من أعان مسلماً أعانه الله يوم القيامة

الدكتور محمد راتب النابلسي 


 الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حقّ الجهاد، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
كل أمر في القرآن يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك :
 أيها الأخوة الكرام، منهج الله واسع جداً يدور مع الإنسان في كل زمان ومكان، وفي كل شؤون حياته، بل يبدأ من أشد العلاقات حميمية؛ يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، حينما فهم المسلمون منهج الله فهماً شمولياً، فهماً واسعاً، فهماً عميقاً، وصلوا إلى أطراف الدنيا، ودانت لهم الشعوب كلها، فلما ضاق فهمهم، وتوهموا أن الإسلام عبادات شعائرية ليس غير؛ صلاة، وصيام، وحج، وزكاة، أصبحوا على ما هم عليه الآن.
 أيها الأخوة من بنود هذا المنهج، وتؤخذ بنود هذا المنهج من القرآن الكريم و السنة، فكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، وكل أمر في السنة الصحيحة يقتضي الوجوب، فنحن أمام منظومة من الأوامر والنواهي، نحن أمام منهج واسع جداً يغطي كل شؤون حياتنا، يدور معنا في كل زمان، وفي كل مكان، وفي كل حال وشان، من بنود هذا المنهج آية كريمة تقول: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
[ سورة المائدة الآية : 2 ]
حاجة المسلمين إلى الثوابت الأساسية في الإسلام التي هي أصل في دينهم :
 أيها الأخوة، نحن في أمس الحاجة إلى مدخل جديد لأنواع من القيم، يقوم هذا المنهج الجديد على ثوابت أساسية في الإسلام هي أصل في ديننا.
 أيها الأخوة، من هذه الثوابت التعاون، والإسراع إلى العمل، وإتقان العمل، وتطوير العمل، والمحافظة على الوقت، وحسن إدارة الوقت، والعمل المؤسساتي أصل في ديننا، وترسيخ مفهوم فريق العمل، والالتزام بالمواعيد، وحسن التصرف بالإمكانات المتاحة، وترشيد الاستهلاك، والانتماء إلى المجموع، هذه قيم حضارية، سبب قوة أعدائنا، أخذوا بها لا لأنهم يعبدون الله عز وجل، أخذوا بها لأنهم يعبدون مصالحهم من دون الله، وهي أصل في ديننا، وقد أهملناها، وعتمنا عليها، فلذلك من هذه القيم الحضارية التي هي أصل في هذا الدين العظيم قيمة التعاون، قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا ﴾  أمر إلهي قرآني، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك.
 أيها الأخوة، المسلمون اليوم في أمس الحاجة إلى هذه القيم الإسلامية الأصيلة والتي أخذ بها أعداؤنا لأنهم يعبدون مصالحهم من دون الله.
أنواع الناس في التعاون :
 أيها الأخوة، الناس في موضوع التعاون أنواع، منهم من يعين ويستعين، ومنهم من لا يعين ولا يستعين، ومنهم من يستعين ولا يعين، ومنهم من يعين ولا يستعين، فأما المعين والمستعين فهو معاوض منصف، يؤدي ما عليه ويستوفي ما له، فهو كالمقرض يسعف عند الحاجة، ويسترد عند الاستغناء، وهو مشكور في معونته، معذور في استعانته، فهذا أعدل الناس يعين ويستعين، هذه بتلك، وأما من لا يعين ولا يستعين فهو متروك، قد منع خيره وقمع شره، فهو لا صديق يرتجى ولا عدو يخشى، وإذا كان الأمر كذلك فهو كالصورة الممثلة، يروقك حسنها ويخونك نفعها، فلا هو مذموم لقمع شره، ولا هو مشكور لمنع خيره.
 أما من يستعين ولا يعين فهو لئيم كَلْ، مهين مستذل، قد قطع عنه الرغبة وبسط فيه الرهبة، فلا خيره يرتجى ولا شره يؤمن، وحسبك مهانة من رجل مستثقل عند إقلاله، ويستقل عند استقلاله، فليس لمثله في الإخاء حظ، ولا في الوداد نصيب، وأما من يعين ولا يستعين فهو كريم الطبع، مشكور الصنع، وقد حاز فضيلتي الابتداء والاكتفاء، فلا يرى ثقيلاً في نائبة، ولا يقعد عن معونة، فهذا أشرف نفساً، وأكرمهم طبعاً، فينبغي لمن أوجد له الزمان مثله، وقلّ أن يكون له مثل لأنه البر الكريم والدر اليتيم.
المؤمن الكامل يأخذ ببنود الإسلام كلها :
 أيها الأخوة، مرة ثانية منهج الله بنوده كثيرة جداً، ولا تكون مؤمناً كاملاً، ولا تنجو بإيمانك، ولا تستحق رضوان الله عز وجل، إلا إذا أخذت بكل بنود الإسلام، أما أن تكتفي بعبادات شعائرية تؤديها أداءً أجوفاً هذا لا يقدم ولا يؤخر، والدليل مليار وخمسمئة مليون مسلم لا وزن لهم في الأرض، وليست كلمتهم هي العليا، وأمرهم ليس بيدهم وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، وقد جاء في الحديث الصحيح: (( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ )) [أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]
 نحن مليار ونصف هذا هو السبب، فهمنا الدين عبادات شعائرية تؤدى أداءً أجوفاً، أما تفاصيل حياتنا، أما كسب أموالنا، أما حرفنا، أما إنفاق أموالنا، أما بيوتنا، أما احتفالاتنا، أما أفراحنا، أما أتراحنا، تقام على النمط الغربي لا على النمط الإسلامي، يربطنا بالدين مسجد، وكتاب، وعادات، وتقاليد، لذلك تعد بلاد المسلمين من أغنى بلاد العالم، والشعوب الإسلامية من أفقر شعوب الأرض، لأن بأسهم بينهم وسلمهم لأعدائهم، ترون ما يجري فيمن حولنا بأسهم بينهم وسلمهم لأعدائهم، يستوردون ولا يصدرون.
التعاون واجب ديني وضرورة اجتماعية :
 أيها الأخوة الكرام، التعاون واجب ديني وضرورة اجتماعية، لا يغيب عن أذهانكم أن ابن خلدون واضع علم الاجتماع يقول في كتابه الذي يعد الأول في هذا العلم، المقدمة لابن خلدون يقول: إن الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان اجتماعي بالطبع والضرورة، أي لا بد له من الاجتماع، وبيانه أن الله عز وجل خلق الإنسان وركبه على صورة لا تصح حياته ولا يصح بقاؤه إلا بالغذاء، وهداه إلى التماسه بفطرته، وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله، إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجاته من ذلك الغذاء، يعني هذا الرغيف الذي تأكله صباحاً هل تعلم كم إنسان ساهم حتى أصبح بين يديك؟ بدأ من حرث الأرض، ومن إلقاء النبت، ومن الوقاية والسقاية، ومن التسميد، ومن الحصاد، ومن الدرس، ومن الطحن، ومن العجن، ومن الخبز، آلاف مؤلفة بل عدة ملايين من بني البشر، يعدون لك هذا الرغيف، هل تستطيع أنت أن تعده وحدك؟ هذا الرغيف، وذاك النسيج، وهذه الخياطة، أنت تتقن حاجة واحدة، وتحتاج مليار حاجة، تحتاج إلى زر له معامل، وله خصائص، تحتاج إلى قماش، تحتاج إلى ملايين الحاجات، وسمح الله لك أن تتقن واحدة، فأنت مضطر أن تكون في مجموع، وأنت في هذا المجموع إما أن تكون صادقاً أو غير صادق، أميناً أو غير أمين، مستقيماً أو غير مستقيم.
حاجة الإنسان إلى أن يعيش في المجتمع حاجة أساسية :
 لذلك أيها الأخوة، أن نعيش معاً هذا قدرنا، وتلك حاجتنا، وهذه حاجة أساسية، إذاً ينبغي أن نعيش معاً وفق منهج الله، أن نقيم العدل فيما بيننا، أن نعطي كل ذي حقّ حقه، لذلك يقول الله عز وجل في كتابه العزيز:  ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾ [ سورة الأنعام الآية : 115]
 قال علماء التفسير: هذا الكتاب الذي بين أيدينا من أول آية إلى آخر آية لا يزيد عن أمر وعن خبر، فالخبر صادق والأمر عادل، هذا معنى والقرآن حمال أوجه، والمعنى الثاني:  ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾   أي أن الله عز وجل يقول لنا: يا عبادي بيني وبينكم كلمتان؛ منكم الصدق ومني العدل، تتفاوتون عندي بالصدق وأنا أعدل بينكم.
التعاون فريضة إسلامية :
 لذلك أيها الأخوة، نحن في موضوع التعاون:  ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [ سورة المائدة الآية : 2 ]
 والتعاون فريضة إسلامية فيها أمر قرآني، والتعاون حضارة، والتعاون تقدم، والتعاون قوة، والتعاون يجعلنا أول أمة في الأرض، لا يوجد أمة فيها اللغة واحدة، والماضي واحد، والتاريخ مجيد، والأهداف واحدة، والآلام واحدة، كهذه الأمة، لا يوجد أمة اجتمعت لها عوامل التوحد كهذه الأمة، ومع ذلك تنتقل في بضع وعشرين دولة في أوربا وكأنها دولة واحدة ينطق بها إنسان واحد، وكأنك في بلد واحد، وبينهم مذابح، وحروب، وقوميات، ولغات، لا يعلم عددها إلا الله، ونحن أمة واحدة، إلهنا واحد، نبينا واحد، قرآننا واحد، أهدافنا واحدة، تجمعنا عوامل لا تعد ولا تحصى، ومع الأسف الشديد بأسنا بيننا وسلمنا لأعدائنا، وثرواتنا لا تقدر بثمن، والله زرت بلداً إسلامي في إفريقيا ، أنبئت أنه أغنى بلد في إفريقيا، الألماس عنده في المقام الأول، أكبر مصدر للألماس والذهب والأورانيوم، وأفقر شعب في العالم هذا الشعب، بيوته من الصفيح، كل هذه الأموال بأيدي أعدائه.
معركتنا مع الآخر معركة نكون أو لا نكون :  أيها الأخوة الكرام، معركتنا نحن مع الآخر معركة نكون أو لا نكون، معركة وجود أو عدم وجود، فلا بد من صحوة، لا بد من فكرة.
 مرة نعيم بن مسعود زعيم قبيلة غطفان، جاء ليحارب النبي عليه الصلاة والسلام في معركة الخندق، وهو في خيمته لحظة تفكير دقيقة وعميقة، خاطب نفسه قال: يا نعيم ما الذي جاء بك إلى هنا، لماذا تقاتل هذا الرجل الرحيم؟ ماذا فعل هذا الرجل؟ ـ يقصد النبي عليه الصلاة والسلام ـ هل سفك دماً؟ لا، هل انتهك عرضاً؟ هل سرق مالاً؟ قال: أين عقلك يا نعيم؟ لما جئت لتحاربه؟ وقام من خيمته وتوجه إلى معسكر المسلمين، ودخل على النبي عليه الصلاة والسلام، النبي فوجئ به قال له: نعيم؟ قال: نعيم، قال له: ما الذي جاء بك إلينا؟ قال: جئت مسلماً، لحظة تفكير اسأل نفسك لماذا أنت في الدنيا؟ ماذا بعد أن تكون غنياً؟ الموت، ماذا بعد أن تكون قوياً؟ الموت، هذه الدنيا تمضي هي ساعة اجعلها طاعة، هي ساعة اترك بصمة في الدنيا، من لم يترك بصمة في الدنيا فهو زائد عليها، لك بصمة؟ عملت عملاً يرضي الله؟ ساهمت في خدمة هذه الأمة؟ خففت من مشكلاتها؟ نصحتها؟ ما عملك؟ إذا وقفت بين يدي الله عز وجل ماذا فعلت من أجلي؟ هل واليت فيّ ولياً؟ هل عاديت في عدواً؟ ماذا فعلت؟
 أيها الأخوة، الآية الأصل في هذه الخطبة:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا ﴾ [ سورة المائدة الآية : 2 ]
 الشاهد: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [ سورة المائدة الآية : 2 ]
أميتنا وصمة عار أما أمية النبي عليه الصلاة والسلام فوسام شرف له :
 أيها الأخوة، من الأحاديث الصحيحة الواردة في موضوع التعاون، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء ـ الخلوة مع الله ـ وكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه ـ أي يتعبد ـ الليالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود ذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: «ما أنا بقارئ» لماذا ؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لو حصل من ثقافة الأرض شيئاً ثم جاءه الوحي لسأله أصحابه مع كل حديث ينطق به هذا من ثقافتك من علمك أم من وحي السماء؟ جعله الله أمياً لأن أميته وحده وسام شرف له:  ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [ سورة النجم الآية : 5]
 تولى الله تعليمه، وعاؤه الثقافي ليس فيه إلا الوحي: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾[سورة النجم الآيات : 3-4]
 أما نحن أميتنا وصمة عار بحقنا، لأننا لا سبيل إلى أن نتعلم إلا بالتعلم، إنما العلم بالتعلم، فأميتنا وصمة عار أما أمية النبي عليه الصلاة والسلام فوسام شرف له، لأن هذا الوعاء العظيم ليس فيه إلا وحي السماء: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾[سورة النجم الآيات : 3-4]
الإسلام أخلاق و قيم :
 فقال: اقرأ، قال: «ما أنا بقارئ» قال: فأخذني فغطني ـ أي ضمني ـ حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: «ما أنا بقارئ» فأخذني فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: «ما أنا بقارئ» فأخذني فغطني الثالثة، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ » فرجع بها رسول الله ترجف بوادره ـ والبوادر في الإنسان اللحمة التي بين المنكب والعنق ـ حتى دخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال «زملوني، زملوني» فزملوه، حتى ذهب عنه الروع ـ الخوف ـ فقال لخديجة: أي خديجة مالي؟ وأخبرها الخبر قال: «لقد خشيت على نفسي» فقالت خديجة: كلا أبشر فوالله ما يخزيك الله أبداً.
 ما هذه الثقة؟ لم يكن وحي بعد، لم يكن حديث شريف بعد، قالت: كلا والله ما يخزيك الله أبداً. الشاهد: إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل ـ اليتيم ـ وتكسب المعدوم ـ الفقير ـ وتقري الضيف ـ أي تكرم الضيف ـ وتعين على نوائب الدهر، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل، ابن عم خديجة، وكان امرأً قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتابة العربية، ويكتب من الإنجيل بالعربية، وكان شيخًا كبيراً قد فقد بصره، فقالت له خديجة :يا بن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس ـ أي جبريل ـ الذي نَزَّلَه الله على موسى، يا ليتني فيها جِذَعاً ـ أي شاباً قوياً ـ حتى أبالغ في نصرك، يا ليتني أكون حياً حين يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَوَ مُخرجيَّ هم؟ » قال :نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً.
 أين الشاهد في هذه القصة؟ كان النبي عليه الصلاة والسلام، يصل الرحم، يصدق الحديث، يحمل الكل، يكسب المعدوم، يقري الضيف، يعين على نوائب الدهر، الإسلام أخلاق، الإيمان قيم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [ سورة القلم الآية : 4 ]
 ما دمت فهمت الدين أداء شكلياً، ولك أن تفعل ما تشاء، وأن تذهب إلى أي مكان تشاء، وأن تلتقي مع من تشاء، وأن تطلق بصرك في الحرام كما تشاء، فأنت بعيد عن حقيقة الدين، الدين مجموعة مبادئ وقيم، الدين منهج، الدين افعل ولا تفعل، الدين يبدأ منهجه معك من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، الدين منهج كامل. 
من لم يعامل الناس كما يعامل ابنه ففي إيمانه خلل :
 أيها الأخوة الكرام:
(( عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلامِهِ مِثْلُهَا، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ : فَذَكَرَ أَنَّهُ سَابَّ رَجُلا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ، قَالَ : فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ، هذا الذي يعمل عندك، هذه التي تعمل في بيتك، أخوانكم في الإنسانية، وَخَوَلُكُمْ، أي أتباعكم، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ )) [ متفق عليه عن الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ]
 هذا منهج ثان لمن كان تحت يدك، عندك موظف، عندك صبي في المحل يتيم، لا تكلفه ما لا يطيق، والله مرة كنت بمحل تجاري، يبيع أقمشة فحمل الموظف في المحل وهو شاب صغير يتيم، أول ثوب، والثاني، والثالث، والرابع، قال: لم أعد أتحمل، قال له: أنت شاب، ابنه إلى جانبه بسن موحد، حمل ثوباً واحداً، قال له : يا بني إياك و ظهرك.
((إِخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ، أي أتباعكم، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ )) [ متفق عليه عن الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ]
 قال لي إنسان عندي صانع جيد و ذكي، طلب مني أن يغادر المحل قبل ساعة، ليلتحق بمدرسة ليلية ليأخذ شهادة، قال لي: هو يتيم لم أسمح له لأنه إذا تعلم خسرته، أبقاه أمياً، وبعد دقائق حدثني أنه دفع لابنه مليوني ليرة دروس خاصة ليكون طبيباً، انظر إلى المسلمين، أقسم لكم بالله ما لم تعامل أي إنسان كما تعامل ابنك ففي إيمانك خلل:  (( إِخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ))
 هل تصدقون في بعض البلاد الإسلامية يوجد سبعين حالة انتحار من الفتيات اللواتي يأتين ليأكلن، بعد عشرة آلاف كيلو متر ينتحرن من القسوة والظلم، والله ما لم نعدل لن تقوم لنا قائمة.
العمل الصالح ينقل الإنسان إلى عمل صالح أكبر :
 الحديث الشريف: (( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ )) [ البخاري عن سهل بن سعد]
 عن أبي ذر رضي الله قلت: يا رسول ماذا ينجي العبد من النار؟ قال عليه الصلاة والسلام: الإيمان بالله، قلت يا رسول الله مع الإيمان عمل؟ قال عليه الصلاة والسلام: أن تعطي مما رزقك الله، قلت: يا نبي الله فإن كان فقيراً لا يجد ما يعطي، قال عليه الصلاة والسلام: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قال: يا رسول الله فإن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا أن ينهى عن المنكر، قال عليه الصلاة والسلام: فليعن الأخرق ـ الضعيف ـ قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع، قال: فليعن مظلوماً، قلت: يا نبي الله أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يعين مظلوماً، قال النبي عليه الصلاة والسلام: أما تريد أن تترك لصاحبك من خير، ليمسك أذاه عن الناس، فجاء السؤال المحرج قلت يا رسول الله أو إن فعل هذا دخل الجنة؟ فقال عليه الصلاة والسلام وهو اللماح: ما من عبد مؤمن يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة.
 فالعمل الصالح ينقلك إلى عمل صالح أكبر، والمعصية تقودك إلى معصية أكبر والإنسان حركي.
   وأخيراً..
 حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، و اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، و سيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، و عمل لما بعد الموت، و العاجز من أتبع نفسه هواها، و تمنى على الله الأماني .
الخطبة الثانية :
 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
من أعان مسلماً أعانه الله يوم القيامة :
 أيها الأخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام :
((من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة . ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة . ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة . والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة . وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده . ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) [ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه]
دعاء الختام ..
 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين .
والحمد لله رب العالمين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين