لماذا المولد(3) من حقوق المصطفى ـ محبته

فما هي المحبة؟ وما علاماتها؟

المحبة هي: الميل إلى ما يوافق الإنسان، من الناحية الحسية كجمال الصورة، أو حسن الصوت، أو ما شابه ذلك مما يوافق الطبع السليم، ويميل إليه، أو من الناحية المعنوية العقلية، كحب العلم والعلماء والصالحين، وأهل المعروف، وأصحاب السير الجميلة، والأفعال الحسنة، فإن طبع الإنسان يميل إلى حب أمثال هؤلاء، أو يكون هذا الحب والميل لأهل الإحسان والفضل والإنعام، فيكون الحب نتيجة إحسانهم وفضلهم، فقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها.

فإذا كان الإنسان يحب لكرمه أو لشجاعته أو لحلمه أو لعلمه أو لتواضعه أو لتعبده وتقواه أو لزهده وورعه أو لكمال عقله أو وفور فهمه أو جمال أدبه أو حسن خلقه أو فصاحة لسانه أو حسن معاشرته أو كثرة بره وخيره أو لشفقته ورحمته أو نحو ذلك من صفات الكمال، فكيف إذا اجتمعت كل هذه الصفات في رجل واحد وتحققت كل أوصاف الكمال ومحاسن الجمال على أكمل وجوهها، وهو السيد الأكرم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام

ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم دليل إيمان المؤمن، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه مِن والِده ووَلَده، والناسِ أجمعين)

ولا يشعر المرء بهذا الإيمان ويجد حلاوته في قلبه حتى يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما، كما روى سيدنا أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار)

فاذا تحققت هذه المحبة في قلب المسلم، ووجد حلاوتها في قلبه، وذاق طعمها بلسانه تمكن الإيمان في نفسه ووجدانه، فأحب الطاعة، وتحمل المشاق في رضا الله ورسوله.

روي عن أنس - رضي الله عنه - أن رجلا قال: (يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: ويلك! وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله. قال: أنت مع من أحببت، قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم بها).

وفي رواية أن سيدنا أنس قال بعدها: فأنا أحب رسول الله، وأبا بكر، وعمر، وأرجو أن أحشر معهم.

والمحبة الصادقة لها علامات، يعرف بها المحب من المدعي.

ومن هذه العلامات:

1ـ طاعة المحبوب فما أكذب من يدعي حب الله ورسوله، ثم تراه يعصي الله، ولا يأتمر بأمر رسوله، ولا يلتزم بسنته فيصدق عليه قول الشاعر

تعصي الإله وأنت تزعم حبه=هذا لعمري في الفعال بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته=إن المحب لمن يحب مطيع

2 ـ ومن علامات المحبة الصادقة للنبي صلى الله عليه وسلم الاقتداء به وإحياء سنته. والحرص على التمسّك بهديه، ونصرة دينه والدفاع عن الشريعة المقدَّسة، وتحمٌّل الأذى في سبيله، والتخلّق بأخلاقه والتأدّب بآدابه في أحواله وأقواله وأفعاله (قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعـوني يحببكم الله).

3ـ ومن علامات محبته: النصيحة له؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ). والنصيحة لرسوله صلّى الله عليه وسلّم: التصديق بنبوته، وطاعته فيما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، وإحياء سنته والعمل بها وتعلمها، وتعليمها والدفاع عنها، ونشرها،

4ـ ومن علامات محبته، كثرة ذكره والصلاة عليه، صلى الله عليه وسلم، وذلك استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى القائل:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وتعبيراً صريحاً عن حبنا له، وطمعاً في رضى الله سبحانه، ونيل الأجر والثواب الجزيل منه، ولو لم يرد في فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا هذا الحديث لكفى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: [مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ]. وقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: [مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ] رواه الترمذي وأحمد.

نرجو الله سبحانه أن يحققنا بالمحبة الصادقة لحبيبه ونيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين