الثورة المصرية وعملية كسر العظم

بقلم / المختار ولد آمين


منذ اعتنق العرب الإسلام دخلتهم روح جديدة أسقطوا بها الإمبراطوريات العظمى ، وأخضعوا الممالك الكبرى ، وأقاموا على أنقاضها دولة الإسلام العالمية ، فدخلت شعوب بأكملها في دين الله ، وأصبح الجميع أمة واحدة تحتكم إلى شرع واحد ، وتحكم بسلطان واحد يخاطب السحب قائلا : "أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك" !!
واستمرت سيطرة المسلمين قروناً طويلة على أهم مواقع آسيا وأجزاءٍ من أوروبا ، فضلا عن مواقع النفوذ في إفريقيا ، لم تخل من حروب ومناوشات لنزع تلك الممالك أو على الأقل لإضعاف تلك السيطرة ، ومن ذلك ما عرف بالحروب الصليبية التي استمرت بأشكال متعددة وأساليب متنوعة انتهت بالاستعمار العسكري المباشر وإسقاط آخر دولة للمسلمين ، فسيطر الغرب على المسلمين ومزقهم إلى دويلات ، وزرع في وسطهم الكيان الصهيوني ، فعندها قال قائد الحملة الصليبية :"الآن انتهت الحروب الصليبية" .
ومنذ ذلك التاريخ وهذه الشعوب يفرض عليها من يحكمها ، وتساس من خارج أولوياتها دون أن يسمح لها بإبداء وجهة نظر فيما يراد لها أو بها .
وبعد جهد بشري طويل قُدِّمت خلاله آلاف الضحايا عبر عقود ، وبعد سنن كونية ماضية ، بدأت الروح تدبُّ من جديد في هذه الشعوب المقهورة ، وأصبحت تتهجَّى تدريجياً أبجديات العزَّة والكرامة بعد سلبهما ، تقوم هنا لتتعثر هناك ، وتنجح في مكان لتخفق في  آخر .
وكان لهذه العزَّة والكرامة الناشئتين وسائلُ متنوِّعة تنوُّعَ الظروف المحيطة في كل مكان ، فاستخدمت الديمقراطية حيث حُكّمت الديمقراطية ، والتوعية الفكرية حيث أتيحت ، والمقاومة المسلحة حيث فُرضت ، والثورة الجماهيرية حيث لم يعد غيرها ممكناً .
وصاحب ذلك تطوُّرٌ عالميٌّ – هو من فضل الله وحده – في وسائل الإعلام بمختلف أشكالها ، حتى قيل: إن العالم أصبح قرية واحدة !
وبعد نجاح الثورة الشعبية التونسية في جبر حاكمها المستبدِّ على الهرب خارج الحدود، بدأ نظراؤه يخطبون وُدَّ تلك الشعوب بإعلان إصلاحات هنا وهناك ، وتنازل عن بعض الصلاحيات في موقع وآخر .
فقامت – في هذا الظرف – الثورة المصريَّة المباركة مطالبةً بعبارة صريحة بـ"إسقاط النظام" .
ففكر الغرب وقدَّر ، وقتل كيف قدَّر ، ونظر المستبدون في ديارنا ، ونظر الصهاينة الغاصبون مقدّساتنا رُغماً عن إرادتنا ، فرأوا أن نجاح الثورة المصرية في "إسقاط النظام" يعني عنواناً عريضاً ضخماً وخطيراً مقتضاه أنه : (أصبح باستطاعة الشعوب الإسلامية فرض إرادتها) وهذا ما لا يمكن قبوله مهما كلف الثمن !
فالرئيس المصري المسكين يريد ترك السلطة – وقد قالها صراحة – ولكنه مجبر ، إنه فعلاً واقعٌ بين فكي كماشة ، بين ضغط شعبه في ثورته المتدفقة بالملايين ، وبين ضغط أسياده الذين مكَّنوا له عقوداً طويلة ولا زالوا يحمونه ، مع ضغط آخر من زملائه وإخوانه قادة البلاد الإسلامية الذين يعدون إسقاطه حلقة في سلسلة إسقاط عروشهم واحداً تلو الآخر ، كما سيكون من مقتضى تحكم الشعوب في قرارها سيطرتها على مقدراتها ، واختيارها من يحكمها ، وطرد الكيان الصهيوني من مقدساتها .
لهذا كله فقد استخدم النظام المصري وسائل كثيرة ؛ ترغيباً وترهيباً وتشويهاً ودساً لإجهاض الثورة وحرف مسارها ، بل استعدَّ صادقاً – مدعوماً من جميع الأنظمة الغربية والعربية – لعمل كلِّ الإصلاحات ، وتقديم كل التنازلات ، والاعتراف بكل الكيانات، وتغيير كل القيادات ، مقابل أمر واحد هو إفشال هدف الثورة الأول في "إسقاط النظام" وهو أمر لا زالت ملايين المصريين مُصِرَّة عليه ، صامدةً في المطالبة به ، صابرةً على الأذى في سبيله .
فهل تصبر الجماهير إلى منتهى الطريق من أجل "إسقاط النظام" ؟ أم ينجح النظام المصري ومن خلفه في قتل الثورة وحرف مسارها ، مما يعني – في أكبر وأهم ما يعني – إجهاض الثورة العربية والإسلامية والقضاء على إرادة الشعوب الصاعدة ؟!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين