رسالة

يوجد في المكتبة الأزهرية رسالةٌ مخطوطةٌ بعنوان "فوائد في فضل الذكر والقراءة وغير ذلك من الأدعية" برقم خاص (1808)، وعام (93684)، نسبَها الناسخُ إلى الجلال السيوطي، فكَتبَ على الغلاف: "للشيخ الإمام الهمام العالم العلامة الحبر البحر الفهامة الشيخ الجلال السيوطي رحمه الله تعالى ونفعنا به والمسلمين أجمعين اللهم آمين على التمام والكا (كذا) والله أعلم".

والناسخ هو عبدالرحمن المكاوي.

وتقع الرسالة في (19) ورقة، وليس فيها تاريخ نسخ، لكن من الواضح أنها ليست قديمة، وأنَّ الناسخ أقرب إلى العوام.

***

وقد استغربتُ العنوانَ، فنسختُها ونظرتُ فيها، فتبيَّن لي أنَّ نسبتَها إلى السيوطي تزويرٌ من الناسخ المذكور أو مِنْ أحدٍ سبقه، وتابعَه هذا.

وحقيقة الرسالة هي أنها صفحاتٌ مستلةٌ من كتاب "نزهة المجالس" للصفوري استلالًا كاملًا.

والعنوان مصنوعٌ، وفيها فصلٌ لا يشمله العنوانُ وهو "فصلٌ في رؤيا سور القرآن في المنام"!

***

وكان الشيخ برهان الدين إبراهيم بن محمد النّاجي الدمشقي (810 - 900) قد استخرجَ نقولًا من هذا الكتاب "نزهة المجالس" وأرسلها إلى علماء مصر سائلًا له عنها بقوله: "والمسؤولُ مِنْ موالينا وساداتنا علماء الإسلام وحسنات الليالي والأيام -جمَّل اللهُ تعالى بوجودهم وأفاض على المسلمين من بركاتهم وجودهم- إمعانُ النظر فيما سطر في هذه الكراسة: هل يجوز أن يُدوَّن في كتاب ويُسمى "نزهة المجالس ومنتخب النفائس" ويتداوله مَنْ لا معرفة له تميِّز بين الصحيح والسقيم؟ ويكتبه أو يستكتبه ويقرأ وينقل منه على الكراسي والمنابر؟

وماذا يجب على من استهدف وجمعه بعد أن طلبه خادمُ السنة الفقير إبراهيم الناجي ونصحه ونهاه وفارقه قائلًا: رجعتُ عنه كما رجع الإمام الشافعي عن القول القديم، ثم عاد إلى ما كان عليه ودعا الناسَ إليه؟ وهل يُؤمر بإعدامه وما وُجد من نسخه مع أنَّ ما اختصر من الكتابة منه خشية الإطالة من هذه المقولة أكثر مما كتب أم يبقى على حاله؟ أمعنوا في الجواب بوأكم الله زلفى وحسن المآب".

***

فأجابه السيوطي، وألَّفَ في ذلك رسالته "الدرة التاجية على الأسئلة الناجية"، قال في أولها:

"الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. وبعد: فقد وردت هذه الأحاديثُ من دمشق من محدِّثها الشيخ برهان الدين الناجي وصحبتها كتابٌ يتضمن أنه أنكرَ على رجلٍ أودعها تصنيفًا له وأنها باطلة وسأل في الكتابة بذلك فرأيتُ كثيرًا منها كما قال، وفيها أحاديث واردة بعضُها مقبول، وبعضُها فيه مقال، وها أنا أتكلَّمُ عليها حديثًا حديثًا". انظر "الحاوي للفتاوي" (2/107-108).

أردتُ أنْ أقول: هذا حال كتاب "نزهة المجالس"، وهذا رأيُ السيوطي فيه، فليس من المعقول أنْ يستلَّ منه نقولًا وينسبَ ذلك إلى نفسه، وهذا فضلًا عن أنَّ رسالةً بهذا العنوانِ لم تُذْكرْ للسيوطي في قوائم مؤلَّفاته المعتمدة، لا سيما "فهرست مؤلفاتي"، وهي الفهرست التي أورد فيها ما ارتضاه وأبقاه من مؤلفاته.

وهذا أول الرسالة:

(فوائد في فضل الذكر والقراءة وغير ذلك من الأدعية

للشيخ الإمام الهمام العالم العلامة الحبر البحر الفهامة الشيخ الجلال السيوطي رحمه الله تعالي ونفعنا به والمسلمين أجمعين اللهم آمين على التمام والكا (كذا) والله أعلم

"بسم الله الرحمن الرحيم، وبه ثقتي

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وإله وصحبه وسلم.

وبعد: فهذه فوائد جمعتُها في فضل الذكر والقراءة، وغير ذلك من الأدعية والفوائد، ينتفع بها الطالب، وينسر(كذا) بها الراغب، وهو حسبي ونعم الوكيل.

قال أبو عبدالله المغربي رضي الله عنه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله لي حاجة إلى الله فيما (كذا) أتوسل؟ فقال: من كان له حاجة فليسجد وليقل في سجوده أربعين مرة: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

وفي الحديث: لا يقولها مكروبٌ إلا فرَّج الله عنه.

وفي حديث آخر: فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب له. رواه النسائي والترمذي وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَن أكثر ذكر الله أحبه الله.

وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: مررت ليلة أسري بي برجلٍ مغيبٍ في نور العرش قلت: من هذا؟ هذا ملك؟ فقيل: لا، قلت: نبي مرسل؟ قيل: لا، قلت: من هذا؟ قال: رجلٌ لسانه رطب بذكر الله تعالى، وقلبه معلق بالمساجد.

وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عن ربه عز وجل: لا يذكرني عبد في نفسه إلا ذكرته في ملأ من ملائكتي، ولا يذكرني في ملأ إلا ذكرته في الرفيق الأعلى.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم: ذاكر الله في الغافلين مثل شجرة خضراء في وسط شجر يابس، وذاكر الله في الغافلين يريه الله مقعده في الجنة وهو حي، وذاكر الله بين الغافلين كالقاتل خلف الفارين، وذاكر الله في الغافلين ينظر الله إليه نظرة لا يعذبه بعدها أبدًا، وذاكر الله في الغافلين مثل مصباح في بيت مظلم، وذاكر الله في الغافلين يغفر الله له بعدد كل فصيح وأعجم - أي بعدد البهائم، وبني آدم-، وذاكر الله في السوق له بكل شعرة نور يوم القيامة).

***

وهذا آخرها: (فصل في رؤيا سور القرآن في المنام

من قرأ الفاتحة استجاب الله دعاءه، وصرف عنه السوء، أو البقرة نال خيرًا من ولده، وعمرًا طويلًا، .......... أو الإخلاص قوي إيمانه، وكثر ماله، وقل عياله، واستجاب الله دعاءه، أو الفلق -هو الصبح قاله الأكثرون- انتصر على عدوه وحسن حاله، أو الناس دفع الله عنه شر الجن والهوام، وقيل: قراءتها تدل على الاجتماع بالأهل، وإنْ ختم القرآن في منامه قضيت حاجته. وقراءة آية كقراءة سورة. ومَنْ قرأ في المصحف قوي دينه، أو التوراة نال هدى ونورًا وتوفيقًا. والله أعلم).

***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين