فوائد ومختارات من كتاب فصول في الثقافة والأدب للطنطاوي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه مختارات من كتاب "فصول في الثقافة والأدب" للشيخ علي الطنطاوي، دار المنارة- جدة، ط1- 2007.

1- سرقة العلم:

والتلميذ الذي يسرق الجواب في الامتحان أكبر ذنبا من الذي يسرق المال؛ لأن سرقة المال يزول أثرها برد المال، ومن سرق الجواب ونال الدرجة زورا، ثم أخذ بعدها الشهادة زورا، ثم نال المنصب زورا، يستمر أثر جريمته دهرا، وربما صار بشهادته معلما وهو غير عالم، فنشأ على يديه الآثمتين جماعة من الجهلاء، فيكون كحامل جرثومة المرض يُعدي من يتصل به، ومن أعداه ذهب فأعدى سواه، فسرى المرض في جسد الأمة. ص16 بتصرف يسير.

2- من أخبار الاندلس:

من طرائف أخبار الأندلس: أن كل دار فيها فيها مكتبة، ولعل هذه العادة التي نراها اليوم في بلاد الإنكليز جاءتها من الأندلس. ص45.

3- ما لا يُدرك كلُّه لا يترك قُلُّه:

القُلُّ (بضم القاف) هو القليل، ومنه قولهم: "ما لا يُدرك كلُّه لا يترك قُلُّه"، وأكثر الناس يخطئون في رواية هذا المثل. ص91 حاشية.

4- مكتبات خاصة:

قال الشيخ الطنطاوي في سياق حديثه عن المكتبات الخاصة: أذكر لكم من هذه المكتبات ما عرفته أو سمعت به، من أكبرها: مكتبة أحمد تيمور باشا الذي تعقب كتب التاريخ خاصة، فكان يشتري الكتاب منها بوزنه ذهبا إن لم يستطع شراءه بأقلَّ من ذلك، ومكتبة أحمد زكي باشا (وكلا المكتبتين في دار الكتب المصرية الآن والحمد لله)، ومكتبة عبد الحي الكَتَّاني في المغرب، وهي من أغنى الكتب في التاريخ، ومكتبة أنستاس الكَرْمِلي، وفيها كثير من المفردات ليس لها ثوان، ومكتبة صديقنا إسعاف النشاشيبي رحمة الله عليه وعلى كل من ذكرت، هذه المكتبة -على كبرها واتساعها- لا يكاد يوجد فيها كتاب واحد يخلو من فهارس ومن تعليقات، رأيت كثيرا منها، ومكتبة الشيخ خليل الخالدي، وقد زرتها لما كنت ذاهبا إلى مصر للدراسة سنة 1928، ومكتبة شيخنا المفتي الشيخ أبي اليسر عابدين.. في هذه المكتبات نوادر لا تزال راقدة تنتظر من يوفقه الله لإخراجها ببعثها من مرقدها. ص97-98.

5- كتاب "الأغاني":

أما كتاب "الأغاني"، فإن من أراد متعة الأدب، وطلب جيد الشعر، وأراد الإحاطة بأخبار الشعراء والمغنين للذة الأدبية وتقوية الملكة البيانية= فلا يجد كتابا أجمع لهذا كله منه، وما منا إلا من كان "الأغاني" عُدَّته الأولى في إقامة اللسان وتجويد البيان، ولقد قرأته كله (وهو بضعة وعشرون جزءا) ثلاث مرات، واستفدت منه في الأدب واللغة ما لم أستفد مثله من غيره. ص102.

6- وثنية هذا العصر:

ولقد قلت من سنين في بعض أحاديثي "على مائدة الإفطار" في رمضان: إن لكل عصر وثنية، وإن وثنية هذا العصر هي المبالغة في تقدير العلم وتقديسه وجعله ندا للدين. ص121.

7- حقيقة السماء:

والذي تبين لي من نصوص الكتاب المبين، ومن مقررات علماء الفلك= أن الشمس وتوابعها (وهن الأرض وأخواتها)، وهذه النجوم والأجرام التي لا يُحصى عددها تسبح في فضاء عظيم، وهذا الفضاء تحيط به كله كرة هائلة، وهذه الكرة هي السماء الدنيا، وهذا العالم بأرضه وشمسه وأجرامه جميعا في وسطها. ص129.

8- اقتراح في التعليم:

قال الشيخ الطنطاوي في سياق مقال له بهذا العنوان: أنا أقول لكم، ولكن لن يسمع أحد قولي لأني لست ذا شهادة في التربية والتعليم!

اجعلوا مدة الدراسة الابتدائية والثانوية معا سبع سنين، يتمكن فيها الطالب من العربية بالمران والتطبيق وإحياء السليقة في نفسه، لا بحشو رأسه بالقواعد، وقتل وقته بمعرفة أوجه الإعراب= حتى يقيم لسانه ويتنزه عن الخطأ الفاحش، ولا يضره -إذا رفع الاسم الواقع بعد إذا- أن يعربه مبتدأ أو فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور كما يقول متحذلقة النحاة، وإذا نصب الاسم لا يضره أن يكون حالا أو تمييزا.

ويتعلم من دينه ما يمسك عليه إيمانه وخلقه ويرغبه في الخير ويصرفه عن الشر ويمنعه عن الحرام، ولا يحتاج -بعد هذا- إلى عد سنن الصلاة ولا إلى معرفة اختلاف الفقهاء في القُرْء: أهو الدم أم الطهر؟.

ومن الرياضيات الشيء العملي الذي لا يستغنى عنه، من غير بحث في النظريات المجردة، ومن علوم الطبيعة وقوانينها ما لا بد من معرفته لإدراك ظواهر الطبيعة وأسرار المخترعات التي يستعملها؛ كالراد والهاتف والكهرباء، وشيئا من الصحة وتاريخ العرب وجغرافية بلادهم، ومبادئ لغة من اللغات الأجنبية.. وأمثال ذلك، فما قصدت الاستقصاء ووضع منهج كامل بل أردت التمثيل.

فإذا تخرج الطالب في هذه المدرسة عرضنا عليه فروع الجامعة ليختار واحدا منها، فإذا اختاره حضرناه له في سنة أو سنتين أو ثلاث عند الضرورة، وعلمناه ما لا بد منه للدراسة في هذا الفرع؛ فيكون في كل كلية قسم تحضيري يتلقى فيه الطالب علومه عن رغبة فيها وحب لها، لأنه هو الذي اختارها ولأنها وافقت هواه، وينجو بذلك من خُلِق شاعرا من طلاسم الرياضيات أو الرسوب دونها والانقطاع عن المدرسة وحرمانه التحصيل من أجلها، وهو لا يحتاج إليها من بعد أبدا. ولا يتعلم كل طالب إلا ما يحتاج إليه، مع اختصار مدة الدراسة، وتقوية الاختصاص، وكسب الوقت الذي يستفاد منه في تقوية الأجسام بالرياضة، وتقويم الأخلاق بالموعظة والمراقبة.

ومن شاء الاكتفاء بالدراسة الأولى واقتحام الحياة لم نسلبه وقته، ونكون قد سلحناه بثقافة عملية يعلو بها عن مستوى العامة والسوقة، ويستطيع معها مداومة القراءة والمطالعة.

فما رأي إخواننا الأساتذة والمربين؟. ص146-148.

9- رابطة الإسلام ورابطة القومية:

وما كان شيء -علم الله- يحز في نفوسنا ويخجلنا في رحلتنا إلى الهند والملايو وأندونيسيا إلا العتاب الناعم الذي يلقوننا به على أنا صدَدنا عن اليد التي مدوها إلينا وزهدنا في الأخوة التي أكنُّوها لنا، وتركنا -أو ترك ناس منا- رابطة الإسلام التي نكسب بها هؤلاء الإخوان الذين يزيدون عن ثلاثمئة وستين مليونا لرابطة قومية لم نكسب بها إلى اليوم -ويظهر أننا لن نكسب بها من بعد- أحدا. ص154-155.

10- الفصحى والفصيحة:

الفصحى مؤنث الأفصح، وأفصح لغات العرب هي التي نزل بها القرآن، وإطلاق لفظ الفصحى على كل كلام صحيح فصيح فيه من الغلو والمبالغة الكثير. ص159.

11- كتاب "قواعد اللغة العربية":

كتاب "قواعد اللغة العربية" لحفني ناصف، الأديب العلامة، ولإخوانه الذين لا يقلون عنه.. هذا الكتاب على صغره يكفي من أحاط به فلا يحتاج معه إلى غيره، وإن كان كالطعام المركز الكثير الفوائد -ولكنه صعب الهضم- الذي لا تقبله إلا المعد القوية والأجسام الصحيحة. ص176.

12- لذة المطالعة:

ولقد جربت اللذائذ كلها فما وجدت أمتع من الخلوة بكتاب، وإذا كان للناس ميول وكانت لهم رغبات= فإن الميل إلى المطالعة والرغبة فيها هي أفضلها. ص179.

13- القرآن أساس البلاغة:

القرآن أساس البلاغة في القول، فضلا عن كونه أساسَ الهداية للقلب، وكونهِ دستور الحياتين وسبب السعادتين، والذين تسمعون عنهم من بلغاء النصارى في هذا القرن ما بلغوا هذه المنزلة إلا بدراسة القرآن؛ كالشيخ ناصيف اليازجي، وابنه إبراهيم اليازجي، وفارس الخوري، هذا وهم نصارى، ونحن أولى بهذا الكتاب. ص181.

14- العلم والفن:

العلم والفن يختلفان غاية وطريقا ووسيلة، فالعلم غايته الحقيقة، وطريقه المحاكمة، ووسيلته الفكر. والفن غايته الجمال، وطريقه الشعور، ووسيلته الذوق. ص193.

15- تعريف الشعر:

وتعريف الشعر بأنه "الكلام الموزون المقفى قصدا" هو تعريف العَروضيين لا الأدباء، أما التعريف الأدبي للشعر فهو أنه "التعبير الجميل عن الشعور النبيل"؛ فما وَصف شعورا أرق وأنبل من شعور العامي العادي، وأثار في نفسك مثله، وعبَّر عنه باللفظ الجميل= فهو الشعر.

والذي أراه أنا أنه لا بد من تقسيمين للكلام: تقسيم له من جهة اللفظ إلى منثور ومنظوم، وتقسيم له من جهة المعنى إلى نثر وشعر، وبذلك يكون الكلام على أربعة أنواع: شعر، وشعر منثور، ونثر، ونثر منظوم. ص196.

16- نصيحة للناشىء في الأدب:

وأنا أنصح كل ناشئ في الأدب أن يجرب كتابة المذكرات، لا يكتب ماذا أكل وشرب وماذا لبس وركب، بل ما رأى من طرائف وما اعتلج في نفسه من عواطف، وإذا هو لم يَصِر بذلك كاتبا= قرأ فيه -فيما بعد- تاريخ نفسه وحوادث أمسه. ص196 حاشية.

17- أدب المقالات:

أدب المقالات من أوسع أبواب الأدب عندنا وعند اللاتين والسكسون وكل أمة من أمم الشرق والغرب. ص197.

18- الكُتَّاب الشباب:

أكثر الكتاب يجوِّدون في الشباب أكثر مما يجودون في الكهولة، يكتبون في شبابهم للأدب المحض، يريدون أن يشقوا لهم طريقا وسط الزحمة فيتخذون لذلك أقوى العُدد، يتعبون ويَكِدُّون، لا يبالون في سبيل التجويد وقتا ولا جهدا، حتى إذا عُبِّد لهم الطريق، وضمنوا لأنفسهم الحَظوة عند القراء، والقَبول في الناس= جاؤوا يقبضون أجرة هذا الجهد الأول، فيزدحم عليهم الناشرون وأصحاب المجلات يطلبون منهم أن يكتبوا لهم، فيكثر في أيديهم المال ويقل الوقت، فيكتبون ما يخطر على البال، لا يجودون ولا يحسنون، يرمون المقالة لا يبالون أجاءت بالطول أم بالعرض.. وماذا يصنعون والناشرون لا يدعون لهم وقتا لتجويد؟. ص217-218.

19- عظمة الرافعي:

قال الشيخ الطنطاوي يخاطب الأستاذ الرافعي: إنك واحد من عشَرة هم كتاب العربية في كل عصورها، إنك لسان القرآن الناطق. ص243-244.

20- أسلوب الرافعي:

سألني سائل عن أسلوب الرافعي، وأسلوبه على أربعة أنواع:

1- أسلوبه في كتاباته التي يتفلسف فيها، ويكتب فيما يسميه (فلسفة الحب)؛ ككتابه "رسائل الأحزان"، وكتابيه الآخرين: "أوراق الورد"، و"السحاب الأحمر"، وهو أسلوب معقد مصطنع ثقيل، وإن كان مملوءا بالتشابيه النادرة، والاستعارات العجيبة، والصناعة البيانية.

2- أسلوبه في تآليفه العلمية؛ ككتابه "تاريخ آداب العرب"، ومنه الجزء الخاص بإعجاز القرآن، وهو أسلوب جَزْل متين صحيح يشبه أسلوب الجرجاني في "دلائل الإعجاز".

3- أسلوبه في مقالات "الرسالة" التي جمعها في كتاب "وحي القلم"، وهو أسلوب ممتاز، فيه بيان وبلاغة وفيه -غالبا- وضوح، وخيره ما كان على صورة قصة، كقصة "أمراء للبيع" و "قصة زواج".

4- أسلوبه في النقد، وهو مملوء بالسخرية والتعالي والهمز واللمز، وإن كان نقده لطه حسين -في كتاب "تحت راية القرآن"- نقدا نظيفا، أما نقده للعقاد في كتاب "على السَّفُّود" فهو هجاء بذيء، لذلك لم يطبع اسمه عليه.

أما أسلوبه في شعره فسهل واضح حماسي جدا، فيه مبالغات ولكنها مقبولة، وهو أنجح شاعر في نظم الأناشيد..

أما الذي يُنتقد عليه فهو اعتداده الشديد بنفسه، وتعاليه على خصومه، وتعقيد عباراته وبذاءة ألفاظه أحيان، لكنه في كتاباته كلها -إلا ما يسميه فلسفة الحب- يدافع عن الإسلام والعروبة ويقف لأعدائها بالمرصاد، وقد بقي أربعين سنة أو أكثر وهو الممثل الأول للأدب الإسلامي والمدافع عنه رحمه الله. ص245-246.

21- أسلوب طه حسين:

قال الشيخ الطنطاوي في سياق كلامه عن الأستاذ طه حسين: وهو خير من شرح الشعر الجاهلي القديم شرحا عذبا سهلا حببه إلى الشباب ورغبهم فيه، ولكن أسلوبه -لما تستلزمه طبيعة الإملاء- مليء بالتَّكرار والإسهاب الذي يصل أحيانا إلى حد الإملال والاستثقال، وليس لأسلوبه أناقة الزيات، ولا خفة المازني، ولا فكر العقاد، ولا حوار الحكيم، ولا واقعية أحمد أمين، ولا جمال أسلوب زكي مبارك. ص252.

22- جلالة ابن عابدين:

ظهر في هذه القرون الثلاثة الأخيرة علماء لا يحصيهم العد، ألفوا مؤلفات لا يحيط بها الحصر، ولم يكن في هؤلاء العلماء جميعا من هو أرسخ قدما في الفقه وأنفذ فيه فكرا من العالم الذي أقص عليكم اليوم قصة حياته، ولم يكن في هذه المؤلفات جميعا ما هو أكثر ذيوعا وأعم نفعا من الكتب التي ألفها هذا العالم.

ذلكم هو ابن عابدين، صاحب "الحاشية" المشهورة التي صارت عمدة المفتين في المذهب الحنفي، والتي لا يضارعها ولا يقاربها -في تحقيق مسائلها وفي إقبال الناس عليها- كتاب من كتب المذهب. ص265.

تمت بحمد الله

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين