ولماذا المولد؟

إن الاحتفال بذكرى المولد الشريف والحديث عن الحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وصفاته الحميدة وشمائله المجيدة يثير في النفس مشاعر البهجة والفرح، ويذكرنا بفضل الله تعالى على هذه الأمة خاصة، وعلى العالم عامة، ببعثه هذا النبي الكريم العظيم، رحمة للعالمين، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )، وقد أكد المولى سبحانه وتعالى أنه أرسل رسوله سيدنا محمداً عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين، وذلك بقوله جلّ جلاله (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )، فلم لا تحتفل المسلم يفرح ويعتزّ المؤمن، وهو يقرأ سيرة هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم.

ونحن عندما نحتفل بمولده ونقرأ سيرته العطرة، ونتعرف على شمائله الحميد، وخصاله المجيدة، نكون قد قمنا بواجب أمرنا الله سبحانه وتعالى به في كتابه، وهو التعرف على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وذلك بقوله تعالى: (أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون).

والتعرف على سيرة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، يؤدي إلى الإيمان به، والإيمان به يتطلب منا التعرف على فضله ورفعة قدره، للاقتداء به واتباع منهجه في كل مناحي الحياة وتفاصيلها الدقيقة.

إن معظم المسلمين اليوم لا يعرفون عن السيرة النبوية إلا قشوراً خفيفة، لا تحرك القلوب، ولا تستثير الهمم، ولا تدفع للاقتداء به، والعمل بشريعته، والسير على نهجه القويم، وهم يعظمون النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته عن تقليد موروث، ومعرفة قليلة، ويكتفون من هذا التعظيم بسماع الأناشيد

وهمّ بعضهم أن يعدّ حبات مسبحته مردداً اسمه والصلاة عليه، دون حضور أو استحضار لعظمته صلى الله عليه وسلم، وفضله على الناس أجمعين

وقد يعبر بعضهم عن حبه للنبي صلى الله عليه وسلم بحضور مجالس الموالد أو بسماع قصائد السيرة والمديح، يتغنى بها المنشدون بأصواتهم العذبة وآهاتهم الحزينة

إن معرفة النبي صلى الله عليه وسلم وحبه ومديحه بهذه الصورة المنفصلة عن الحياة، المنفصلة عن السلوك، البعيدة عن الاقتداء والأخذ بالمنهج الذي اختطه عليه الصلاة والسلام، لهي من أكبر الظلم لهذه السيرة العطرة، المفعمة بالحياة والعمل والجهاد والدعوة إلى الله سبحانه

ومن أكبر العقوق لصاحب هذه السيرة أن نجعل مجالس قراءة السيرة النبوية كمجالس السمر وسماع قصص الغاية منها التسلية وازجاء الوقت، السيرة النبوية ليست قصة تتلى في يوم الميلاد ولا قصائد مديح يتغنى بها الشعراء والمنشدون

السيرة النبوية أيها الأحباب مصدر عظيم من مصادر الشريعة بعد القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف

وعلاقة المسلم بسيرة حبيبه ونبيه ورسوله، يجب أن تكون أعظم وأقوى وأنبل من هذه العلاقة العاطفية التي تقف عند التأثر الحالي بما ينشد المنشدون، فيخشع القلب وتدمع العين، ثم إذا ما خرج من المجلس لم يبق منه في السلوك والأعمال شيء

إن المسلم الحق هو ذلك الرجل الذي يعيش الرسول صلى الله عليه وسلم في أعماق وجدانه وفي جميع تصرفاته واعماله،

إن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة سيرته العطرة يجب أن تدفعنا للتعرف على شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، وفهمها فهماً حقيقياً، تجعلنا نعرف: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنساناً عادياً، مفكراً وحكيما، أم كان نبيا مرسلاً بالرحمة للناس أجمعين.

إنّ قراءتنا لسيرته العطرة تضعنا أمام المثل الأعلى لكل الفضائل والكمالات، وفي كل حال من الأحوال

إنّ دراستنا لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، تنير لنا الطريق لفهم كتاب الله سبحانه، وتيسر لنا تطبيق أحكامه والعمل به وتفتح لنا أفاقاً واسعة من العلم والمعرفة، تجعلنا نحصل على ثقافة عامة واسعة في شتى مجالات المعرفة

إنّ معرفتنا بسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم تجعلنا نحبه، ذلك الحب الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى به، حباً يفوق حبنا لآبائنا وأبنائنا وإخواننا وأزواجنا وعشيرتنا وأموالنا وتجارتنا والناس أجمعين، (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ. إنّ اطلاعنا على سيرة نبينا ورسولنا وقائدنا ومعلمنا تجعلنا نتعرف على أسلوبه صلى الله عليه وسلم ومنهجه في الدعوة الى الله، فنقتدي به وندعو إلى الله على بصيرة

وإلى لقاء آخر

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين