مناقشة الشيخ أحمد أكبازلي زاده للشيخ عبد الله بن الصديق الغماري في الاستدلال على تأبيد الكفار في جهنم

 

رسالة الشيخ أحمد أكبازلي زاده في مناقشة الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري
 في الاستدلال على تأبيد الكفار في جهنم بقوله تعالى :[ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا] {النساء:56} .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
من أحمد أكبازلي زاده إلى أخيه في الله مجد الدين مكي ـ حفظه الحفيظ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ونحن ـ ولله الحمد ـ قد وصلنا إلى دمشق بكل سهولة ، فلم نر في سفرنا هذا أي صعوبة لا عند الركوب ولا عند النزول ، فجزى الله المساعدين لنا وإياكم خير الجزاء .
ثم أرجو أن تبلغوا سلامنا كلنا من زوجتي وبناتي اللاتي شاهدن معروفكم هناك، واللائي لم يرونه ـ تصديقاً لمن رأى ـ سلاماً تعجز عن حمله المطايا ويناسب ذلك الكرم والجود مع البشاشة ، وطلاقة الوجه. وأيضاً نسلم على منبع الخير والرحمة والرأفة عمَّكم أبي نضال وأم نضال وأشبالهما: نضال، وشمس الدين ، ومحمد، وأختهم أم أحمد [وزوج أم أحمد أبي أحمد]، ونسلم على الشيخ وليد بستاني، والشيخ محمود (سعيد) المصري ، وزوجتي وبناتي يسلِّمن على زوجته كثيراً .
هذا ولعلكم تذكرون أن الشيخ عبد الله الغماري ـ حفظه الله تعالى ـ كان يستدل على تأبيد الكفار في جهنم ويستشهد بقوله تعالى :[ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا] {النساء:56} . وإني كنت خالفت رأيه هذا، وقلت له ولكم: إن تأبيد العذاب لهم حق وصحيح، وهو مذهبنا واعتقادنا، غير أن الاستشهاد على ذلك بمثل هذه الآية غير صحيح ، فلما رأيت كلامي أعجز بياناً من كتابتي لما أني مبتلى بالنسيان في هذه الآونة كما هو معلوم عند من يعاشرني سكتُّ ولم أقل شيئاً، وأرجأت المسألة إلى أن أبينه كتابة من هنا. وها أنا أبيِّن رأيي فيها وأقول : إن كان ولابد من الاستشهاد على خلودهم في النار فلنستشهد على ذلك بمثل قوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا] {النساء:168} .
فكأنَّ الأستاذ ـ حفظه الله تعالى ـ يرى أن كلمة (كلما) للتأبيد المطلق ، وذلك غير صحيح . إذ تبديلُ جلودِّهم جلوداً غيرَها مقيَّد بنضجها ، ونضجها بيده تعالى ، فللمخالف أن يقول : إذا أراد الله تعالى إنهاء العذاب لهم ، وانقطاعه عنهم ، فلا يُنضج الجلود ، وهذه تُشبه تماماً في هذا المعنى قوله تعالى : [كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا] {آل عمران:37} . وقوله تعالى : [كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا] {البقرة:20} . فدخول زكريا عليه السلام في المحراب من الأمور الممكنة، فإن شاء دخل وإن لم يشأ لا يدخل، كذلك الأمر في قوله تعالى :[ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا] {البقرة:20}.الإضاءة أمر ممكن ـ يحتمل أن يضيء بإذنه تعالى ويحتمل أن لا يضيء فيظلم ويقوموا، أي : يقفوا فكل ذلك بيده تعالى لا يجب على الله شيء.
ويمكن أيضاً الاستشهاد بالحديث الشريف بمثل ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار ، يجاءُ بالموت كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون فيقولون: نعم هذا الموت، ثم يقال : يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون فيقولون: نعم هذا الموت، فيؤمر به ويذبح، ثم يقال : يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت فيها، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم : [وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ] {مريم:39} .وأشار بيده صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا.
وقال عليه الصلاة والسلام في آخر خطبته التي خطبها بمكة : (... وإنها لجنة أبداً وإنها لنار أبداً).
فإذا عُلم أنَّ كلمة (كلما) لا تدل على شيء من التأبيد، فللإنسان أن يقول : كلما اشتريت عبداً فهو حر فحرية العبد متوقّف على شرائه، وشراؤه من الممكنات، فإن شاء اشتراه وإن لم يشأ لا يشتريه ، وهذا ما كنت أن أقوله لكم إلا أنَّ كلامي كان قاصراً وعاجزاً عن البيان فسكتُّ كما قلته قبيل الآن .
وسلام على المرسلين وصلى الله على النبي محمد .
دمشق 20شعبان1404.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين