طائفة من آداب الإسلام الاجتماعية (2)

أيها المستمع الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.

ذكرت في الحلقة الأمس طرفاً من الآداب الاجتماعية في الإسلام لناشئتنا وأبنائنا، واليوم أذكر طرفاً آخر منها فأقول لكل الأبناء الأعزاء.

ثالثاً: إذا دخلت مجلساً فلا تجلس بين جليسين، ولكن خذ ناحية منهما يميناً أو يساراً، فقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: لا يـُجْلَسْ بين رَجُلَين إلا بإذنهما. وإذا جلست إليهما فلا تُلْقِ بسمْعِكَ إلى حديثهما، إلا إذا كان غير سِرٍّ ولا خاصٍّ بينهما، فإن تطلُّعَك إلى ذلك يُعدُّ عيباً في أخلاقك، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صُبَّ في أُذنيه الآنْكُ يومَ القيامة. أي الرصاص المذاب. رواه البخاري وغيره.

وأعلم أنه لا يسوغ لك أن تُسَارَّ جليسَك بحديث إذا كنتم ثلاثة، فإنك بهذا توقع على ثالثكم إيحاشا وانقطاعا عنكما، فتمر بذهنه الخواطر البعيدة والقريبة، وهذا غير لائق بالمسلمين، ولهذا نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الخُلُق عن المسلمين نفياً فقال:لا يتناجى اثنين بينهما ثالث. ولم يقل "لا يتناج" بصيغة النهي وإنما "لا يتناجى" بصيغة النفي والخبر، إيذاناً منه بأنه غير متصور ولا لائق أن يقع هذا الخطأ من المسلم، لأنه خطأ يُدْرَكُ بالفطرة، وهذا الحديث رواه مالك وأبو داود عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقد سئل ابن عمر فقيل له: فإذا كانوا أربعة؟ قال: لا يَضُرُك. أي لا بأس حينئذ بالمسارَّة والمناجاة.

رابعاً: إذا طرقت باب أخيك أو صديقك أو بعض معارفك، فدُقَّهُ دقاً رفيقاً يُعرِّفُهُ بوجود طارق بالباب، ولا تدقَّ الباب بعنف وشدة كدَقِّ الظَلَمة والزبانية فتَرُوُعَه وتُخِلَّ بالأدب، جاءت امرأة إلى الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه لتسأله عن شيء من أمور الدين، ودقت عليه الباب دقاً فيه بعض العنف، فخرج الإمام أحمد وهو يقول: هذا دق الشُّرْطة. وقد روى البخاري في كتاب الأدب المفرد أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرعون باب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأظافر أدباً منهم مع رسول الله، وهذا الدق اللطيف الرفيق مطلوب فيمن كان جلوسه قريباً من بابه، وأما من بَعُدَ عن الباب، فيُقْرَعُ عليه البابُ قرعاً يسمعه في مكانه من غير عنف، وقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا: من يُـحْرَم الرِفقَ يُحرِمْ الخيرَ كله. رواه مسلم.

وحينما تدق الباب ينبغي أن تجعل بين الدقتين زمناً غير قليل، ليفرغ المتوضئ من وضوئه في مهل، ولينتهي المصلي من صلاته في مهل، وليفرغ الآكِل من لقمته في مهل، وإذا طرقت ثلاث مرات متباعدة، ووقع في نفسك أنه لو كان من تريده غير مشغول عنك لخرج إليك، فانْصَرِفْ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا استأذن أحدكم ثلاثاً ولم يؤذن له فلينصرف. رواه مسلم.

ولا تَقِفْ عند استئذانك على أخيك أمام فتحة الباب، ولكن خذ جهة يمين الباب أو شماله، فقد روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا أتى باب قومٍ لم يستقبل الباب من تِلقاء وجهه، ولكن من رُكنه الأيمن أو الأيسر.

خامساً: إذا طرقتَ بابَ أحدٍ من إخوانك، فقيل لك: من بالباب؟ أو: من هذا؟ فقل: فلانٌ. باسمك الصريح الذي تُعْرَفُ به، ولا تقل: واحدٌ. أو: أنا. أو: شخصٌ يريده. فإن هذه الألفاظ لا تفيد السائلَ مِنْ خلفِ الباب معرفةً بالشخص الطارق، ولا يصح لك أن تعتمد على أن صوتك معروف ممن تطرق عليه، فإن الأصوات تلتبس وتشتبه، والنغمة تشبه النغمة، وليس كل من في الدار التي تطرق بابها يعرف صوتك ويميزه، وقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كَرِهَ قولَ الطارق: أنا. لأنها لا تفيد شيئاً، روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدققتُ الباب فقال: من هذا؟ فقلت: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أنا! كأنَّهُ كَرِهَهَا. حيث لا تُعَيِّنُ عند السَّامِعِ مِنْ وراءِ الباب الشخصَ الطارقَ له.

ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يُسَمُّونَ أنفسَهم إذا قيل لهم: من هذا؟ روى البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده، فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتَفَتَ فرآني وقال: من هذا؟ فقلت: أبو ذر. وروى البخاري ومسلم أيضا عن أم هانئ أخت سيدنا علي وابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أتيتُ النبي وهو يغتسل وفاطمة تستره، فقال: من هذه؟ فقلت: أنا أم هانئ.

واكتفي اليوم بذكر هذه الآداب الثلاثة في حلقة اليوم إلى ذكر طائفة أخرى في حلقة الغد إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من كتاب:" أيها المستمع الكريم" إعداد ومراجعة: محمد زاهد أبو غدة

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين