بدءٍ ندعو لأسرى المسلمين في الخلوات والجماعات وفي القنوات، وعلى المنابر وفي الصّلوات، فقد كان صلى الله عليه وسلم يخصّ الأسرى بدعائه، ويسميّهم بأسمائهم، فواجبٌ علينا أن نستنقذ أسرانا من أيدي ظُلّامنا بدفع الفدية لإطلاقهم، وذلك مِن فك الرّقاب الّذي أمر الله به بقوله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 11-13].

وإذا لم يتحقّق ذلك إلّا بالنّفير العامّ لفكاكهم، واستخلاصهم بالشّوكة، وإعداد القوّة لذلك وجبَ، باعتباره مِن أفضل الجهاد في سبيل الله عز وجل، فليقمْ كلٌّ منّا بدوره في ذلك على قدر طاقته وحسب عمله، حتّى خلاص آخر معتقلٍ من سجون المجرمين.

1 - صحيح البخاريّ: 5174

2 - صحيح مسلم: 2564

3 - سنن أبي داود: 4884

4 - مسند أحمد: 15985

5 - صحيح البخاريّ: 2932

6 - ابن العربي، أحكام القرآن: 2/440

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين