الموجز في التاريخ: رِدة الأعراب عن الإسلام

أسفرت مفاوضات كبار الصحابة رضي الله عنهم في سقيفة بني ساعدة، عن مبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه خليفة للمسلمين، وقد واجه الصديق رضي الله عنه منذ أيامه الأولى في الخلافة أمورًا جسامًا، كادت تقضي على الإسلام وأهله؛ لولا ثباته وجلده رضي الله عنه؛ ذلك أن كثيرًا من الأعراب، حديثي العهد بالإسلام، ما إن سمعوا بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتدوا عن الإسلام، وارتدت معهم بعض القبائل، وذلك لا يعني أن كلَّ المسلمين قد ارتدوا عن الإسلام، ولم يبقَ منهم على الإسلام إلا مكة والمدينة وثقيفٌ؛ كما توهَّم البعض، فلم يثبت أن جميع أفراد القبائل العربية وزعمائها قد ارتدوا كلهم عن الإسلام، بل لقد بقي الكثير منهم ثابتًا على دينه وإسلامه؛ وكانوا سندًا قويًا للإسلام ودولته، اعتمد عليهم الصديق رضي الله عنه في تصديه لهذه الفتنة الطارئة، وقمعها من الداخل، كأسلم وغفار، ومزينة وأشجع، وكعب وعدد كبير من أهل اليمن، من الفرس الذين أسلموا، ومن العرب أيضًا؛ ولذا أقدموا على قتل الأسود العنسي، الذي ادعى النبوة زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ومحاربة أتباعه من بعده، قتله أهل اليمن بقيادة: فيروز الديلمي؛ الذي ولَّاه الصديق فيما بعد قيادة الثابتين على إسلامهم في صنعاء، كما ذكر ذلك مفصلاً الدكتور: مهدي رزق في كتابه: (الثابتون على الإسلام أيام فتنة الردة).

لقد كان من المرتدين من كفر بالله ورسوله، وارتدَّ عن الإسلام ردة كاملة، وعاد للوثنية وعبادة الأصنام، وكان منهم من بقي على إيمانه بالله ورسوله؛ لكنه آمن برسالة غيره، ممن ادعى النبوة زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كمسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وكان منهم من منع دفع الزكاة للصديق فقط؛ فكان على الصديق أن يواجه أولئك القوم كلهم؛ لا سيما وقد أخذ بعضهم يتعرض للمسلمين، بل لقد أقدم بعضهم على مهاجمة المدينة المنورة؛ حدث كل هذا؛ وجيش أسامة بن زيد يستعد للذهاب لملاقاة الروم، فأشار بعض الصحابة على الصديق ألا يرسل الجيش، وأن يبقيه حوله؛ استعدادًا لأي مكروه يطرأ، ولكن الصديق عزم على إرسال الجيش، ومواجهة المرتدين في نفس الوقت، فأرسل جيش أسامة، بعد أن شيعه بنفسه، وكان في ذلك أعظم الخير للمسلمين، فقالت الروم: ما بال هؤلاء يموت صاحبهم، ثم يغيرون على أرضنا، وقالت العرب: لو لم يكن لهم قوة لما أرسلوا هذا الجيش؛ فكفوا عن كثير مما كانوا يريدون فعله [ينظر: ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام (بيروت: دار الكتاب العربي، ط 1، 1417/1997) 2/194.].

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين