من عمق السيرة

من أفضل ما تعلمته من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفية تعامله مع الصحابة الكرام أمور ثلاثة:

الاول: معرفته بالفروق الفردية فيمن حوله في الطبائع والميول والتركيبة النفسية والخلفية الاجتماعية والاستعدادات والقدرات والتخصصات.

الثاني: أنه كان يركز على نقاط القوة فيهم بحسب نوعها ولا يصلح نقاط الضعف إلا أن تكون نقطة الضعف هذه "معصية أو خلق وطبيعة تؤذي الآخرين".

الثالث: كان يفصل ويميز بين المنزلة والسبق والفضل وبين التخصص والقدرة والمهام.

فاستثمر قدرة عمر القيادية وقدرة عمرو بن العاص السياسية وقدرة خالد بن الوليد الحربية وقدرة زيد بن ثابت العلمية رضي الله عنهم أجمعين.

فكان عليه الصلاة والسلام يعرف الفروق الفردية بينهم ونقاط القوة ونقاط الضعف فيهم وكان يستثمر نقاط القوة فيهم دون طلب إصلاح نقاط الضعف في الطبائع والمواهب والقدرات ولهذا لم يلب طلب أبي ذر رضي الله عنه عندما طلب بأن يوليه ولاية وقال له:" يا أبا ذَرٍّ، إنِّي أراكَ ضَعِيفًا، وإنِّي أُحِبُّ لكَ ما أُحِبُّ لِنَفْسِي، لا تَأَمَّرَنَّ علَى اثْنَيْنِ، ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يَتِيمٍ".

ولم يعمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لإجابته حتى يتدرب ويصلح نقطة ضعفه لانها صفة ملازمة.

بينما كان ابو ذر الداعية العبقري حيث جاء بقبيلته غفار وقد أسلم معظمها بسبب إحسان دوره كداعية فيها حيث قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه: "الحق قومك وخبرهم بما رأيت وما سمعت وادعهم إلى الإسلام، لعل الله ينفعهم بك ويؤجرك فيهم فإذا بلغك أني ظهرت فتعالَ إلي".

وهنا أمر مهم جدا جدا ينبغي الانتباه إليه وهو التفريق بين وجود الموهبة والقدرة الكامنة والضعيفة وبين عدم وجودها اصلا فمع وجود أصل الموهبة لكنها ضعيفة فهذه تُنمى وتُطور وتُفتح لها الفرص مثل قلة الخبرة الإدارية بسبب عدم التدريب.

واما مع عدم وجودها أصلا فهذه تهمل ولا يكلف صاحبها فوق ما يطيق مثل أن يطلب من شخص عادي الصوت أو قبيحه أن يتعلم كيف يطرب الناس بصوته!!.

وهذا يحتاج إلى فهم ودقة في التشخيص وقد نحتاج فيه إلى متخصصين بارعين حتى لا نقع في ظلم الناس.

أيها القادة والعلماء والمدرسون والآباء والأمهات والمربون انتبهوا لهذا فكثير من الخطأ والتكلف والعنت والمشقة وتأزم العلاقات وضياع المواهب والطاقات أو توهمها إنما يحصل بسبب هذا.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين