احتواء الإسلام

هذا مصطلح عبر عنه أبو الحسن الندوي في بعض كتبه من خلال ما رآه من واقع يهدف الى حصر الإسلام وإحكام الخناق عليه

وأنا استعرته من الشيخ الندوي رحمه الله لأعبر به عما أجده يحدث في ديارنا، من حركات يتم تفسيرها بالعدوان على الإسلام

وأول ما أبدأ به ما يلاحظه المراقب في الشبكات التي سميت بشبكات التواصل من انفتاح الباب أمام كل أحد ليتكلم بما شاء، ونحن لا نستطيع أن نمنع الناس من أن يتكلموا، لكن نستطيع أن نصد آذاننا عن استماع كل الكلام، ونختار ما يجب الاستماع إليه، غير أن الذي يحصل اليوم ليس مجرد كلام تُملأ به الصفحات، وإنما هو كلام كثير منه ما يعد عدوانا سافرا على مبادئنا الدينية والقيمية والأخلاقية، فهل المطلوب منا أن نصد آذاننا في هذه الحالة ونقول دعوا هؤلاء المتكلمين فسيموت كلامهم بعد حين؟ هذا ما يريده من يسمون أنفسهم دعاة الحرية وحقوق الإنسان، وكأن هذا الذي سموه بذلك من اختصاصهم هم وحدهم دون غيرهم، ولذا ترى الباطل يكثر مناصروه، وإذا لم يقف المصلحون سدا منيعا أمام هذا الانحدار فستعم الفوضى، لذلك نرى من باب احتواء الإسلام أن المصلحين يضيق عليهم من الجهات التي يفترض أن تكون حامية لهم ومدافعة عنهم.

وأما الأمر الآخر فهو: أننا كنا في بلادنا في ثمانينات القرن الماضي تشيد بنا جميع الدول الإسلامية من حيث توسط مناهجنا الدراسية وعمقها وجودتها، بحيث إن التخرج في جامعات الأردن يعد فخرا للمتخرج، والذي حصل بعد ذلك أن تعرضت المناهج لتغيير جذري لم يصب إلا حقيقتها وقوتها ونوعها فباتت المناهج يتغنى بها من حيث الضعف والهشاشة على جميع مستوياتها، والذي حصل أنا أحدثنا هذا التغيير أو أُمرنا بإحداثه ورضينا به، ونحن ندرك هشاشته وضعفه وعدم جدواه، فمن أحدث هذا التغيير هل كان غافلا عن أن هدفه تدمير التعليم، وإذا لم يكن يعلم فكيف وضع في هذا المنصب؟ وإذا كان يعلم فلماذا لم يحاكمه الغيورون على البلاد والعباد؟ وهم يرون بأعينهم ما وصل إليه أبناء الأردن من انهيار تعليمي صار موضعا للتندر في كثير من البلدان التي ما كانت تملك إلا الثناء على مناهجنا التعليمية ومدرسينا.

مناهج الثمانينات من القرن الماضي وضعها أناس أمناء على البلد وعلى التعليم، لذا لابد لنا شئنا أم أبينا من إعادة تصحيح المسار، وأول الطريق هو إعادة المناهج التعليمية التي كانت في نهاية القرن الماضي، لما ثبت لنا من أثرها الطيب على جميع المستويات.

وثالث الأشياء التي أريد أن أتحدث عنها هو ما سمي زورا وبهتانا باسم الاستعمار وإنما هو استحمار أو احتلال

هذا الاحتلال هجم على بلادنا من غير سابق إنذار وأحدث فيها من الخراب ما الله به عليم، واليوم وقد خرج الاحتلال بثوبه القديم لظروف خاصة، ولكنه ترك وراءه من يعض بنواجذه على مبادئ الهدم التي زرعها فيه الاحتلال، فصرت ترى العربي المسلم بلباسه الإسلامي ولكن قلبه احتلالي أو استحماري يريد من الشعوب التي ينتمي إليها أن تكون طيعة للمحتل بكل قواها يعني يريدنا هؤلاء أن نتموضع حول العبودية للغرب، وأن نفني حياتنا لتحقيق ما يريده هؤلاء المستَعبِدون ليُسمح لنا بالعيش في هذه الدنيا دون منغصات، ولعمرو الحق تلك ثالثة الأثافي.

في عالمنا الإسلامي شيء يسمونه الشرعية الدستورية، وهي شيء أملاه على المسلمين شيطان العقل، فترى كثيرا من العاملين للإسلام مع العامة إذا حصل عندهم شيء يسارعون إلى الاحتكام لهذه الشرعية المزعومة، ويعلنون بمهاجمة أي شيء تحت مخالفته للشرعية الدستورية وربما تحصل أحداث يموت فيها بعض المسلمين تحت مسمى الحفاظ على هذه الشرعية، أما أن تنتقض الشرعية الدينية التي جعلها الله في كتابه، فهذه تمر وليس في انتقاضها أي مشكلة بحجة أن الظرف العالمي لا يسمح ببروز الإسلام، فماذا ينتظر هؤلاء حتى يسمح الظرف العالمي للإسلام بالبروز؟

هذا السابق كله يحدث في معظم الدول الإسلامية بدرجات مختلفة، وأنا لست أراه إلا من قبيل المؤامرة على الإسلام التي قال عنها أنور الجندي: إن هدف هذه المؤامرة هو إحياء الفكر البشري القديم قبل الإسلام، والمتجدد إبان حملة الترجمة مرة أخرى وفي قوالب جديدة، وأساليب عصرية، للهدف نفسه، للغاية نفسها، غاية الهدم والهزيمة والتمزيق لجبهة الإسلام التي لم يبق على وجه الأرض غيرها في طريق التوحيد الصحيح، وحركة المؤامرة اليوم تحاول أن تتبع الطريق القديم نفسه، بالأساليب القديمة نفسها، فهي تهاجم أصول القيم الإسلامية، وجذور المفاهيم الأساسية، وتهاجم تاريخ الإسلام واللغة، وتدعو الى تفسيخ القيم الخلقية الإسلامية بالدعوة الى إذاعة المجون والمجاهرة بالخلاعة والانحراف الجنسي، كان ذلك في الماضي لحساب المجوسية الفارسية، ولتمكين القرامطة والباطنية من السيطرة على الدول الإسلامية، واليوم يجري المخطط نفسه لحساب الصهيونية والاستعمار(الاستحمار) والشيوعية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين