الموجز في التاريخ:الفتوحات الإسلامية زمن الصديق رضي الله عنه: فتوحات العراق

ما إن انتهى الصديق رضي الله عنه من حروب الردة؛ حتى وجَّه جيشين لفتح العراق، جيشًا بقيادة خالد بن الوليد، وأمره أن يأتي العراق من جنوبها، وجيشًا بقيادة عياض بن غنم رضي الله عنهم، وأمره أن يبدأ بشمال العراق وشرقه، حتى يلقى خالدًا رضي الله عنهم، وكان المثنى بن حارثة رضي الله عنه قد أشار على الصديق رضي الله عنه بقتال الفرس، وطلب منه أن يجعله على قومه؛ ففعل أبو بكر، وشرع المثنى بعدها في قتال الفرس، ولما بعث الصديق خالدًا إلى العراق؛ أرسل إلى المثنى أن يستقبل خالدًا بمن معه، ولا يعصي له أمرًا ما أقام عنده، فإن شخص عنه؛ فالمثنى على ما كان عليه، فانقاد المثنى لأمر أبي بكر، وكان خير عون لخالد في العراق، رضي الله عنهم عنهم أجمعين (1).

أبلى المسلمون في العراق بلاءً حسنًا، وكانت أولى معاركهم فيه: معركة ذات السلاسل، التي قَتل فيها خالدُ بن الوليد هرمزَ، قائد جيش الفرس، وقتل فيها القعقاعُ الحاميةَ التي خرجت لقتل خالد عندما برز لمنازلة هرمز، وغنم المسلمون فيها غنائم كبيرة، ثم تلتها معركة المذار، ثم كانت معركة الولجة، قتل فيها خالدٌ رجلًا من الفرس يَعدُّونه عندهم بألف رجل، ولما قتله خالدٌ اتكأ عليه، ودعا بغدائه؛ إذلالًا للفرس، وتحطيمًا لكبريائهم، وكسرًا لجبروتهم، واستخفافًا بهم، ثم تلتها معركة أُلَّيْس، وكانت أخبار هذه الانتصارات ترد الصديقَ تباعًا، فكان يجمع الناس ويخبرهم بها، حتى إذا ما جاءه خبر فتح أمغيشيا (2)؛ قال لقريش: عدا أسدُكم على الأسد فغلبه على خراذيله، أعجزت النساء أن ينسلنَ مثل خالد(3).

ثم فتح خالد بعد ذلك الحيرة، ودفع أهلُها الجزية للمسلمين، فجعلها خالد قاعدة له، وأقام عليها القعقاع بن عمرو التميمي أميرًا، ثم كان بعدها فتح الأنبار، ثم معركة عين التمر، ثم كان فتح دومة الجندل، وفيها التقى خالدٌ بعياض بن غنم وجيشه، ثم كانت وقعة الحُصيد، ثم وقعة الـمُصيَّخ، ثم كانت الوقعة العظيمة، وقعة الفِراض، على تخوم العراق والشام، والجزيرة الفراتية شمالًا، اجتمع فيها الفرس والروم، وقبائل تغلب وإياد وغيرهم؛ فهزمهم المسلمون هزيمة نكراء، وكانت هذه المعركة من المعارك التاريخية الفاصلة، وإن لم تنل من الشهرة ما نالته المعارك الكبرى، فقد حطمت معنويات الكفار، من الفرس والروم والعرب(4)، وكانت هذه المعركة خاتمةَ معارك خالد في العراق، لينتقل بعدها إلى الشام، ويخوض معركة اليرموك.

يقول القعقاع بن عمرو التميمي في معركة الفِراض:

لقـــــــينا بالفِـــــــــــــراض جموعَ رومٍ =وفرسٍ غمَّها طولُ السَّلام

أبدْنا جمعَهم لـمَّا التقينــــــــــــــــــــــا=وبيَّتنــــــــــــــا بجمـــــــــــــــعِ بني رزام

فما فتئت جنودُ السلم حتى=رأينا القـــــــــــوم كالغنم السَّوام (5)

الهوامش:

(1) الطبري، تاريخ الطبري، مصدر سابق، 3/344.

(2) وهي موضع كان بالعراق، وكانت فيه وقعة بين المسلمين، وأميرهم خالد بن الوليد، وبين الفرس، فلما ملكها المسلمون أمر خالد بهدمها، وكانت مصرا كالحيرة، وكان فرات بادقلى ينتهي إليها، وكانت ألّيس من مسالحها، الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان (بيروت: دار صادر، ط 2، ت:1995) ص: 1/254.

(3) ينظر: الحميري، الاكتفاء، مصدر سابق، 2/382.

(4) ينظر: الطبري، تاريخ الطبري، مصدر سابق، 3/383.

(5) رضا، محمد رضا، أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين، تحقيق: خليل شيحا (دار الكتاب العربي، د. ط، 1424/2004) 1/77.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين