ذات فَجْأة

سترى وجوهًا جديدةً لم تألفْها، ستدهَمُك دون استئذان، لن تراعيَ خصوصيَّتَك، ولن تأبَهَ بما تفعل، سواءٌ كنتَ في أخصِّ شؤونِك، أم كنتَ في نشاطٍ جماهيري، لن تُنظِرَك حتى تستفسر، ولن تُيتحَ لك فرصةَ الاعتراضِ أو التذمُّر، ستباشرُ عملَها وكأن الأمرَ لا يعنيك، ستستلُّ منك أعظمَ ما تملك، وأغلى ما بحوزَتِك، ستستردُّ منك الوديعةَ محفوظةً أو مُضيَّعة، تلك الوديعةُ التي جُعِلتَ بها إنسانًا، وكم من ودائعَ رعاها أصحابُها وثمَّروها، وأخرى فرَّطوا بها وضيَّعوها!

ستكون بين الحيرةِ والخوف، أو بين الاطمئنانِ والسَّكينة؛ حالان لا ثالثَ لهما، وأنتَ من يحدِّدُ حالَك، بسيرتِك ومسيرتِك من صرخةِ استهلالِ الولادة، إلى لحظةِ الفَجْأة تلك.

ستدورُ عيناك، وستعلمُ ضعفَ نفسِك وعجزَها، وسترى أسى من حولَك ويأسَهم، ستُدرك في تلك الفَجْأة غُرورَ الدنيا، وستظهرُ منك الحقائقُ غيرَ مزوَّرةٍ أو مُجمَّلة، لن تقدِرَ على المُراوغةِ والتَّصَنُّع، وليس ثمَّةَ إلا الحقيقة، تلك الحقيقةُ التي نسجتَ خيوطَها، وفتلتَ حبالَها، وبرمتَ أسبابَها طُوال حياتِك، سيفجَؤُك ما يظهرُ منك، وأنتَ في أعجزِ حالاتِك، لا يدَ لكَ فيما يظهرُ منك، مسلوبُ الإرادةِ بلا حَولٍ أو طَول، والحقائقُ تَحِق، والسُّتورُ عن القلبِ تُشَق.

إنها النُّقلة إلى بيتٍ ليس مما أَلِفْتَ من البيوت، محمولًا في صندوقٍ ما كنتَ ترضى أن تَحمِلَ بمثلِه رخيصَ متاعِك، ستُمنَح من هذا الكونِ الفسيحِ حيِّزًا بمقدارِ قامتِك، وِطاؤكَ مما خُلِقت، وغِطاؤكَ مما خُلِقت، سيغمُرُك أصلُ عُنصُرِك، ذاك الأصلُ الذي تنكَّرتَ له، وتغافلتَ عنه، غرَّك يا مغرورُ جمالُ صورتِك الظاهر، وانشغلتَ عن حقيقةِ أصلِك بتحسينِ المظاهر، ستبقى منذ اللحظةِ مطمورًا بأصلِك حتى اليومِ الآخِر.

إنَّه لفَزَع مُفزِع؛ إذ يُهالُ عليك التراب، ويُرتَجُ بالحصى الباب، فلا أوبةَ ولا رجوع، وطريقُك ذو اتجاهٍ واحد.

في ذاك الضِّيقِ وتلك العَتَمةِ ستمكُثُ طويلًا طويلًا، بلا مؤنسٍ أو سمير، ليس ثمَّةَ إلا الأعمال؛ تكون قناديلَ خيرٍ ونور، أو سياطَ عذابٍ وشرور، والكلُّ الكلُّ؛ من أقربِ قريبٍ إلى أبعدِ بعيدٍ في شُغُلٍ عنك.

مثِّل لنفسِك تلك الفَجْأة، تأمَّلها وما بعدَها من فَجَآت، فما زلتَ في فُسحةِ العمل، وإنها لا محالةَ فاجِئَتُك، فلا تجعلَنَّها فاجِعَتَك.

اللهم حسن الختام!

اللهم حسن الختام!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين