لله دَرّكُ يا مصر

الدكتور محمد موسى الشريف


كنت قد كتبت مقالة قبل سنوات بعنوان (أين أنت يا مصر) توجعت فيها من ضعف أثر مصر حكومة وشعباً فيما يجري على المسلمين من أحداث ، ولم يدفعني لكتابة تلك المقالة إلا معرفتي بقدر مصر وقدرتها على ريادة العالم الإسلامي.
وكم حصل من مناقشات طويلة مع إخوة لي من مصر وغيرها وثار فيها سؤال مهم : أين الشعب المصري ؟ ولماذا لا يثور على الظلم والظالمين ؟ ولماذا يرضون بالذل والهوان منذ أيام العبد الخاسر إلى زمن هذا الطاغية ؟
ولماذا يسكتون والحاكم قد تعاون مع اليهود إلى أقصى حد بل ساعدهم أكثر المساعدة في الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية ، حتى صار يعد أكبر عميل في المنطقة لأعداء الإسلام من صليبيين ويهود وغيرهم ، وبرئ من اهل غزة بل حاربهم بكل جهده ، وطاقته ، وخذلهم أشد الخذلان كما هو معلوم ، وقد أقصى الشريعة من الحكم بل حاربها وحارب المنادين بها بكل جهده ، ومكن للنصارى في مصر حتى صاروا يعدون البلد بلدهم والمسلمين ضيوفاً عليهم !! واجترأوا على الكيد والتأمر ضد المسلمين حتى صارت بعض الكنائس سجوناً وأوكاراً يُعذب فيها من اهتدى للدين الحق من النصارى ، بل صار بعض النصارى يسبون علناً دين الإسلام ويذمونه ، ويتبارون في بناء الكنائس التي كالقلاع ويكثرون منها كثرة أفضت إلى نقض عهد الذمة تماماً ، وهذا الحاكم حارب الصالحين ومكن للنصارى الكافرين !!
وزج بمئات الآلاف من الدعاة والمشايخ في السجون خلال سنوات حكمه الثلاثين ، وقتل مئات منهم ، وأذاق الشعب ألواناً من الفقر والحرمان حتى صار يُضرب بحاجته المثل ، وطمس المواهب في مصر ودفعها للخروج إلى بلاد الله تعالى الواسعة ، وحارب التقنية ، وأغلق مصنع الطائرات ، وأخرج من مناهج التعليم كل ما ينفع المصريين في دينهم ودنياهم ، باختصار إن هذا الطاغية قد نهب ثروات مصر ، وحرم شعبها من التقدم والرفاهية ، ومن مشاركة إخوانهم المسلمين أفراحهم وأحزانهم ، ومكن لأعداء الله فيها ، وحارب الدعاة والصالحين.
وكان السؤال الملحّ الذي يدور في تلك الجلسات والمشار إليها آنفاً : إلى متى يصبر الشعب المصري على هذا الظلم والطغيان ؟ ! ولماذا يصبرون أصلاً ؟
فلما قامت ثورة تونس المجيدة وطُرد الطاغية كثر السؤال عما يمكن أن يقوم به المصريون بعد العمل الرائع الذي قام به التونسيون ؟ وهل سيكملون المسيرة الجليلة ؟
وبينما نحن نترقب الفجر الصادق إذا بالأنباء الرائعة تصل إلينا من أن الشعب المصري العظيم قرر الثورة على الطاغية وحكمه ، وإذا بنا نرى أعظم ثورة للشعب المصري في تاريخه مطلقاً منذ أن وُجد في تاريخ البشرية ، وإذا بالشعب المصري الذي اتهم طويلاً بأن شعب نائم ، لا قدرة له على مقارعة الظلم والطغيان ، وانه شعب أليف وادع لين هين ، إذا بهذا الشعب ينتقض انتفاضة الأسد الهصور الجائع إلى الحرية والكرامة والحقوق ، وإذا به بهز عرش الطاغية فيهرول معيناً نائباً له بعد ثلاثين عاماً من الرفض والإباء مضمراً تعيين ولده مكانه ، فخيب الله سعيه ، وانقلع ولده للأبد ولله الحمد والمنة ، وإذا بقرارات التغيير التي حرم منها الشعب المصري طويلاً تترى مؤكدة أن الطاغية لا بد من حصاره ليقلع عن طغيانه أو لينقلع إلى الأبد إن شاء الله تعالى.
أزف التهنئة العظيمة ، والبشرى الجليلة لأهل مصر الأبطال الذين أخلفوا ظن الناس فيهم ، وأبرزوا وجهم الأصيل ، مصر الإسلام والعروبة ، مصر التي نشرت الإسلام في أفريقيا طولاً وعرضاً ، مصر التي كانت عاصمة الإسلام بعد بغداد ، مصر التي هزمت التتار وأوقفت زحفهم في عين جالوت سنة 658هـ بعد قرابة خمسين عاماً من الانتصار على المسلمين ، ومصر هي التي طهرت الساحل الشامي من الصليبيين بعد طرد الأشرف خليل المملوكي لهم من عكا سنة 690هـ ، ومصر هي التي صارت عاصمة الإسلام بعد سقوط بغداد ، ومصر هي التي وقفت سداً منيعاً أمام كل الهجمات على الإسلام والمسلمين طوال تاريخها إلى ان نُكبت بثورة يوليو التي أكلت الأخضر واليابس ، وتقهقرت فيها مكانة مصر إلى حد مُريع.
وبعد فها هي مصر تبدأ بالثورة على أوضاعها وأحوالها التي ظلت تعاني منها طويلاً ، في ملحمة فريدة لم يعرفها تاريخها من قبل ، ولله الحمد والمنة ، وأنصح إخواني بالتالي :
أولاً : عدم إيقاف الثورة حتى يزول نظام الطاغية وينال الشعب حقوقه ، إذ ليس باستطاعة الشعب أن يثور في أي وقت يريده ، وهذه المئات من الآلاف لا يصح أن يذهب جهدها أدراج الرياح ، وقد انتظرنا هذه الثورة طويلاً منذ قرابة ستين سنة فلم تحدث إلا الان.
ثانياً : الحرص على عدم السماح بالتخريب والتدمير المنظم الذي يقوم به عملاء الطاغية ليجهضوا الثورة ويخيفوا الشعب.
ثالثاً : المطالبة بأن يحكم الشعب الأيدي الطاهرة المتوضئة والشرفاء الذين لم يتلوثوا بدماء الشعب وماله ، فكفى سرقة لثورات الشعوب ، وكفى خداعاً لها.
وأسأل الله تعالى أن ينقذ الشعب المصري من الطغيان والظلم ، وأن يحقق على أيديهم كل ما يحبه الله وتعالى لهم ، والله الموفق.
المصدر : موقع التاريخ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين