فيتامين

من الصعب جدًا في هذه الأيام الثقال، أن نرسم ابتسامة على وجوه الناس. إنها مهنة شاقة، تحتاج إلى مقومات غير عادية؛ فتقطّب الجبين، وعبوس الوجه، وتوتر الأعصاب، بات سمة الأكثرين، وهُم، في الحقيقة، معذورون..

فمهمة إدخال السرور على قلوب من حولنا، بالإضافة إلى ما تزيده في ميزان أعمالنا من الحسنات والأجور، صارت ضرورة حياتية، للمحافظة على الراحة النفسية.

نعم، لقد صار لزامًا علينا أن نتعلّم كيف نروّح عن النفس همومها، ونجلّي عنها غمومها، ونُزيل غشاوتها، ونُذهب انكماشتها. ولا بد أن نتعلّم كيف نلطّف المجالس المشحونة، فتنشرح النفوس بعد القَتَرة، وتقوى العزائم بعد الفترة.

فيتامين مصنّف على أنه "معلوم من الحياة بالضرورة"..

"فيتامين دعابة"، عنصر مهم من عناصر فيتامين الروح والقلب "فيتامين دال".

دعابة واحدة، وضحكة من القلب صاعدة، لها كل ما سأذكره لكم من التأثيرات، وبدعم علمي من الأبحاث والدراسات:

- تقلّل الضغط النفسي

- تخفّف ضغط الدم

- تحسّن المزاج

- تطوّر عمل الدماغ

- تحمي القلب من الجلطات

- تعزّز التفاعل بين الأشخاص، وتبثّ الشعور بالراحة الفورية

- تجعل الإنسان أكثر تكيّفًا وتوازنًا أمام الظروف الصعبة.

الدعابة، الفكاهة، المزاح، والطرفة، كلّها نشاطات لفظية، لها دور مهم على المستوى النفسي والعقلي والاجتماعي في حياتنا. ولا بد لنا من محطة ابتسام، تذهب عن القلوب الآلام، عملاً بحديث نبيّنا عليه أفضل الصلاة والسلام: "روّحوا القلوب ساعة وساعة، فإن القلوب إذا كلّت عَميت"، وانطلاقاً من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وهديه في افتعال الدعابة، والملاطفة، ورسم البسمة على الوجوه، مع أهله وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.

عرّفها أخصائيون بأنها: "أنضج ردّ فعل من الإنسان على المواقف التي تزعجه"، وهي تنفيس معقول، وتفريغ مقبول، عن انفعالات لمسائل قد يصعب حلّها. فبالدعابة يعبّر الناس عن واقع سلبي يعيشونه، ويختزلون، بالضحك عليه، أسًى كبيرًا، وغصة مؤلمة، ترجمت بابتسامة، للتخفيف من وقعها.

مشكلات تحوم حولنا في كل جانب، نستطيع أن نعبّر عنها بروح دعابة، نضحك على أنفسنا، ولصالحنا أن نضحك، بانتظار اليُسر بعد العسر، والفرج بعد الضيق، والفرح بعد الحزن.

"فيتامين دعابة": لطرد الهموم، ومقاومة الملل، وإشاعة السرور، ونشر البهجة، وتعميم الفرحة، والتعبير بنضج ورفق، عن واقع أقل ما يقال فيه بأنه: مأساوي. وبما أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يضحك، وبما أن الضحك هو استعداد فطري لإعطاء نكهة ممتعة للحياة، فجرّبوا دوماً صانعة المسرّات، واحصدوا الابتسامات، وترنّموا على صوت الضحكات..

"الدعابة" فن تعبيري إبداعي، يختصر المعاني والمقاصد، بجمالية وتجمع بسلالسة بين التوصيف والترفيه. وقد ورد عن سيدنا عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، قوله: "اجمعوا القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكم".

وعن الحسن البصري رحمه الله، قوله: "روّحوا القلوب، تعي الذكر"، أي أن القلوب إذا ارتاحت وترفّهت، فهمت ووعيت.

وعَرّف أحد الصالحين الدعابة بأنها من حسن الخلق، لإدخالها السرور على الآخرين، وشبهها بعضهم بالشرارة، التي تنطلق من مفتاح السيارة، لإدارة المحرك، وتوليد الطاقة.

إن مشكلات الحياة تودي بنا إلى التوتر، والتوتر يفضي بنا إلى ردّات فعل عنيفة، وغير متوازنة، إن لم يتم التنفيس عنها بالدعابة والمرح والنكتة.

فمن الجدية بمكان، أن نعرف دور الفكاهة في الحياة الموزونة، ومن الهزل بمكان، أن نغفلها، ونحاول إقامة الحياة بدونها.

وقد ثبت علميًا أن الدعابة تؤثر إيجابيًا على الصحة النفسية والجسدية، فهي تنقل الشعور بالراحة، والسعادة الفورية، وتعزز موضوع القبول لدى الآخرين، وتقوي الروابط الاجتماعية، ومشاعر الانتماء، وتحسّن التفاعل الإيجابي، والعمل بروح الفريق، وتساعد على التركيز، وتنمي المهارات الذهنية.

لذلك عمدت إحدى شركات الكومبيوتر الكبرى في العالم، إلى تأسيس (دوريات عُبُوس)، مهمتها التجوّل بين الموظفين، بحثًا عن أي موظفٍ متجهم أو حزين، فإذا ضُبط أحدهم متلبسًا، يقوم رجال الدورية بالتسرية عنه، ومحاولة إضحاكه، بالشدّ على وجهه، واللعب بشعره، كما يفعل الصّغار..

ومن الفكاهة أن متخصصًا في الإدارة، أعدّ بحثًا غنيًا، بعنوان: "دور النكات في الإدارة: رؤية جديدة"، ننصح به مدراءنا ومسؤولينا ورعاتنا.. حفظنا الخ وإياهم من النكد.

ولأجل أن تبتسموا أيضًا، اقترح أحد الكتاب المعاصرين بأن تُفتتح المؤتمرات الدولية بعرض فكاهي قصير، لأنه قادر على إيقاظ الإحساس في صدور المشاركين، ويهيئ المناخ لمعالجة معقولة وسارّة، للمشكلات المعقدة.

بعد كل ذلك، ألا يلزمنا أن نضمّن مجالسنا الأسرية، ولقاءاتنا الأخوية، واجتماعاتنا الدعوية، أو الإدارية، دعابة لطيفة، ومزحة ظريفة، نطهّر بها نفوسنا، ونمنحها المزاج الهادئ، والفكر الواضح، والفهم السليم، والنظرة المستنيرة للحياة؟!

على أن لا تحتوي حبة الدعابة على سخرية، ولا استهزاء، ولا انتقاص ولا فحش، لتبقى صافية نقية: تزيل التوتر، وتنعش القلب، وتبهج النفس، وتسرّ الروح..

تلك كانت وصفة الدعابة، فهل للدموع أيضاً، دور فعّال في تحسين الأحوال؟

تابعوني في المقالة القادمة من هذه السلسلة اللطيفة، لنجيب عن هذا السؤال، بإذن الله..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين