اختلاف الشيخين في حديث مروان بن الحكم

كتب إلي العالم الأديب الشيخ مجاهد علي من لندن حفظه الله تعالى: سلام الله عليكم شيخنا الحبيب، قرأت في أماني الأحبار في شرح معاني الآثار للشيخ يوسف الكاندهلوي يستغرب كيف أخرج البخاري حديث مروان بن الحكم والذي قد جرحه غير واحد من الأعلام وأعرض الإمام مسلم عن إخراج حديثه ولم يحتج به.

فهل مروان من أهل البدعة وحكمه حكم من روى عن المبتدعة لأسباب؟

قلت: إن الشيخين الإمام البخاري والإمام مسلم مقدمان على حفاظ عصرهما وما بعده في معرفة الرجال، وتمييز الصحيح والسقيم، وإدراك العلل، قد يتفقان في حكمهما، وقد يختلفان، وهذا هو شأن الأئمة المجتهدين المحققين.

ومما اختلفا فيه حديث مروان بن الحكم، أخرجه البخاري، ولم يخرجه مسلم، ولكل منهما وجه، نبينه فيما يلي، بدءًا بترجمة مروان ملخصة من تهذيب الكمال للحافظ المتقن أبي الحجاج المزي:

مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي أبو عبد الملك المدني، أمه أم عثمان آمنه بنت علقمة بن صفوان الكناني، ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع، وكان أصغر من عبد الله بن الزبير بأربعة أشهر، ولم يصح له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (خ د س) حديث الحديبية بطوله، وروى عن زيد بن ثابت (خ د ت س)، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث (خ د ق)، وعثمان بن عفان (خ س)، وعلي بن أبي طالب (خ س)، وأبي هريرة (د س)، وبسرة بنت صفوان (4)، وكان كاتبا لعثمان وولي إمرة المدينة لمعاوية والموسم، وبويع له بالخلافة بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية بالجابية وكان الضحاك بن قيس قد غلب على دمشق وبايع بها لابن الزبير ثم دعا إلى نفسه فقصده مروان فواقعه بمرج راهط فقتل الضحاك وغلب على دمشق ومات بها في رمضان سنة خمس وستين وهو بن ثلاث وستين وقيل بن إحدى وستين وكانت خلافته تسعة أشهر وقيل عشرة إلا أياما روى له الجماعة سوى مسلم.

لماذا لم يخرج له مسلم؟

إن أعظم أسباب الجرح ترجع إلى أمرين: العدالة والضبط، والعدالة تعني الاستقامة، أي السلامة من الكذب، والفسق، والبدعة، فالبدعة أحد وجوه الطعن، ولم نر مروان رمي ببدعة، ولكنه اتهم بفسق، وفيما يلي أمور من ترجمته في سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي طعن من أجلها:

كان كاتب ابن عمه عثمان، وإليه الخاتم، فخانه، وأجلبوا بسببه على عثمان، ثم نجا هو، وسار مع طلحة والزبير للطلب بدم عثمان، فقتل طلحة يوم الجمل، ونجا - لا نجي - ثم ولي المدينة غير مرة لمعاوية.

فاتهم بالخيانة، وقتله طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشر لهم بالجنة، ومما يزيده طعنا سبه عليا رضي الله عنه، روى ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: كان مروان أميرا علينا، فكان يسب رجلا كل جمعة، ثم عزل بسعيد بن العاص، وكان سعيد لا يسبه، ثم أعيد مروان، فكان يسب، فقيل للحسن: ألا تسمع ما يقول؟ فجعل لا يرد شيئا.

لماذا أخرج له البخاري؟

قلت: لم يعثر الحفاظ على كذب من مروان في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا على خطئه فيه، وإن سلامته من الكذب والخطأ هي التي حملت الإمام البخاري على إخراج حديثه، وورد في فضل مروان ما يبرر موقف البخاري منه: قال الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء: قال الشافعي: لما انهزموا يوم الجمل، سأل علي عن مروان، وقال: يعطفني عليه رحم ماسة، وهو مع ذلك سيد من شباب قريش. وقال قبيصة بن جابر: قلت لمعاوية: من ترى للأمر بعدك؟ فسمى رجالا، ثم قال: وأما القارئ الفقيه الشديد في حدود الله، مروان. وقال أحمد بن حنبل: كان مروان يتتبع قضاء عمر.

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب: "وقول عروة بن الزبير: كان مروان لا يتهم في الحديث"، هو في رواية ذكرها البخاري في قصة نقلها عن مروان عن عثمان في فضل الزبير".

وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: وليس مروان أولى بالفتنة والشر من محمد بن أبي بكر ولا هو أشهر بالعلم والدين منه، بل أخرج أهل الصحاح عدة أحاديث عن مروان وله قول مع أهل الفتيا واختلف في صحبته. (منهاج السنة 6/245). وقال عن رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم: "فلا يمكن الجزم بنفي رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم". (المنهاج6/ 246).

وقال الحافظ ابن حجر في هدي الساري ص 618-619: مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عم عثمان بن عفان يقال له رؤية، فإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه، وقال عروة بن الزبير: كان مروان لا يتهم في الحديث، وقد روى عنه سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادا على صدقه، وإنما نقموا عليه أنه رمى طلحة يوم الجمل بسهم فقتله ثم شهر السيف في طلب الخلافة حتى جرى ما جرى، فأما قتل طلحة فكان متأولا فيه كما قرره الاسماعيلي وغيره، وأما ما بعد ذلك فإنما حمل عنه سهل بن سعد وعروة وعلي بن الحسين وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وهؤلاء أخرج البخاري أحاديثهم عنه في صحيحه لما كان أميرا عندهم بالمدينة قبل أن يبدو منه في الخلاف على ابن الزبير ما بدا والله أعلم، وقد اعتمد حتى مالك على حديثه ورأيه والباقون سوى مسلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين