الفرقُ: بينَ الخلافِ والاختلافِ

قال شيخنا العلامة المحقق محمد عوامة ـ حفظه الله تعالى ورعاه ـ

في كتابه الماتع الحافل "أدب الاختلاف في مسائل العلم والدين":

تعريف الاختلاف والفرق بينه وبين الخلاف:

قال الإمام الراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى في كتابه «مفردات القرآن»(1): «الاختلاف والمخالفة: أن يأخذَ كلُّ واحد طريقاً غيرَ طريقِ الآخَر في حاله أو قوله». أي: من غير تنازع ولا شِقاق، كما يدلُّ عليه تمام كلامه: «ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يقتضي التنازعَ، استُعِير ذلك للمنازَعة والمجادَلة. قال تعالى:﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [مريم: 37] ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ﴾[هود:118] ».

فالاختلاف في أصل اللغة لا يحمل معنى المنازعة والمشاقَّة، إنما واقعُ الناس ونفوسُهم التي لا تحتمل ذلك، وصدورُهم التي تَضِيق عن مخالفة غيرهم لهم، يجعل هذا الاختلاف سبباً إلى المنازعة، فجاء القرآن الكريم في بعض آياته على هذا المعنى الحاصل الناتج.

أما الخلاف: فقد قال الراغب نفسه في تمام كلامه السابق: «الخلاف: أعمُّ من الضدِّ، لأن كلَّ ضِدَّيْن مختلِفان، وليس كلُّ مختلِفَيْن ضدَّيْن». فالسواد والبياض مثلاً: ضدان ومختلِفان، أما الحُمرة والخُضرة فمختلفان وليسا ضدَّين. والخلافُ أعمُّ من الضدِّية، فإنه يحمل معنى الضدِّية، ومعنى المغايرة مع عدم الضدِّية.

وأوضَحَ الفرقَ بينهما أبو البقاء الكَفَويُّ رحمه الله في «كُليَّاته» من أربعة وجوه فقال(2):

«1ـ الاختلاف: هو أن يكون الطريق مختلفاً، والمقصود واحداً، والخلاف: هو أن يكون كلاهما ـ أي الطريقِ والمقصودِ ـ مختلفاً.

2ـ والاختلاف: ما يَستند إلى دليل. والخلاف: ما لا يستند إلى دليل(3).

3ـ والاختلاف: من آثار الرحمة..، والخلاف: من آثار البدعة.

4ـ ولو حكم القاضي بالخلاف، ورُفِعَ لغيره، يجوز فسخه، بخلاف الاختلاف، فإن الخلاف هو ما وقع في محلٍّ لا يجوز فيه الاجتهاد، وهو ما كان مخالفاً للكتاب والسنة والإجماع»(4).

ويمكن التعبير عن الفرق الأول بعبارة معاصرة بأن نقول:

الاختلاف: ما كان في الوسائل مع الاتحاد بين المختلفِين في الغاية.

أما الخلاف: فهو خلافٌ بينهم في الوسائل والغايات.

وشبَّهه الراغب الأصفهاني فقال(5): إنه «جارٍ مَجْرى جماعة سلكوا منهجاً واحداً، لكنْ أخذ كل واحد شعبةً غيرَ شعبة الآخر. وهذا هو الاختلاف المحمود».

فالخلاف: ما يحمِل في مضمونه النزاعَ والشقاق والتباينَ الحقيقيَّ، والاختلاف: ما يحمل التغايرَ اللفظيَّ لا الحقيقيَّ، ولهذا يجري على لسان أهل العلم أثناء تقرير المسائل الخلافية: هذا اختلاف لا خلاف، إذا كان الاختلافُ لفظياً والجمعُ بين القولين ممكناً، وقد يقولون عنه: هذا اختلاف تَنَوُّعٍ، لا تَضَادٍّ، ويقولون في حال الخلاف الشديد: خلاف حقيقي أو جوهري.

ومن هذا الاعتبار جاء قول ابن مسعود: «الخلاف شرّ»(6)، فادّعاء بعضهم أنه لا فرق بينهما: في محلّ المنع. انتهى كلامه حفظه الله، ص: 13-15.

 

(1) صفحة 294، مادة: خ ل ف

(2) 1: 79 ـ 80.

(3) وذكر هذا الفرق صاحب «الدر المختار» 4: 331 بحاشية ابن عابدين عليه، وقال: «هذه تفرقة عرفية..».

(4) وعبارة صاحب «الدر المختار» 4: 329: «إلا ما خالف كتاباً لم يَختلِف في تأويله السلف، أو سنة مشهورة، أو إجماعاً». وذلك: بأن يكون الكتاب والسنة المشهورة ـ أو المتواترة ـ قطعيةَ الدلالة، كما نبَّه إليه ابن عابدين رحمه الله، وزاد: «إذا وقع الخلاف في أنه مؤوّل أو غير مؤول فلا بد أن يترجح أحد القولين بثبوت دليل التأويل، فيقع الاجتهاد في بعض أفراد هذا القسم أنه مما يسوغ فيه الاجتهاد أم لا».

(5) «الذريعة» ص 170.

(6) ‏«سنن أبي داود» 2: 622 (1995).‏

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين