فرنسا وتعاملها مع الخونة الفرنسيين

في الحرب العالمية الثانية، انهار الجيش الفرنسي أمام الجيش الألماني الغازي عام 1940، ولم يصمد سوى ست أسابيع فقط قبل احتلال الجيش الألماني لباريس، واستمر حتى عام 1944.

خلال أكثر من أربع سنوات استمر فيها احتلال ألمانيا لفرنسا، تم تنصيب حكومة فرنسية موالية ومتعاونة مع الألمان برئاسة الماريشال الفرنسي "فيليب بيتان".

خلال تلك السنوات الأربع، كانت حكومة "بيتان" الفرنسية تطارد المقاومين الفرنسيين وتنفذ سياسة الألمان المنتصرين.

لم يكن هذا تصرف الحكومة فقط، ولكن قسم من الشعب الفرنسي عاش حياته بشكل طبيعي جدا، وتعاون مع المحتل الألماني، ومعرض الصور في مكتبة تاريخ باريس، والذي يصور حال المدينة أثناء الاحتلال النازي، يظهر فيه أهل فرنسا في حال استمتاع بحياتهم تماما، واختلاط بحميمية مع الجنود الألمان، ويتسوقون معهم في الأسواق، ونساء فرنسيات بلباس البحر يلهون ويلعبون مع الجنود الألمان في المسابح.

وفي عام 1943 تم إحصاء بيع 310 مليون تذكرة سينما، لشعب يبلغ تعداده وقتها 41 مليون نسمة، حيث كانت السينما مكانا مفضلا للعلاقات الحميمية التي انتشرت بين النساء الفرنسيات والجنود الألمان.

فماذا فعل الفرنسيون بعد استردادهم لباريس بمعاونة الحلفاء.؟

اعتبروا حكومة "بيتان" وكل أعضائها والمتعاونين معها، وكل النساء اللائي أقمن علاقات مع الجنود الألمان، وكل فرنسي تعاون مع الجيش النازي، اعتبروهم جميعا من الخونة.

تم الحكم بالإعدام على الماريشال "بيتان"، وقام "ديجول" بتخفيف الحكم للسجن مدى الحياة، ثم مات في محبسه، وتم إعدام 10500 فرنسي بمحاكمات صورية أو بدون محاكمات، هذا بخلاف من تم سحلهم في الشوارع وسط مواكب المصفقين، ومن بادروا بالانتحار قبل الوصول إليهم.

أما النساء المتهمات بالتعاون مع الألمان، فقد تم معاقبة عشرين ألف امرأة بتهمة التعاون مع الألمان، وأقيمت مواكب الإهانة والتجريس في شوارع باريس، حيث تم حلق شعورهن بالموس، وسوقهن حفاة نصف عراة في الشوارع، ليقوم الجمهور بالبصق على وجوههن وضربهن وسحلهن.

اجتهدت فرنسا من خلال الدراما والسينما والإعلام وكتب التاريخ، في تصدير صورة المجتمع الفرنسي المقاوم والرافض للاحتلال الإلماني، وبذل كل الجهد لإخفاء الصورة الحقيقية للمجتمع الفرنسي أثناء الاحتلال.

وهذا حقهم في محاولة المحافظة على صورتهم، بعكس المجتمعات المنهزمة نفسيا والتي يبحث كُتَّابها عن أسوأ فترات تاريخهم ونشره لتأصيل احتقار الذات.

ومن الطبيعي أن يتواجد في كل تجمع بشري خونة وعملاء، وأثناء الاحتلال والحروب تتعرض الشعوب المحتلة لضغوط معيشية كبيرة، وبطبيعتهم البشرية يتفاوتون في تحمل هذه الضغوط، وما حدث في فرنسا له أشباه ونظائر في أوروبا ودول العالم.

كل هذا مفهوم.

ولكن ما لا يمكن فهمه؛

أن تقوم فرنسا وأوروبا بارتداء ثوب الحكمة، ووشاح العدالة، وإلقاء دروس الأستاذية في الأخلاق والسلوك، وترويج صورة الهروب الكبير للشعب الأفغاني من الحكم المنتظر لطالبان، وترويج تلك الصورة الإعلامية على أنها سابقة في تاريخ الشعوب، برغم أنها مجرد صفحة مصغرة من كتاب تاريخ فرنسا وأوروبا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين