من شهادات المنصفين في عهد النبوّة (2)

من أعظم شهادات المنصفين شهادة أَبي سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ عند هِرَقْلَ قبل أن يسلم، وكذلك شهادة هِرَقْلَ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ودينه:

عَنِ عبيد الله بْنُ عبد الله بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عبد الله بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تِجَاراً بِالشَّأْمِ، فِي المُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ، فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَباً.

فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي، فَكَذِّبُوهُ، فَوَالله لَوْلا الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟

قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ.

قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لا.

قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لا.

قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ.

قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ.

قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لا.

قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لا.

قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا، قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئاً غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ.

قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ: الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا، وَنَنَالُ مِنْهُ.

قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا الله وَحْدَهُ، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ.

فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا.

وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ، لَقُلْتُ: رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ.

وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لا، قُلْتُ: فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ.

وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكْذِبَ عَلَى الله.

وَسَأَلْتُكَ: أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُم اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ.

وَسَأَلْتُكَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الأيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ.

وَسَأَلْتُكَ: أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لا، وَكَذَلِكَ الأيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ.

وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لا تَغْدِرُ.

وَسَأَلْتُكَ: بِمَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا الله، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: ( بِسْم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ الله وَرَسُولِهِ، إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ. سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الأسْلامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ الله أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأرِيسِيِّينَ، وَ: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، أَنْ لا نَعْبُدَ إِلا الله، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ).

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، وَارْتَفَعَتِ الأصْوَاتُ، وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لأصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأصْفَرِ، فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ، حَتَّى أَدْخَلَ الله عَلَيَّ الأسْلامَ.

وفي رواية: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا أَنْ قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ، وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ، فَلا أَدْرِي مَاذَا قَالُوا.؟ وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا، فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي، وَخَلَوْتُ بِهِمْ قُلْتُ لَهُمْ: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، هَذَا مَلِكُ بَنِي الإصْفَرِ يَخَافُهُ.

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَالله مَا زِلْتُ ذَلِيلاً مُسْتَيْقِناً بِأَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ الله قَلْبِي الإسْلامَ وَأَنَا كَارِهٌ ).

وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ، يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ، أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ.

قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ: وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً، يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأمَّةِ؟ قَالُوا: لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلا الْيَهُودُ، فَلا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ، أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ، أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا، فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لا؟ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ، فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الأمَّةِ قَدْ ظَهَرَ، ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ، حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ، يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلاحِ وَالرُّشْدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ، فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ، فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الأيمَانِ، قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا، أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ، وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ ) رواه البخاريّ في صحيحه /6/ وفي كتاب الجهاد والسير برقم /2723/ وفي كتاب تفسير القرآن برقم /4188/.

  • وشهادة أخرى من أبي سفيان:
  • وكان أبو سفيان بن حرب في أشدّ العداوة للنبيّ صلى الله عليه وسلم عندما بلغه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد تزوّج ابنته السيّدة أمّ حَبيبةَ رضي الله عنها، وهي في الحبشة فقال: " هذا الفحل لا يُقدَعُ أنفُه ".

* وشهادة ثالثة من أبي سفيان:

ولما أخرج المشركون زيد بن الدثنة رضي الله عنه، من الحرم ليقتلوه، قال له أبو سفيان بن حرب، وكان على الشرك: أنشدك الله يازيد.! أتحبّ أن محمّداً الآن عندنا نضرب عنقه، وأنك في أهلك.؟ فقال زيد: " والله ما أحبّ أن محمّداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة، وأني جالس في أهلي ".

فقال أبو سفيان: " ما رأيت أحداً من الناس يحبّ أحداً كحبّ أصحاب محمّد محمّداً ".

* وشهادة أخرى منه رابعة بعد إسلامه: وبعد غزوة حنين، فقد أعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم أبا سفيان مئة بعير، وأربعين أوقيّة، وأعطى ابنيه يزيد ومعاوية، فدهش أبو سفيان من هذا العطاء النبويّ، والجود والسماحة، فقال: " يا رَسُول اللهِ، واللهِ إنّك لكريم ! فداك أبي وأمّي ! والله لقد حاربتك فلنعم المحارب كنت ! ولقد سالمتك، فنعم المسالم أنت ! جزاك الله خيراً ".

* وللمقوقس عظيم القبط شهادة:

ومن المعلوم في السيرة العطرة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أرسل إلى المقوقس عظيم القبط، يدعوه إلى الإسلام، فردّ على النبيّ صلى الله عليه وسلم ردّاً جميلاً، وأرسل له بهديّةٍ، ومعها جارية اسمها: مارية، وهي أمّ ولد النبيّ صلى الله عليه وسلم إبراهيم.. ولكنّ ما لا يعلمه كثير من الناس أنّ للمقوقس موقفاً من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وشهادة حقّ، وذلك في العام الثامن من الهجرة، بعد فتح مكّة وغزوة حنين، وأثناء حصارِ النبيّ صلى الله عليه وسلم للطائف، إذ بعثت ثقيف، وهي محاصرة بوفد إلى المقوقس، فدخلوا عليه في عاصمته الإسكندريّة، فبادرهم المقوقس بقوله: كيف خلصتم إليّ، ومحمّد وأصحابه بيني وبينكم.؟ فقالوا له: كيف صنعتم فيما دعاكم إليه.؟ قالوا: ما تبعه منّا رجل واحد. قال: فكيف صنع قومه.؟ قالوا: تبعه أحداثهم، وقد لاقاه من خالفه في مواطن كثيرة.

قال: وإلى ماذا يدعو.؟ قالوا: إلى أن نعبد الله وحده، ونخلع ما كان يعبد آباؤنا، ويدعونا إلى الصلاة والزكاة، ويأمرنا بصلة الرحم، ووفاء العهد، وتحريم الزنا والربا والخمر.

فقال المقوقس: هذا نبيّ مرسل إلى الناس كافّة، ولو أصاب القبط والروم لاتّبعوه، وقد أمرهم بذلك عيسى، وهذا الذي تصفونه منه بعث به الأنبياء من قبله، وستكون له العاقبة، حتّى لا ينازعه أحد، ويظهر دينه إلى منتهى الخفّ والحافر.

فقالوا له: لو دخل الناس كلّهم معه، ما دخلنا معه.

فقال المقوقس: أنتم وما تحبّون.! ماذا فعلت يهود يثرب.؟

قالوا: هم قوم أولو حسد.! فقال لهم: أما إنّهم يعرفون من أمره مثل ما نعرف " انظر: " الإصابة في تراجم الصحابة " 3/531/.

* شهادة عروة بن مسعود الثقفيّ يوم الحديبية قبل إسلامه:

وقد مرّ بنا أنّ عروة بن مسعود الثقفيّ قال لأصحابه من المشركين، بعدما رجع من مفاوضة النبيّ صلى الله عليه وسلم عند الحديبية:

" أي قوم ! والله لقد وفدت على الملوك، على كسرى وقيصر والنجاشي، والله ما رأيت ملكاً يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحابُ محمّدٍ محمّداً، والله إن تنخّم نخامة إلاّ وقعت في كفّ رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النظر تعظيماً له ".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين