فيتامين

أعزائي، ضعوا جانبًا كل الوسائط التواصلية التي لا تصبّحنا وتمسّينا إلا بأخبار القتل والتنكيل والازدراء والتمييز على يد الآخرين، وتعالوا نتحدث عن موتٍ رحيم، نمارسه بأيدينا على أنفسنا، من حيث لا نعلم!

وإذا كان القتلى الذين نتابع تزايد أعدادهم، قد ماتوا ببرميل متفجر، أوسيارة مفخخة، أو بسبب فساد من يتحكم برقابهم، فإن قتلانا قد أجهزت عليهم آلات، هي أبسط صناعة، لكنها أعظم جريمة!

أن يردّد أب على مسمع ابنه بأنه فاشل، فأي أحلام يغتالها؟!

وأن يكرّر مدير فوق رأس موظفه، بأنه عالة على المؤسسة، فأي عزيمة يقتلها؟!

وأن يُصرّ مسؤول على عامله، بأنه قليل الخبرة، ومعدوم الأمل من نجاحه، فأي رغبةٍ وهمّة يذبحها؟

اختلفت الظروف، وتعدّد المجرمون، لكن المقتول واحد: "الدافعية"، شهيدة الكلمة السلبية!.

"الدافعية" أو التحفيز، هي فيتامينُنا الذي نحتاج أن نشرب جرعات مكثفة منه، كي يعود إلى شراييننا الحماسة، وتنبض عروقنا بالطاقة، وتغلي بالاندفاعية دماؤنا، وتتأجج فيها الرغبة في الإنجاز..

يقول أحد علماء النفس: "من أعمق الصفات الإنسانية لدى الإنسان، حرصه الدائم أن يكون مقدّرًا خير تقدير من قِبل الآخرين"، فلماذا لا نرى اليوم إلاّ مصادرة فاضحة لهذه الصفة، وخللًا واضحًا في التقدير، وضعفاً مؤذياً في بث الدافع في النفوس؟!

إنه ليس من المنطق أن نبرّر كلّ فشل بعدم وجود القدرة على النجاح، فالواقع ينبّهنا إلى أن استباق الفشل، بانطباعات وتقديرات متدنية وسلبية، هي السبب الأول لنتائج غير مرضية.

وقد اتفق علماء النفس، على أننا كلُّنا نملك مصادر لا يمكن حصرها، ولو استطعنا أن نأخذ صورة أشعة روحية لأنفسنا، سنجد طاقات وإمكانات هائلة، لكنها كامنة وخاملة، وسنذهل عندما نرى الصورة الشاملة، كم هي كاملة..

سنظهر في تلك الصورة كجبلٍ شامخ من القدرات، لكن ثلثي هذا الجبل مغمور تحت سطح الكلمات، والظاهر منه أقل من الثلث!!.

"الدافعية" هي مجموعة من القوى الداخلية، تنشط بالتحفيز، وتتحرك من أجل تحقيق طموحاتنا، وتدفعنا لنتوازن عندما يختلّ كل شيء حولنا.

"الدافعية" هي عملية تحفيز نفسية، لها علاقة مباشرة بالروح لا بالجسد، ألا ترون إلى ذوي الضعف البدني، كيف أصبحوا قامات، ومضرب مثل في صناعة النجاح؟! ما مبرّر نجاحهم؟ ما سببُ تميّزهم وإنجازهم؟! إن لم تكن الدافعية والتحفيز والتشجيع، فماذا يكون إذًا؟!

إنها الدوافع، هي كل قولٍ، أو إشارة، أو انطباع، أو فعل، يدفع الإنسان إلى سلوك أفضل، أو يشجعه على الاستمرار فيه، ووظيفتها أن تحرّك، وتنشّط، وتوجّه، وتحافظ على الفعل الأصوب والأحسن.

إنه منهج ربانّي، ورد ذكره في كتاب الله، ليدفع الناس إلى الخير والعمل، ويحذّرهم من الشر والكسل: كقوله تعالى ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾ [النحل]، هو تصوير الثواب للعاملين، وشحنهم عاطفيًا نحو العمل، وتقوية مشاعرهم وأحساسيهم الإيجابية تجاهه.

وعليه، فإن مقوّي الدافعية مكوّن من الدعم النفسي، والتحفيز المعنوي، والتحريك الداخلي، والدفع الإيجابي نحو كل خير ونافع ومفيد.. ولن ينجح أحدٌ إلا بأخذ هذا المحلول العجيب، لضخّ الطاقة في الأوصال، واعتماده كأحسن الأمصال، لتغيير الأحوال..

كم نحن بحاجة إلى معّلم يستفزّ القوى الكامنة في نفوس أبنائنا، فيقول لهم: "يا أبنائي، العجائب سبعة، والإنسان أعجبها، وهو قادر أن يحقق أي شيء، إن لم تقف نفسه في وجهه، فالنجاح يا أحبائي، هو الانتقال من فشل إلى فشل، دون أن نفقد الحماسة، حتى نصل معًا إلى ما نريد!"..

كم نحن بحاجة إلى داعية، يكرّر على مسامعنا كلمات قرآنية، أمثال قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا﴾، ﴿سَابِقُوا﴾، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾، ثم يدفعنا بحديث رسولنا صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله الجنة، فاسألوه الفردوس الأعلى".

كم نحن بحاجة إلى راعٍ، يثق برعيته، قائلًا: "عندما لا تجدون طريقًا أمامكم، فلتشقوا طريقًا بأنفسكم".

بالله عليكم، ماذا ستكلّفكم كلمات، وألفاظ، وأقوال تشجيعية؟!

ماذا سيضركم إطراء لا نفاق فيه، ومدحٌ لا كذب فيه، وحفز لا تهور فيه؟

ألقوا نظرة سريعة على أحوالنا النفسية والعملية، حتى تعرفوا مدى ضرورة أخذ "فيتامين الدافعية"، فبالمداومة عليها، تتحقق هذه الآمال:

- تجديد النشاط والحيوية

- إشعال روح الحماس والمبادرة

- مضاعفة الجهود وسرعة الإنجاز

- الشعور بأهمية العمل المنجز

- الحفاظ على المستوى المرغوب، والاستمرار في علو الهمة..

وبتناول جرعاتٍ من الدافعية، سيتكوّن داخلنا الدرع الحامي من مثبطاتها ونواقضها: كالشعور بالدونية، وهذه سمة الأغلبية، وانعدام الثقة النفسية، والانطوائية، وبذل الوقت والجهد في الأمور التافهة السطحية.

لم ينته الحديث عن "فيتامين الدافعية"، وخير دليل على أهميته وضرورته: القصص الواقعية، أعرضها عليكم في المقالة القادمة بإذن الله، لنكمل جرعتنا التحفيزية، فإن لحديثنا بقية..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين