في قلبِ المعركة

أتظنُّ يا صاحبي وأنتَ تراقبُ شروقَ الشمسِ، والسماءُ صافيةٌ نقيَّة، وترشُفُ من فِنجانِك ما تلتذُّ به، منتشيًا بعبقِ رائحةِ القهوة، مستمتِعًا بقطعةٍ فاخرةٍ من الشوكولاته، أنَّك في مأمن؟

أتظنُّ وأنتَ في سيارتِكَ قاصِدًا عملَكَ، تستمعُ إلى برنامجِكَ الإذاعيِّ المفضَّل، متأنِّقًا قد رجَّلتَ شعرَكَ، ولمَّعتَ حذاءَكَ، وتعطَّرتَ بأجمل العطر، أنَّك في مأمن؟

أتظنُّ وأنتَ على مائدةِ العَشاءِ مع أهلِك، تأكلُ طيِّبًا، وتستمعُ إلى أخبارِ الجيرانِ من زوجتِكَ، أنَّك في مأمن؟

أتظنُّ وأنتَ في سهرةٍ لطيفةٍ مع إخوانِكَ وأصحابِكَ، تتسامرون وتتحاورون، أنَّك في مأمن؟

أتظنُّ وأنتَ في المسجدِ تركعُ وتسجدُ، أنَّك في مأمن؟

إنَّك في قلبِ المعركة!

وإنَّها لَأخطرُ معركة!

إنَّك دريئةُ عدوِّك، وكم اخترقتْكَ السِّهام، وعمِلَتْ فيك الخناجر، وأنت في شُغلٍ عنها.

إنَّك مطلوبٌ في ثأرٍ قديمٍ قديم، مطارَدٌ خطوةً خطوة، وكم أدركَكَ عدوُّكَ فغنِمَ منك، وأنتَ لا تشعر، منهمِكًا في دنياك.

عدوُّكَ يراكَ، وأنتَ لا تراه، يكيدُ بك ويحاربُك، وأنتَ مغرورٌ بمكاسبِ عيشِك، مشغولٌ بتفاصيلِ يومِك.

معركةٌ يوميةٌ متجددةٌ، لا هُدنةَ فيها ولا صُلح، ولن تضعَ أوزارَها إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ وما عليها.

فخُذْ لَأْمَتَك، واحذرْ عدوَّك، واستعدَّ لحربِك، ولا تغفُلْ عن سِلاحِك.

"عرشُ إبليسَ على البحر، يبعثُ سراياه في كلِّ يومٍ يفتِنونَ الناس، فأعظمُهم عندَه منزلةً أفتنُهم للناس".

سرايا!

مرعبةٌ هذه اللفظة!

أجل إنها سرايا، وإنها لَمعركة، القائدُ الأعلى لجيشِ العدوِّ إبليس، يقودُ حربًا باردةً أسلحتُها ناعمة؛ الوسوسةُ والتحريش، والفتنةُ والتزيين، والكيدُ والتلبيس، لكنها فتَّاكةٌ فتَّاكة، لا يسلمُ منها إلا الموفَّق.

أينما كنتَ، وحيثما حللتَ؛ في رأسِ جبلٍ أو بطنِ واد، في غرفةِ نومِك أو سوقِ قومِك، وحيدًا خاليًا أو لجمهور الناس بارزًا مخالطًا، إنَّك مستهدَف!

الآنَ الآن، اثبُتْ في مكانِك، واترُكْ كلَّ شيء، انظُرْ حولَك، تفحَّصْ المكانَ بعينيك، إنَّك لن ترى شيئًا، واللهُ وحدَه يعلمُ ما حولَك من تلك السرايا!

فاحذرْ أن تضعَ الحربُ أوزارَها، وأنتَ لستَ فارسَها المُجَلِّي، وبطلَها المنتصِر.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين