فيتامين

يا صاحب الهموم والغموم، يا من يئست من الناس، يا من تراكمت عليك المظالم والمشاكل والأزمات، أغث نفسك، أنقذ روحك، إرفع كفيك، بلل بالدموع خديك، فوالله لن تخيب، وربك القدير هو المجيب.

"إن الله حييّ كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه، أن يردّهما صفرًا خائبتين"، هذا حديث نبينا صلى الله عليه وسلم، فاجمع يديك، وضمّ إليهما روحك المعذبة، وقلبك المتألم، ونفسك المتوجّعة، ففي راحتيك راحتك..

كن واثقاً بأنك ستجد بعد أن تدعو، ما ترجو..

اسمعوا لكلام ذي الجلال والإكرام، واعدًا إيانا بالإجابة والإنعام، ولأنه قريب، لم يجعل بيننا وبينه حاجزٌ ولا ترجمان. يقول ربنا جلّ وعلا: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾ [البقرة].

يا لعجيب القرآن!.. يا لكرم المنّان!.. بين دِفّتيه ستقرؤون:

(يسألونك عن الأهلة، قُل: ...)

(يسألونك عن اليتامى، قُل: ...)

(يسألونك ماذا ينفقون، قُل: ...)

(يسألونك عن الخمر والميسر، قُل: ...)

(يسألونك عن الساعة، قل: ...)

كل الآيات يأتي فيها بعد السؤال، كلمة (قل)، قل يا نبي الله، أخبرهم بوحي الله، علّمهم مما علّمك الله، إلا في آية الدعاء. لم يجعل ربنا نبيَّه ورسوله واسطة بينه وبين عباده، فلم يقل جلّ وعلا (وإذا سألك عبادي عني: قل...)، بل تولى إجابة السائلين مباشرة، ودون حائل يحول بين العبدِ وربه.. قال تعالى: (فإني قريب..)، لكنه جل وعلا قرن استجابةً باستجابة، وإيمان بتأمين (تأمين على الحياة المؤقتة والدائمة، ودون محاذير شرعية)، ﴿فلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾ فمن استجاب لدعوة ربه، لينتظر إجابة ربه دعوتَه. ومن آمن به، فقد أمّن على دنياه وآخرته.

يروي رجلٌ قصته مع الدعاء، فيقول، وكلامه لا يكاد يُفهم، من شدّة التأثر والبكاء:

(ابنتي عمرها سنتين، لا تبصر، ابتلاها الله بالعمى، عيناها مفتوحتان، وتتحركان، لكنهما لا تبصران، بحثتُ عن علاج لها في المستشفيات، وعند المختصين، ودفعت أموالًا استدنتها لأجلها، لكنها لم تأتِ بفائدة، فالأطباء يُجمعون على أنّ العينين سليمتان، لكن المشكلة في حاسة البصر الموجودة في الدماغ.

أصابني اليأس الشديد، واستيقنت أنها ستعيش حياتها عمياء، ولن تبصر أبدًا.

زارني في يوم من الأيام أحد الأصدقاء ورثى لحالي، وأوجعه ما أنا عليه، فقال لي ناصحًا: يا أخي، قد يئست من الخلق، لكن لا تيأس من الخالق، خُذ ماءً، واقرأ عليه آيات الشفاء، والدعوات المأثورات، وتضرّع لله عز وجلّ، وارفع إليه حاجتك، وتحرّى أوقات إجابة الدعاء، ثم اغسل بالماء ابنتك،ووالله لن يخيبك الله أبداً.

غرست كلماته في نفسي التفاؤل والأمل، وكأنها وافقت دائي، فداوته.

خرج من عندي، وقلبي ممتلئ باليقين، بأنّ الله سيجبرني.

وفي يوم الجمعة، وبعد العصر، وقبيل المغرب، قرأت على ماء، متضرّعًا شاكيًا باكيًا متوسلًا منطرحاً بين يدي ربي، أناجيه، وأناديه: يااا رب اشف ابنتي .. يااااا رب رُدّ عليها بصرها.. يااا رب.. يااا رب.. ثم طلبتُ من زوجتي أن تقوم بغسل طفلتي بهذا الماء، وعدتُ إلى مصلايَ أدعو وأرجو.. ووالله لم تمرّ دقائق، حتى سمعتُ صوت زوجتي وهي تصرخ: الله أكبر.. لقد أبصرت.. الله أكبر.. لقد أبصرَتْ..

عباد الله.. إنه الله.. هو القريب.. وهو المجيب.. والإجابة – إخوتي وأخواتي- معقودة بنواصي الدعاء، فلا تحملوا همّها، وعزة ربنا ستأتي، وستتحقق، هذا ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث:

- إمّا أن تعجّل له دعوته

- وإما أن يدّخرها له في الآخرة

- وإما أن يصرف عنه السوء مثلها"

قال الصحابة بيقين وطموح: إذاً نُكثِر، فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أكثر، وأطيب".

رُوي في الأثر، عن فرعون وجنوده عندما نزلوا إلى البحر، ليعبروا من الطرق اليابسة التي عبر فيها موسى عليه السلام، أن الله تعالى أمر الجبال أن تتحول إلى ماء، فهاجت الأمواج على فرعون ومن معه، وإذا به يستغيث بموسى، وينادي: يا موسى أغثني .. يا موسى أغثني.. ويناديه، ويستنجده. لكن موسى لم يلتفت إليه، فأوحى الله عز وجلّ إلى كليمه: يا موسى.. لقد استغاث بك فرعون سبعين مرة، فلم تغثه، وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة واحدة، لوجدني قريبًا مجيبًا.

عباد الله، ذلك فرعون الذي قال: ﴿فَقَالَ أنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾ [النازعات]، فيكف بنا ونحن نسجد له، معترفين مقرّين 34 مرة كل يوم وليلة: سبحان ربي الأعلى، ذلك فرعون الذي قال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي(38)﴾ [القصص]، فكيف بنا ونحن نشهد له بالوحدانية، مرددين، مستعصمين ب: لا إله إلا الله..

أونعجز بعد ذلك عن هذا الدواء؟ أونشك بعد هذا بفضل الدعاء؟ على أن هذا المقوي الروحي له ثلاثة معايير يعمل وفقها، فقد قال العلماء أن للدعاء مع البلاء ثلاثة مقامات:

- أن يكون الدعاء أقوى من البلاء، فيدفعه..

- أو أن يكون الدعاءُ أضعف من البلاء، فيقوى عليه البلاء، ويصاب به العبد، لكنه يخففه، وإن كان ضعيفًا.

- وإمّا أن يتقاوما، ويمنع كل واحدٍ منهما صاحبه.

ومن فضائل هذا الفيتامين أنه يؤخذ أيضًا في حالات العافية، تعويدًا للسان، وتطويعًا للجوارح، واختزانًا للبركة، واستدرارًا للإجابة في وقت البلاء. فعن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه قال: "ادعُ الله في يوم سرّائك، لعله أن يستجيب لك في يوم ضرّائك".

أدعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة، ادعو الله ولا تستعجلوا، ادعوا الله ولا تستكثروا...يا أصحاب الحاجات، أيها المرضى، أيها المظلومون، أيها المدينون، أيها المحرومون، أيها الباحثون عن السعادة والراحة الصافية، دواؤكم دعاؤكم، وفيه نجاتكم. ذلك قول خالقكم: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)﴾ [الفرقان]. فارجعوا إلى كتابكم، والزموا باب ربكم يفتح عما قريب، بهذا وعدكم، (إنه كان وعدُهُ مأتياً)..

ادعُ الله، واستجب لأمره، وآمن به، وسلّم لقضائه، واعمل ما بوسعك، وادفع بأسبابك، تأتك الإجابة من رب لطيف خبير..

وتذكر دوماً: "دعاء بلا عملٍ، وبذل أسباب، كمنتظرِ الارتواء من بحيرة السراب"..

جرعات جديدة من "فيتامين د" لتحسين الأحوال، في المقالة القادمة بإذن الله.. ولحديثنا بقية..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين