فوائد ومختارات من جمهرة مقالات وبحوث عبد الله مخلص

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه مختارات من "جمهرة مقالات وبحوث مؤرخ القدس عبد الله مخلص" جمعها واعتنى بها محمد بن خالد كلاب، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية- الرياض، ط1- 1440.

1- وأذكر جيدا أنني كنت كتبت مقالة باللغة التركية -لجريدة تدعى (زمان) كانت تصدر في جزيرة قبرص- عنوانها: (لماذا لا نعمل بالشورى؟)، فبعث صاحب الجريدة ينصحني ويقول لي: يظهر أن نزق الشباب والطيش قد أوْديا بعقلك فاندفعت تهرف بما لا تعرف، فثب إلى رشدك، واعمل لبلادك من طريق أخرى. المدخل إلى تراث عبد الله مخلص (ص56) من ترجمته بقلمه.

2- على ذكر الأحاديث الموضوعة عن المدن والأمصار أريد أن أجاهر برأي ربما أثار غضب الجامدين، وهو أن هذه الأحاديث قد وضعت لأغراض سياسية شريفة، وأُلبست ثوبا من الدين، والدين سلطان تخضع له النفوس، وتعنو أمامه الرقاب.

والغاية من ذلك هو حمل المسلمين وهم في بدء حياتهم السياسية على احتمال المشاق، وتكبد الأسفار، وإحكام الدفاع عن الثغور والبلدان التي كانت لها ميزة حربية، إذ كان من الصعب أن يستسهل المسلم البدوي الضارب في عَرض الأرض، الساكنُ في بيوت الشعر= الدخولَ إلى القفص، والإقامة بين الجدران لولا ذلك السلطان الديني. (1/162).

3- كتاب الأصنام لأبي المنذر هشام بن محمد بن سائب الكلبي المتوفى سنة (204هـ-819م) هو أجود كتاب في هذا الموضوع، إن لم يكن الوحيدَ في بابه. (1/211).

4- أورد الأستاذ عبد الله مخلص في مقالة له عنونها (النرجس) جملة من الأقوال المأثورة فيه، وإليكها:

قال جالينوس: إن النرجس راعي الدماغ، والدماغ راعي القلب.

قال أبقراط: كل شيء يغذو الجسم، والنرجس يغذو العقل.

وقال كسرى أنوشروان: النرجس ياقوت أصفر بين ورد أبيض على زمرُّد أخضر، وكان يقول: إني لا أستحي أن أغازل من أحب بمجلس فيه النرجس.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: شموا النرجس ولو في اليوم مرة، ولو في الجمعة مرة، ولو في الشهر مرة، ولو في السنة مرة، ولو في الدهر مرة، فإن في القلب حبة من الجنون والجذام والبرص لا يقطعها إلا شم النرجس.

وقال ابن سينا: من كان له رغيفان فليجعل أحدهما في ثمن النرجس؛ لأن الخبز غذاء الأبدان، والنرجس غذاء الأرواح. (1/425).

5- لا بد لنا من الإشارة والتنبيه إلى أن تواريخ الدولة الفاطمية الشيعية لم تصل إلينا جميعِها، وما وصل إلينا منها كان مبتورا مشوها، والذين عاصروهم من مؤرخي أهل السنة والجماعة، أو الذين رافقوا الفتح الصلاحي، أو الذين جاءوا من بعدهم من المؤرخين كانوا يقلبون حسانهم سيئات بسبب ادعائهم الخلافة في حين أن الخلافة العباسية كانت قائمة في بغداد؛ ولذلك وجب على الناقد البصير أن يمعن الفكر وينعم النظر قبل الحكم في مثل هذه الأمور. (1/448).

6- أجود أشعار العرب مراثيها. (1/481).

7- كنت قرأت في فهرس دار الكتب المصرية أن فيها نسخة مخطوطة من الجزء الثاني من "وفيات الأعيان"، وفي هذا الجزء ترجمة الوليد بن طريف الشاري، فاطمأنت نفسي أنني أجد ضالتي فيها، فكتبت إلى مدير الدار أسأله المعونة على هذا التحقيق البسيط الذي ضيَّقتُ دائرته وحصرته في كلمتين اثنتين هما (نباتى) و(الحشى)، ومضى الشهر فلم يُحِر المدير جوابا، فقلت: لعل له عذرا وأنا ألوم.

بيد أنني أقول بكل أسف: إنني ما سألت عالما غربيا من المستشرقين ودور الكتب الأوروبية سؤالا من هذا القبيل إلا أُجبت عنه بدقة وتفصيل أكثر مما طلبت، هذا وأنا أكتب للقوم باللغة الضادية لا برطانتهم الأعجمية، فيتحملون عناء الترجمة والبحث والاستقصاء والإجابة، في حين أن جارتنا الشرقية تضِنُّ علينا بفتح صفحة من الكتاب، وكَتْب بضع كلمات دون اضطرار لترجمة أو تعريب. (1/491).

8- الذي علمته بالممارسة والاختبار أن أكثر الأشعار تصحيفا هي التي وردت في كتاب "معجم البلدان" لياقوت الحموي، الذي يظهر أن (ف وستنفلد) طبعه عن نسخة مخطوطة قليلة الإعجام، فجاء مشحونا بالأغلاط والتحريفات. (1/495).

9- الفائقون في ذوق الشعر العربي وحسن آدابه من العلماء والموالي [كأنه يقصد علماء الروم والعجم] في غاية القلة، معدودون منهم، ولا يعد هذا نقصا فيهم؛ لأن فهم الشعر العربي على وجهه كما ينبغي قليل أيضا في علماء العرب، إلا من توغل منهم في الأدب، وتعب في تحصيله ودأب. (1/525-526).

10- بينما كنت في طريقي من جنين إلى حيفا وقف بي الحُوْذِيُّ [سائق العربة] في مركبته على هذه الماءة يستقي لدوابه منها ويريحها برهة، فاستظلَلتُ بشجرة هناك، وإذا بقطيع من المعز يرِد الماء، فانفصلت عنه واحدة وجاءت إلى أمام بيت شعر نُصب هناك ووقفت، فخرجت من تلك الخيمة فتاة بطفل صغير أتت به إليها تحمله حتى وضعته تحت الماعزة وأمسكَتْه ثديها في فمه فرضع منها حتى الشبع، فلما ترك الثدي ولت مدبرة ولحقت بقطيعها، فأخذني العجب مما رأيت، ولم أتمالك نفسي عن سؤال تلك الفتاة سر هذه المرضع الحنون، فبادرتها: هل هذا الطفل صبي أو بنت؟ فأجابتني: عجي، ففهمت بالقرينة أنه صبي، ولو قالت عجيَّة لحكمت بأنها ابنة، فسألتها السبب في إرضاعه من الماعزة؟ فقالت: إن أم هذا الصبي قد توفيت عند ولادته ولم ترضعه البتة، فحرنا في أمره وصرنا نفكر فيما يضمن له الحياة، فتراءى لنا أن نرضعه من هذه الماعزة التي رأيتَها، فأتينا به إليها ووضعناه تحت ثدييها فالتقم الثديين مرة بعد أخرى وأخذ يرضعهما، وائتلفها وائتلفته، فهو كما رأيت يرضع ثديها سواد الليل، أما في بياض النهار فيرضع مرة في الصباح قبل أن تسرح للرعي، وكلما وردت الماء تمر على خيمتنا فترضعه، ولولا أن قيض الله هذه السائمة لهذا الطفل لهلك جوعا، فسبحان مقدر الأرزاق. (2/181-182).

11- وصحيح أن المسجد الأقصى وغيره من المساجد كان يتلقى الطلاب الشبان فيها بعض العلوم على علماء ومدرسي تلك المساجد في السنين الأخيرة من الحكم العثماني، ولكن هذه الرغبة كانت منبعثة عن غرض التخلص من التجنيد الإجباري التي فرضته الدولة العثمانية وعممته على جميع الإيالات والعمالات؛ لأن طلاب العم كانت الحكومة تُعفيهم من الخدمة في الجندية إكراما للعلم الديني وتعميما له، وقد تضاءلت هذه الرغبة بسبب احتلال البلاد وإلغاء التجنيد، ولم يعد يفكر إلا أقلُّ من القليل في طلب العلم الديني الذي أوشك على الاضمحلال ببلد المقدسات، بعد أن كان طلاب العلم يملؤون أروقة المساجد في بيت المقدس والخليل وغزة ويافا ونابلس وعكا، وهذه القلة لا تطلب العلم لذاته، بل لاستبقاء وظيفة تدريس أو خطابة أو إمامة أو جهة من الجهات العلمية يُنتظر أن تشغر، فيهيء الطالب نفسه لها ليحل محل أبيه أو القائم مقامه في الجهة الشاغرة.

واضمحلال العلوم الدينية في بلد مقدس مثل هذا ضربة على الإسلام، وبلاء نازل بالمسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. (2/411).

12- ولا يهمني قول البعض أن الأب الكَرْمِلي يكتب الصفحات الطويلة في سبيل كلمة من كلمات اللغة، وأنه لو أنفق هذا الوقت أو بعضه في سبيل آخر لأفاد أكثر، فذلكم التطويل دليل الغيرة على اللغة الفصحى، وبرهان الاهتمام في الاحتفاظ بذلك التراث الذي ورثناه من الآباء والأجداد، ومن علم أن بعض علماء المشرقيات يكتب مئات من الصفحات في سبيل بيت أو قصيدة عربية= عَذر الأب الغيور على تقصيه وبحثه، بل عذله؛ لأنه لم يزد في النكاية بهؤلاء المتشدقين الذين كادوا يفسدون علينا أمر لغتنا. (2/484).

تمت بحمد الله

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين