من خصائص النبي ﷺ

عن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال [ أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، فأيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي المَغَانِمُ ولَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً].

خصائص النبي ﷺ التى اختص بها عن الأنبياء عليهم السلام كثيرة، ذكر أبو سعد النيسابوري في كتاب شرف المصطفى أنها بلغت ستين في العدد، وقد أفردت بالتأليف وهذا الحديث الذي نتكلم عنه الآن أفصح عن خمس من تلك الخصائص.

-إحــداهـمـــا: نصره بالرعب، يلقى في قلوب أعدائه من مسيرة شهر، وإنما جعل الغاية شهراً لأنه لم يكن بين بلده وبين أعدائه أكثر من ذلك، وهذه الخصوصية حاصلة له ولو كان وحده من غير جيش.

-ثــانـيــهـــا:جعل الأرض مسجداً وطهوراً، ومعنى كون الأرض مسجداً أنها مكان السجود لا يختص بالسجود موضع دون موضع، ولهذا قالﷺ [ فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فيصل].

إلا إذا كان المكان متنجساً فلا يصلي فيه، أما الأمم السابقة فلم تبح الصلاة لهم إلا في أمكنة مخصوصة كالبيع والصوامع هكذا قال الخطابي.. ويؤيده ماجاء في حديث آخر ولفظه:[ كان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم].

ومعنى كون الأرض طهوراً:أن الإنسان إذا لم يجد الماء أو وجده ومنع من استعماله مانع من مرض ونحوه، تيمم وصلى، وهل يصح التيمم بكل ما في الأرض كحجر وتراب ورخام لم تدخله صنعة ونحو ذلك أو إنما يصح التيمم بالتراب فقط؟

رأيان للعلماء: ذهب المالكية إلى الأول، وذهب الشافعية إلى الثاني، والتيمم على كلا الرأيين من خصوصيات هذه الأمة لم يشرع لغيرها من الأمم.

-ثــالـثـتــهـا: إحلال الغنائم وهي ما يغنم في الجهاد من الكفار. قال تعالى:{ فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا} أما الأمم السابقة فكانوا على ضربين: منهم من لم يؤذن له في الجهاد أصلاً فلم تكن لهم غنائم، ومنهم من أذن له في الجهاد لكن لم يحل لهم أكل الغنيمة ولا التصرف فيها بل كانوا يجمعون ما غنموه فتأتي نار تلتهمه.

- رابـعــتـهـــا: الشفاعة والمراد بها الشفاعة العظمى في إراحه الناس من هول الموقف ولا خلاف في وقوعها، كذا جزم به النووي وغيره.. وقال البيهقي:لا يحتمل أن الشفاعة التي يختص بها أنه يشفع لأهل الصغائر والكبائر وإنما يشفع لأهل الصغائر دون الكبائر، وقيل: الشفاعة التي اختص بها أنه لا يرد فيما يسأل، وورد في حديث آخر: [ وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي فهي لمن لا يشرك بالله شيئاً]..

وفي رواية أخرى: [ فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله ].

وثبت في حديث صحيح:[ شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ].

والمقصود:أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أعطي شفاعات، لكن المراد عند الإطلاق هي الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود الذي وعده الله إياه بقوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا }.

- خــامـســتـها: إرساله إلى الناس عامة بخلاف من قبله من الأنبياء فإنهم كانوا يبعثون إلى قومهم خاصة كما نطق القرآن العظيم، وهذا أمر واضح لا خفاء فيه غير أن بعض العلماء استشكل ذلك بأن نوحاً عليه السلام كانت بعثته بعد الطوفان عامة لأهل الأرض بدليل ما جاء في الحديث أن أهل الموقف حين يذهبون إلى نوح في طلب الشفاعة يقولون له:[أنت أول رسول إلى أهل الأرض ].

والجواب: أن بعثة نوح كانت خاصة كما قال تعالى:{ إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه}.

وأما بعد الطوفان فإن الله أهلك الكفار جميعاً ولم يبق إلا المؤمنين الذين كان نوح مرسلاً إليهم فاتفق عموم بعثته بسبب هذا الحادث، وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس.

بخلاف نبينا صلى الله عليه واله وسلم فإن بعثته كانت عامة من أصلها لا بسبب حادث من الحوادث فثبتت خصوصيته بذلك صلى الله عليه وآله وسلم وعلى إخوانه النبين والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.

#ربيع_الأنوار_ربيع_المحبين

(١) المجلة الرابطة الإسلامية السنة الثانية العدد (١٩) ٢٦ ربيع الأول ١٣٦٥..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين