هل استيقظ الفتية المؤمنة من أصحاب الكهف وهم طويلو الشعر والأظافر، وقد تغير مظهرهم..؟!

فَهِم بعض الناس من قوله تعالى: (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا)[الكَّهْف: 18] تغيّر أشكال أصحاب الكهف تغيراً فاحشاً؛ لظاهر هذه الآية من أن النّظر إليهم سيملأ الرعب في القلب، وهو وجه عند بعض المفسرين.

والراجح من أقوال المفسرين:

أنَّ أشكالهم لم تتغير، وكذلك شعورهم وأظافرهم، وأما قوله تعالى: (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) فالمعنى: لو اطلعت عليهم ولم تكن علمت بقصّتهم لحسبتهم لصوصاً قطاعاً للطريق، إذ هم عدد في كهف وكانت الكهوف مخابئ لقطاع الطريق، فلوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ وهم في تلك الحالة لفررت منهم وملكك الرعب من شرهم، كقوله تعالى: (نَكِرَهُمْ ‌وَأَوْجَسَ ‌مِنْهُمْ ‌خِيفَةً)[هُودٍ : 70]

وليس المراد الرعب من ذواتهم؛ إذ ليس في ذواتهم ما يخالف خلق الناس، ولا الخوف من كونهم أمواتاً؛ إذ لم يكن الرعب من الأموات من خلال العرب [(التحرير والتنوير 15/ 282) الدار التونسية للنشر – تونس]..

أو أن السبب في الخوف والرعب منهم؛ ما ألقى الله تعالى عليهم من الهيبة وهم في كهفهم، فالله تعالى حمى أهل الكهف بالرعب حتى لا يطلع عليهم أحد، ولا يصل إليهم واصل، ولا تلمسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله[(تفسير الطبري = جامع البيان 17/626 ) ط دار التربية والتراث].

قال العلامة الألوسي–رحمه الله-: "فالذي ينبغي أن يعول عليه أن السبب في ذلك ما ألقى الله تعالى عليهم من الهيبة وهم في كهفهم وأن شعورهم وأظفارهم إن كانت قد طالت فهي لم تطل إلى حد ينكره من يراه، واختار بعض المفسرين أن الله تعالى لم يغير حالهم وهيئتهم أصلا ليكون ذلك آية بينة[(روح المعاني 8/ 216 وما بعدها) دار الكتب العلمية – بيروت ط:1]"

وبدليل قولهم: (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.. ) [الكَّهْف: 19 ] فلو كانت أشكالهم تغيرت بمرور الزمن للاحظوا ذلك عند استيقاظهم ولم يترددوا في مدة لبثهم ونومهم حتى قالوا يوماً أو بعض يوم.! قال القرطبي –رحمه الله-: "وَدَلَّ هَذَا عَلَى ‌أَنَّ ‌شُعُورَهُمْ ‌وَأَظْفَارَهُمْ كَانَتْ بِحَالِهَا"[(الجامع لأحكام القرآن 10/374) دار الكتب المصرية – القاهرة الطبعة:2].

وقال العلامة ابن عطية الأندلسي–رحمه الله-: والصحيح في أمرهم أن الله عز وجل حفظ لهم الحالة التي ناموا عليها لتكون لهم ولغيرهم فيهم آية، فلم يبل لهم ثوب ولم تغير صفة، ولم ينكر الناهض إلى المدينة إلا معالم الأرض والبناء، ولو كانت في نفسه حالة ينكرها لكانت عليه أهم[(تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 3/505) دار الكتب العلمية – بيروت . ط:1].

 

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين