أدلة نبوة الخضر عليه السلام

قول الخضر عليه السلام: ﴿وَمَا فَعَلۡتُهُۥ عَنۡ أَمۡرِيۚ﴾ [الكهف: ٨٢] دليل على أنه فعل تلك الأمور بوحي من الله تعالى، فيكون نبيًا، وهو الصَّحيح. وما قاله كثير من المفسرين أنه فعل ما فعله بإلهام، بناء على قولهم بولايته، ليس بصحيح، لوجوه:

أحدها: أن ما أقدم عليه من خرق السفينة، وقتل الغلام، لا يجوز حصوله بأمر إلهام.

ثانيها: لا يجوز أن يدرك الخضر -وهو ولي- أن الغلام سيرهق أبويه كفرًا، ولا يدركه موسى وهو نبي.

ثالثها: لا يجوز أن يكون الولي ولو بلغ أعلى درجات الولاية أعلم من النبي.

رابعها: لو فعل ما فعله عن إلهام كما يقال، لوجب عليه القصاص في قتل الغلام ودفع قيمة تعييب السفينة، ولا تعفيه ولايته من ذلك: لكن شيئًا من ذلك لم يحصل، فدل على أنه كان يفعل بوحي تشريع.

خامسها: أن تعليله لما فعل بقوله: ﴿فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِيبَهَا﴾ [الكهف: ٧٩] ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا﴾ [الكهف: 81] ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا﴾ [الكهف: ٨٢] يدل على أنه واثق من نتيجة عمله، جازم بها، وهي غيب لا يدرك إلا بوحي نبوة، ولو كان إلهامًا لقال: فرجوت أن يكون كذا، ولم يجزم أبدًا بحال.

سادسها: لو لم يكن نبيًا بوحي إليه، لم يدرك بمجرد الإلهام أن الله أراد أن يبلغ اليتيمان أشدهما ويستخرجا كنزهما.

سابعها: قوله لموسى عليهما السلام بأسلوب الواثق المتأكد مما يقول: ﴿قَالَ إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِيعَ مَعِيَ صَبۡرٗا٦٧ وَكَيۡفَ تَصۡبِرُ عَلَىٰ مَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ خُبۡرٗا﴾ [الكهف: ٦٧-٦٨] هذا وهو يعلم أنه موسى رسول بني إسرائيل، ما تجرأ على مخاطبته بهذا الأسلوب اعتمادًا على مجرد الإلهام الذي يناله الأولياء، فضلًا عن رسول كريم.

ثامنها: أن موسى حين قابل الخضر عليهما السلام قال له: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ [الكهف: 66] فأراد أن يتعلم منه علمًا زيادة على ما عنده في التوراة، وذلك بأن يتعلم تشريعات ليست في شريعته، والإلهام ليس بعلم ولا تشريع، وليس له قاعدة ينضبط بها، وإنما هو كما قال أهل الأصول: إيقاع شيء في القلب ينشرح له الصدر، وهو لا يفيد اليقين، لجواز أن يكون للشيطان دخل فيه؛ إذ الولي غير معصوم كما هو معلوم، فهل يعقل أن يطلب موسى أن يتعلم من شخص شيئًا -ولا أقول علمًا- للشيطان فيه دخل؟!

إذن فالخضر كان نبيًا، وهذا ما يفيده سياق قصتهما في القرآن الكريم، وصرح بنبوته في السنة النبوية. انظر كتابنا (سمير الصالحين جـ2) والله الموفق.

من كتاب:" خواطر دينية"

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين