بيان رابطة العلماء السوريين بشأن المؤامرة على تمزيق السودان

 

بسم الله الرحمن الرحيم
بيان رابطة العلماء السوريين بشأن المؤامرة على تمزيق السودان
 
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وآله وأصحابه والتابعين إلى يوم الدين وبعد:
 
في الربع الأول من القرن الماضي أُسقطت وحدة الأمة الإسلامية، ومُزِق العالم الإسلامي، واصطُنِعت حدود، وتشكلت دول ، وأوقِظَت قوميات، واستُثيرت عصبيات... وهكذا سقطت هيبة الأمة الإسلامية، ووهن صفها، وتمزَّق شملها، وطمع فيها أعداؤها، وتحرك الطامعون لنهب خيراتها وسرقة مواردها، وعاثت قوى البغي والاستعمار في بلاد المسلمين فجعلوها نهباً مشاعاً، يقتطعون كل يوم جزءاً منها... تماماً كما أخبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن مستقبل هذه الأمة فقال (ليوشكن أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا أومِن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال : بل أنتم كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذِفنَّ في قلوبكم الوهن. قالوا وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت).
 
وإنه لوصف معجز بأبلغ بيان وأدق صورة مع تحديدٍ دقيقٍ لسبب المأساة، فالمشكلة ليست في أعدائنا فقط... بل المشكلة فينا أولاً وأخيراً: (بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل...).
 
وإنها لسنة الله الماضية الدائمة:[ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ] {الرعد:11}. ولطالما أن هذا الوهن لم تعالج الأمة أسبابه خلال قرن كامل فالكارثة مستمرة! والأعداء لم يكفُّوا... ولن يكفوا عن السعي إلى تحقيق أطماعهم وطموحاتهم في مزيد من التقسيم لأمتنا الإسلامية ولعالمنا الإسلامي؛ في أندونيسيا... في باكستان... في أفغانستان... في العراق... في الصومال... في اليمن... وأخيراً وليس آخراً في السودان... وهكذا هم ماضون في تمزيق المجزَّأ من وطننا العربي والإسلامي.
وإن رابطة العلماء السوريين إذ تستنكر المؤامرة التي تُحاك على السودان لتمزيقه تحت شعار الاستفتاء المزمَع إجراؤه في يوم 9/1/2011 ترى الرابطة أنه سيترتب على هذا الانفصال إن وقع ـ لا سمح الله ـ نتائج خطيرة على كل صعيد:
 
1 ـ على صعيد السودان نفسه: المؤامرة اليوم على جنوب السودان...! وغداً على شرقه...! وبعد غد على غربه...! والسلسلة متوالية... ومعظم قبائل السودان ستحلم بالانفصال، وستجد من ا لدول الكبرى الدعم والتأييد والانتصار لها في المحافل الدولية. وبالتالي ستتمزَّق الدولة السودانية الواحدة إلى مجموعة من الدويلات القبلية المتناحرة المتقاتِلة المستقوِية على بعضها البعض لا سمح الله، وسيدفع شعب السودان الثمن غالياً من دماء شبابه في فتن وحروب لها أول وليس لها آخر.
 
2 ـ وعلى صعيد أمتنا العربية فإنها ستفقد ما كان مؤملاً في توفير سلَّة غذاء هامة، كان يمكن أن تكفي دولنا العربية بكل ما تحتاجه من غذاء ومياه وخيرات... لأن الله سبحانه قد أفاء على السودان التربة الزراعية الخصبة، والمساحات الزراعية الواسعة، والمياه الغزيرة، والبترول الوفير... وأمتنا أحوج ما تكون اليوم إلى هذه السلَّة الغذائية بما تعانيه من نقص في الموارد، وشح في المياه، وضعف في الإنتاج، خاصة وأن إسرائيل تمعِن في سرقة المياه العربية، والاستراتيجيون يقولون: إن المعركة القادمة مع إسرائيل ستكون معركة مياه.
 
3 ـ وستكون الشقيقة الكبرى مصر في مقدمة المتضررين لأنها تعيش على خيرات نهر النيل، وتأخذ منه حتى اليوم حصة الأسد، ولكن بعد انفصال الجنوب ـ لا سمح الله ـ قد تخسر 40% من حصتها من مياه النيل، تحت ضغط دول وادي النيل، وستتولد ـ نتيجة ذلك ـ مشاكل معيشية خطيرة لشعبنا العزيز في مصر.
 
وخطة الاستعمار الحديث في تجزئة المجزأ لن تقف عند حدود السودان، وإنما سيمضي الاستعمار قُدماً بعد نجاحه في فصل الجنوب في تشجيع كل الأقليات في عالمنا العربي والإسلامي لتحذو حذو الجنوب في إقامة كيانات منفصلة، ودُوَيلات طائفية وقبَلية وعِرقية.
 
وتؤكد رابطة العلماء السوريين أن الأمر لم يعد خافياً على حكامنا ومسؤولينا وشعوبنا...!! فاللعب قد أضحى على المكشوف!! فإسرائيل تخطط، والدول الكبرى تنفذ، والمؤسسات الدولية تستجيب لكل ما مِن شأنه تمزيق أمتنا العربية...
 
 وكلُّ زعماء الانفصال هنا وهناك، ودون استثناء، يعلنون بكل وقاحة أنهم يستعينون بإسرائيل في إعداد الكوادر، والمليشيات المسلحة، وتقديم الخبرات... وقد صرح كبيرهم نائب رئيس جمهورية السودان أنه لا مشكلة له مع إسرائيل، إنما مشكلة إسرائيل مع العرب فقط!! وذكر الكاتب الكبير الأستاذ فهمي هويدي في جريدة الشرق القطرية بتاريخ 26/12/2010 ( إن إسرائيل استقبلت خمسة آلاف من المتمردين في دارفور لتدريبهم عسكرياً بعدما أقامت فصائل التمرد تحالفاً للتنسيق فيما بينها استعداداً للتعامل مع المرحلة التي تعقب الانفصال ) ويقول أيضاً في نفس المقال: (والقادم بعد الانفصال سيكون أخطر وأبعد أثراً مما نتصور!! الجنوب سيتحوَّل إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية، وأن هذا النموذج يُراد له أن يتكرَّر في دارفور التي تستعد الآن للانتقال إلى تمثلُّ النموذج الجنوبي.. وتعيينُ مبعوث أمريكي للتعامل مع ملف دارفور إشارة واضحة إلى ذلك).
 
أمام هذا المخطط الرهيب، والواقع المخيف، ترى رابطة العلماء السوريين أن تناشد حكام العرب والمسلمين وكافة العلماء وعلى رأسهم علماء السودان ، ورجال الحركة الإسلامية فيه وكافة فعالياته السياسية والإعلامية والشعبية أن يبذلوا جهدهم لاستنقاذ وحدة السودان، وإفشال المؤامرة وإيقاف الخطر الداهم.
 
ولنذكر جميعاً تحذير الله سبحانه للمسلمين حتى لا يساوموا على وحدتهم وقد سمَّى الله التفرق كفراً فقال :[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ] {آل عمران:100}. وقال سبحانه :[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] {آل عمران:102ـ 103}.
 
التاريخ                                      رابطة العلماء السوريين
28/1/1432
3/1/2011
 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين