الحوار فن من فنون التربية

أ.د. محمود نديم نحاس


بادئ ذي بدء، أوضح الفرق بين الأولاد والأبناء. ففي المعجم الوسيط (الوَلَدُ) كل ما وُلِد، ويطلق على الذكر والأنثى والمثنى والجمع، وجمعها أولاد. و(الابْنُ) هو الولد الذكر، وجمعها أبناء وبنون، و(الابْنَةُ والبِنْتُ) الأنثى من الأولاد، وجمعها بنات. وموضوعنا هو عن الحوار مع الأولاد، أي من الجنسين.
الحوار هو طريقة لمدِّ جسور الود بيننا وبين أولادنا لمعرفة ما بداخل نفوسهم. وإذا لم ننصت إليهم في حوارٍ وديٍّ فسيجدون ضالتهم عند زملائهم الذين يبدون الإعجاب بهم فيزداد التصاقهم بهم، ويبتعدون عنا، في حين أن المطلوب هو زيادة التواصل معنا، لأننا لا ندري نوعية الزملاء الذين يصادفونهم. وينبغي أن يبدأ الحوار منذ الطفولة ويستمر خلال المراهقة، بل طول العمر.
والحوار يشمل الإنصات الجيد واستخدام لغة الجسد كإيماءات الرأس ونظرات العينين المهتمة. ويتطلب صبراً وتدريباً، كما يتطلب إظهار الود والحب والتقدير والاهتمام والبحث عن مساحة مشتركة.
وقد يظن المربي أحياناً أنه يحاور الأولاد، بينما هو يفرض رأيه عليهم، بل وقد ينشئ نوعاً من التحدي بينه وبينهم. فعندما يأتي وقت النوم مثلاً تراهم يحاولون البقاء أمام التلفاز، فيقوم أحد الأبوين بإغلاق التلفاز وإجبارهم على الذهاب إلى السرير. ولو تحاور معهم فسيصل إلى تفاهم بأن يكملوا المشهد الذي يتفرجون عليه ثم يغلقوا التلفاز بأنفسهم. وهذا الحل الأخير هو ما يجب أن نعوِّدهم عليه، ليقوموا به عندما يأتي وقت النوم ونحن خارج البيت.
ومن أهم عوامل نجاح الحوار تفهم حاجات الأولاد ودوافعهم النفسية، وعدم إعطائهم أي رسائل سلبية (مثل: أنت صغير، أنت تحب الجدل، أنت لا تفهم... الخ)، بل على العكس يجب الإكثار من الرسائل الإيجابية (مثل: أنت لم تعد صغيراً، أنت تفهمني بسرعة)، مع مناداتهم بألفاظ محببة مثل: عيني وروحي وحبيب قلبي، وإظهار الحنان والتلامس الجسدي، والإنصات لمعرفة ما يدور في نفوسهم، والنقاش الهادئ، وجعلهم يصلون إلى النتيجة المتوخاة من مبادئ وقيم بأنفسهم، مع تصحيح المفاهيم الخاطئة بطرق غير مباشرة، مثل عرض الأمثلة الواضحة والواقعية. هذا إضافة إلى التعاطف مع أفراحهم وأحزانهم، واستخدام الحوافز والجوائز لتشجيعهم على الأعمال الجيدة وثني عزمهم عن القيام بأعمال منافية للأدب أو للدين.
أما أسلوب الأوامر المباشرة وتحويل الحوار إلى تحدٍ بين المربي والأولاد، والشماتة بهم إن أصابهم ما لا يحبون، وعدم تفهم دوافعهم، والاستهزاء بمشاعرهم، وإطلاق الأوصاف غير المحببة عليهم، وذم طريقتهم في التفكير، والنظر إليهم على أنهم صغار يمكن خداعهم، فكل هذه عوامل تؤدي إلى عكس المطلوب.
ومن يقرأ الحوار بين الرسول صلى الله عليه وسلم والفتى الذي طلب الإذن بإتيان الفاحشة فسيجد أن كل عوامل نجاح الحوار كانت متوفرة فيه.
التربية فن وتحتاج إلى مجاهدة وتدريب، وعدم اليأس، وتخير أحسن الأساليب، وتحمل المسؤولية.


من موقع جريدة البلاد

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين