نظرة في كتاب (دفع الكبَد عمَّنْ مات له ولد)

مِنْ علماء القرن العاشر: أبو الحسن محمد البكري الصدِّيقي الشافعي المولود سنة (899)، والمتوفى سنة (952)، وله أربعينات حديثية كثيرة، يعوِّلُ فيها على مؤلفات السيوطي، وقد نُسِبَ بعضها إليه (إلى السيوطي)!

ومِن مؤلفاته: (دفع الكبَد عمَّن مات له ولد)، طُبع مِنْ قريب، (صدر عن دار الكتب العلمية ببيروت سنة (1440-2019م)، ومعه: "الفضائل الواردات لمَن صبر على البنات" للبكري أيضًا، بتحقيق: د. حسن السيِّد خليل (من علماء الأزهر) كما كُتب على الغلاف).

وقد قرأتُ الكتابَ الأولَ، وهذه كلمةٌ عنه:

***

أورد المؤلفُ –رحمه الله وجزاه خيرًا- فيه أربعين حديثًا في هذا الموضوع، قال عنها: "يُعمل بمثلها في فضائل الأعمال"، وأنهاه يوم الثلاثاء خامس عشر شهر رمضان سنة (927)، وله من العمر (28) سنة.

والمؤلف يُعطي كلَّ حديثٍ رواه صحابيٌّ رقمًا، وإن كان المتنُ واحدًا، ذلك أنه يريد جعْلَ الكتاب من الأربعينات، ولو رتَّبه على المتون لكان أفضل.

ومصادرُ (هذه الأحاديث)، كما وردتْ:

"الترمذي، أحمد، ابن سعد، الحاكم، البخاري، ابن حِبان، شُعب الإيمان للبيهقي، المعجم الكبير للطبراني، النَّسائي، ابن ماجهْ، ابن عساكر، الثواب لأبي الشيخ، السنن للبيهقي، ابن النجار، الباوَرْدي (وتحرفَ إلى الماوردي كما سيأتي)، أبو عوانة، الألقاب للشيرازي، ابن أبي شيبة، الأوسط للطبراني، المختارة للضياء".

ونظرتُ فإذا هو قد عوَّل على "الجامع الصغير" و"الجامع الكبير" للسيوطي، -ولم يذكرهما- ورأيتُ كلَّ ما أوردَه فيهما، فهو لم يرجعْ إلى تلك المصادر.

وليس له في الكتاب سوى الجمع والنقل.

وقد فسَّرَ مفردةً في الحديث العاشر.

وعلَّقَ تعليقًا في الحديث الحادي والعشرين.

وضبط اسمًا في الحديث السادس والعشرين.

وقال في الحديث الثامن والعشرين: "عن أبي ثعلبة الأشجعي -وليس له غيرُه-". وهذه الفائدة من السيوطي فقد قال: "عن أبي ثعلبة الأشجعي وما له غيرُه". انظر: كنز العُمّال (3/292).

***

ملحوظاتي على التحقيق والتعليق:

أطال محققُه الفاضلُ -وفقه الله- في خدمته، واستغرق النصُّ -والأصلُ ورقاتٌ يسيرةٌ- من ص (29) إلى (47).

ومِن ذلك قيامُه بتراجم الصحابة الكرام، وهم: (أبو موسى الأشعري، وأبو هريرة، وأبو ذر -وترجمَ له مرتين ص (31 و 46)- وابن مسعود، وحبيبة بنت سهل، وأنس بن مالك، ومعاذ بن جبل، وعقبة بن عامر، وجابر بن سمُرة، وأبو ثعلبة الأشجعي، ومحمود بن لبيد، وجابر بن عبدالله، وعمرو بن عنبسة، وثوبان).

وتحرَّف (أبو برزة) إلى (أبي هريرة) في موضعٍ (كما سيأتي) ففات المحققَ ترجمته.

وترجم لاثنين من التابعين وهما: (عبدالله بن بُريدة، وأبو سلام -الحبشي-).

وترجم لمُخرِّجي الأحاديث وهم: (الترمذي، وأحمد، وابن سعد، والحاكم، وابن حِبان، والبيهقي، والطبراني، والنَّسائي، وابن ماجهْ، وابن عساكر، وأبو الشيخ، وابن النجّار، وأبو عوانة، وابن أبي شيبة).

وهؤلاء كلهم من المشاهير.

ولم يُتَرْجَم للشيرازي صاحب "الألقاب"، ولا للضياء صاحب "المختارة"، وهما أولى بالترجمة مِنْ غيرهما.

وحسنًا فعل أنه لم يترجم للبُخاري.

***

وأنبِّهُ هنا إلى أنَّ الحديث السادس والعشرين أخرجه (الباوَرْدي)، -أي في كتابه "معرفة الصحابة"-، وهو أبو منصور محمد بن سعد ‌الباوَرْدي، نسبة إلى باورد -ويقال: أبيورد- بُليدة بخراسان بين سرخس ونسا، كما في "الرسالة المستطرفة" (ص 128)، ولا تُعرف له ترجمة!

ولكنه جاء في المطبوع محرَّفًا إلى (الماوردي)، وترجم المحققُ الفاضلُ هنا للإمام علي بن محمد الماوردي البصري المتوفى سنة (450). وهذا خطأ بُنيَ على خطأ.

وقال عن الحديث: "لم أجده في كتب الماوردي". ومن الطبيعي أن لا يجده في كتبه، إذ الحديث في كتاب "معرفة الصحابة" للباوَرْدي.

***

وكذلك فإنَّ الحديثَ الثاني والثلاثين رواه الصحابي عبدالرحمن بن بشير (الأنصاري)، فترجم له المحققُ -سهوًا- على أنَّه عبدالرحمن بن بشير الشيباني الدمشقي الذي ترجم له الذهبي فيمن تُوفوا سنة (181-190)، وهذا وثَّقه دُحيم، وقال أبو حاتم: منكر الحديث.

***

وأمّا قولُ المحقق ص (20) عن المؤلِّف: "استعان في تأليفه بمصادر معتمدة في بابها، وفي ذلك دلالةٌ على سعة اطلاعه، ومنه [كذا]: صحيح البخاري، ومعاجم الطبراني الثلاثة، ومسند الإمام أحمد، وصحيح ابن حبَّان، والطبقات الكبرى لابن سعد، والمستدرك للحاكم، والسنن للبيهقي، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي، وشُعب الإيمان، ومسند أبي عوانة، وغيرها"، فقد علمتَ ما فيه، وأنه إنما عوَّل على السيوطي، وأيضًا فإنَّ "المعجم الصغير" للطبراني لم يردْ له ذكرٌ.

***

-وجاء في الحديث السادس ص (33): "قال: وإنْ كان ذلك عند الصدمة الأولى".

والصواب: "ولكنْ إنما ذلك عند الصدمة الأولى".

***

-وجاء في الحديث التاسع ص (34): "فيران النار".

والصواب: "فيريان النار".

***

-وجاء في الحديث الثاني عشر ص (36): "عن أبي هريرة".

والصواب: "عن أبي برزة". تحرف الاسم لتقارب الرسم.

***

-وجاء في الحديث الثالث عشر ص (36): "بفضل وجه الله".

والصواب: "بفضل رحمة الله".

***

-وجاء في الحاشية في التعليق على الحديث الحادي والعشرين الذي أخرجه أبو الشيخ في كتابه "الثواب" ص (40): "الكتاب مفقود، ونقله عنه الهندي في كنز العُمّال".

والصواب: نقله السيوطي في "الجامع الكبير". وصاحبُ "كنز العُمّال" رتَّب عملَ السيوطي، وليس هو المُخرِّج.

***

-وجاء في الحاشية الرابعة (والصواب أنها الثالثة) في التعليق على الحديث الرابع والعشرين ص (41): "لم أقفْ على الحديث في كتبه" أي كتب ابن عساكر.

وهو في "تاريخ دمشق" (72/311).

***

هذا ما ظهر لي، ولعل المحققَ الفاضلَ يستفيد منه في طبعة ثانية.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين