فجر الحياة

فِي سُدْفَةِ الرُّوحِ لاحَ الفَجرُ وانتَشرا=مُمزِّقًا سُجُفَ الأغْيارِ والسُّتُرَا

مُبدّدًا عَتْمَةً فِي القلبِ مُوحِشةً=ليُسْفِرَ الصُّبْحُ عَن أنْسٍ قَد انهَمَرا

وافَاكَ يا قَلبُ ما وافَى الدُّنَا قِدَمًا=فَرَكْبُهَا تَاهَ في صَحْرائِها عُصُرا

لا حَقَّ إذْ ذاكَ يُروي النّاسَ مِن ظَمَأٍ= لا عَدلَ يُرجَى وبَاتَ اليأسُ مُستَعِرا

إذْ أطبَقَتْ مِن ظَلامِ الكفرِ غَاشِيَةٌ= فأُوصِدَ البابُ ، غُمَّ القَلبُ وانفَطَرا

ما ثَمَّ إلّا انتِظارُ المَوتِ فِي رَهَبٍ=أو رَحمَةٌ لِتُغيثَ الأرضَ والبَشَرا

فافْتَرَّ ثَغْرُ الدُّنَا عَن خَيرِ مُنتَظَرٍ=تَكادُ طَلْعَتُهُ أنْ تَخطِفَ البَصرا

وافَى البَشيِرُ مِن المَوْلَى ورَحمَتُه=بِفُلكِ نُورٍ فَلا ألْواحَ أو دُسُرا

ألْقَى القَمِيصَ على أرواحِهِم فَرَأتْ=جَنائنَ الخُلدِ و اكْتَظّ المَدَى زَهَرا

لا عاصِمَ اليومَ مِن أنْوارِ طَلْعَتِه=مَن ذا يَرُدّ طلوعَ الشّمسِ و القَدَرا

كَم عَتْمَةٍ مِن دَياجِي الجَهِلِ عَاتِيَةٍ=قَد بَدَّدَتْها .. فَمَا أبْقَت ولَن تذَرا

رَوَّى قلوبَهُمُ من راحَتَيه هُدىً=فَفاضَ مِنها ليُروِي عالَمًا كَبُرا

فاهتزَّتِ الأرضُ من غَيثٍ هَمَى ورَبَت=وأزهَرَت قِيَمًا لَذَّتْ بِها ثَمرا

جُذىً تَوَقَّدُ عِشقًا فِي الوجودِ لَه=و أُمّةً سادتِ الآفاقَ والعُصُرا

ماشَقَّ بَحرًا ! و لكِن كانَ أصبُعه=إذا أرادَ يَشُقُّ الأرضَ والقَمرا

مِن غَارِه جاوزَ السّبعَ الطِّباقَ عُلًا=لِيَرتَقي مُرتقًى عَليهِ قَد قُصِرا

ويَخصِفُ النّعْلَ ، أُدمُ الخَلِّ مُؤنَتُه=كَم شَدّ مِن سَغَبٍ يَومَ الطُّوى حَجَرا

جَلَّتْ مَعانِيه عَن وَصفٍ يُطاوِلُها=فمَا يُحاطُ بِها إلّا بِما يَسُرا

طَيَّ السرائرِ قد باتَت نَفائِسُها=ما زَالَ يوسُفُها في الجُبِّ مُنتَظِرا

فَلم يُطِق وصفَه ابن العاصِ مُعتذرًا=بِعَجزِهِ عَن تَمَلِّي حُسنِه نظَرا

أَيَرتَجي ذاكَ مَن نَاءَت كَواهِلُه=بما جَناهُ فَما وَفَّى وما بَصُرا

لولا جَليلُ بيانٍ من مُصوّرِه=فيهِ لَمَا انكَشَفَ المَكنونُ أو ظهَرا

مُحمّدٌ ! و يُصلّي الكونُ أجمَعُه=علَيه والمَلأُ الأعلى إذا ذُكِرا

سِرُّ الحياةِ جلِيٌّ حينَ تَذكرُه=يهتاجُ خافقُها وَجدًا إذا خَطَرا

فَردٌ ، يتِيمٌ ، شريدٌ ، لا نَصِير لَه=في بَطنِ صحراءَ ذاقَ المُرَّ والصَّبِرا

دانَت لهُ الأرضُ وانقادَت لَه أُمَمٌ=فكانَ ما أبهَرَ الدُّنيا بِه عِبَرا

يُنبِيكَ ما شِيدَ من أمجادِ أُمّتِه=عمّا بناهُ بِها مَعنىً ومَا عَمَرا

ما تَمَّ عِقدُ الهُدى إلا بِطَلعَتهِ=مِسكُ الختامِ تَجَلّى عَرْفُه بَشَرا

بُردُ الجَلالِ على ألطَافِ صُورَتهِ=حُسنٌ تَفرّدَ في مَعناهُ ما كَدُرا

صَلّى عَليهِ الذِي زَكّاهُ في خُلُقٍ=مَدى الدُّهورِ ومَا رَقّ الهَوى سَحَرا

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين