نحو أدب تربوي هادف: صاحب الجنتين

مسرحية شعرية

ذات فصل واحد من مشهدين

شخصيات المسرحية

- الشقيق الأول: رجل مؤمن أنفق ماله في سبيل الله.

- الشقيق الثاني: متشكك بالآخرة. حريص على الدنيا لديه بستانان اشتراهما مما ورثه عن أبيه.

- عدد من الجيران مع عدد من الأعوان.

 

المشهد الأول

[ تفتح الستارة، و تظهر لوحتان كبيرتان جدا، و بينهما نهر، تمثلان بستانين فيهما نخيل و أعناب و زروع، وقد وقف الشقيقان قربهما يتحاوران]:

- المتشكك: (وهو ينظر إلى بستانيه بإعجاب)

ما أجمل هذا البستانا

يعطيني ثمرا ألوانا

أعنابا أجنيها مالا

و ثمارا جُلى و غلالا

- المؤمن: اشكرْ ربك كل أوان

- المتشكك: (مستمرا في تجاهله و عجبه)

انظرْ، ما أحلى بستاني

- المؤمن:

اشكرْ من خلق الأشجارا

و حَباها ورقا و ثمارا

- المتشكك: (مصرا على غفلته، و محاولا تذكير أخيه بفقره، بلهجة بين العجب و الاستهزاء)

قل لي، أين ذهبت بمالك؟!!

(ثم يشير إليه باستخفاف):

من يرضى حالا من حالك؟!

(مشيرا إلى بستانيه):

هذا كرمي.. هذا نخلي

فلماذا لم تفعل مثلي؟؟

- المؤمن: (باعتزاز):

مالي أ ُنفق في الطاعات

لم يذهب، لكن هو باقي

عند الوهاب الرزاق ِ

المتشكك: ماذا ينفعك الإنفاقُ أنفقْ وسيأتي الإملاقُ

(بعجب مشيرا إلى نفسه،واضعا يده على صدره، منحرفا عن أخيه قليلا،كأنما يخاطب عددا من الناس)

فأنا لم أنفق من مالي قرشا، فغدا المال كثيرا

(متباهيا وهو يدور حول نفسه نصف دورة)

فغدا عندي المال كثيرا فغدا عندي المال كثيرا

وغدا عندي بستانان

(مشيرا إلى البستان الأول)هذا الأولُ

(ملتفتا إلى البستان الثاني) ذاك الثاني

المؤمن بهدوء)

هل تعطي حق الفقراء ممّا قد أعطاك اللهُ

- المتشكك: (تعلو نبرة صوته)

لا أعطي شيئا لفقير

أو أعطي؟ كي ينقص مالي؟!

لو يأتي يوما مسكين

كي يجلس ما بين ظلالي

(يشير بإصبعه باتجاه المدخل):

أصرخ، هيا، هيا، فاخرج

وابحث عن غيري في الحال

المؤمن: هل تعرف حق الجيران؟

المتشكك: (باستغراب و دهشة):

أو أعطيهم من بستاني؟

وثماري! أتضيع ثماري؟!

لا أعطي تعبي للجار

هذا أمر لا أفعله

هذا أمر لا أقبله!!

المؤمن: (محذرا و ناصحا)

احذر مِن كفر ٍللنعمة

أخشى أن تأتيك النقمة

فنخيلك، و الثمر الداني

و زروع شتى الألوان

رزق من رب الأكوان

المتشكك: (وقد تضايق من كلام شقيقه، محاولا تغيير الحديث و داعيا شقيقه ليجلس معه على مقعد قريب):

دعني من هذي الأقوال

واجلس و تنعّمْ بظلالي

(يشير إلى النخل مفتخرا)

ما عندك ثمر من ثمري

مسكين أنت، و لا تدري

أموالي.. خيراتي كثيره

و أنا أكثر منك عشيره

المؤمن: (يقول منزعجا)

لكن ربك قد أعطاك

كي تشكر فيما أولاك

(ثم يشير إلى النهر):

والدنيا مال و غرور

وعسى هذا الماء يغور

المتشكك: (يقف بتحد)

بستاني لا يفنى أبدا

وستبقى تلك الأشجار

لتغرد فيها الأطيار

فأنا أسقيه و أزرعه

وأنا من سوء أمنعه

(ينخفض صوته، و يتكلم ببطء، و هو مغمض العينين، كمن يحلم بشيء)

و سأحيا في ظل الشجر

أجني خيرات من ثمري

و أعيش سعيدا مسرورا

و يكون الإنتاج وفيرا

يشير إلى البستان):

ما في الدنيا مثل ثماري

أو بستاني، أو كالدار!

هذي الجنة؟... بل هي جنه

فيها ما الإنسان تمنى

هي باقية أبد الدهر

و الخير بها، ذهب يجري

(ملتفتا إلى شقيقه):

هذي الجنة، ليس سواها

ما أجملها!!ما أبهاها!!

المؤمن (يقطع حديثه):

اُ ذكرْ جنات الرحمن

ذات البهجة و الأفنان

المتشكك(محتدا):

ما مِن عيش بعد القبر

ليس هناك حياة أخرى

مَنْ قال الساعة قائمة

و سيأتينا يوم الحشر؟!!

المؤمن:

لا تغترّ بمال الدنيا

و اشكر ربك حق الشكر

المتشكك: (يتراجع قليلا عن موقفه، و يحاول استدراك ما فات)

قد... قد نبعث من بعد القبر

قد نبعث، و تقوم الساعه

المؤمن: أين إذا أعمال الطاعه؟

المتشكك: (بحدة)

لا أحتاج لها في الحشر

أموالي ترفع من قدري

(يشير إلى بستانه)

و سأُعطى خيرا من هذا

و سأملك جنات تجري

إن كان هنالك آخرة ٌ

أو أن الساعة آتية ٌ!

المؤمن: (موبخا و معنفا):

أو تكفر بالله الباري

أو تنسى نعم الغفار؟!!

فالله تعالى الخلاق

قد أنعم و هو الرزاق

(ثم يشير بيده إليه):

من؟ قل لي، من ذا سواك؟

أو تكفر بالله الباري؟

و هو الخالق قد أنشاك؟؟

المتشكك: (في غضب):

أتوبخني في بستاني؟

أتعلمني من أنشاني؟

فأنا حر في إيماني...

المؤمن: (ناظرا ببصره إلى السماء):

لكني عبد لله

أعطاني عقلا و هداني

فأنا لا أعبد إلا هو

فهو الباقي، وهو الله

(ملتفتا إلى شقيقه):

قل: حمدا، حمدا لله

لا قوة إلا بالله

و اشكر و اذكر نعم الله

المتشكك: (باستهزاء و غرور)

لكنْ ربك قد أغناني

فغدا عندي بستانان

و أنا أغنى أكثر مالا

و عيالا بل أحسن حالا

المؤمن: إن كان بنوك مع المال

أكثر، أو أحسن من حالي

فعسى ربي أن يؤتيني

خيرا مما قد أعطاك

و عسى أن يرسل حُسبانا

و عذابا، ليكون هلاكا

فتصير الأشجار وقودا

و زهور تمسي أشواكا

و الأرض الخضراء حصيدا

لا نبتٌ فيها، لا دور

و مياه للنهر تغور

المتشكك: (بغضب):

أنت مليء مني حسدا

جناتي لا تفنى أبدا

المؤمن: لست حسودا فاسمع قولي

المتشكك: (بإصرار)

لا، بل تحسدني في فضلي

المؤمن: (يهم بالخروج، و يلتفت إلى شقيقه):

فستذكر ما كنت أقول

المتشكك: (مستمرا في عناده)

لا أسمع ما أنت تقول

لا، فالنصح لديك فضول

(يخرج المؤمن، ويبقى المتشكك وحيدا، ثم يصيح فرحا):

ما أجمله من بستان

فيه من كل الألوان

لا، بل عندي بستانان

أحيا بهما، و أنا هاني

(يشير إلى البستان الأول) هذا الأول ما أبدعَه ُ

(ثم يشير إلى الآخر): بل ما أعظم هذا الثاني

المشهد الثاني

(لوحتان تمثلان بستانين قد يبست أشجارهما، و تساقطت ثمارهما، و تهدمت البيوت وأصبحت خرابا)

(يدخل صاحب البستان.. يفتح عينيه دهشا، و قد ربط لسانه، يضع يده على رأسه.. ثم يصيح:

يا... ويلي، ويلاه، ويلي؟!

جفت أرضي، ثمري، نخلي

أعنابي.. آهٍ أعنابي

أتعابي... ضاعت.. أتعابي

أين ظلال النخل المثمر

و النهر العذب المتفجر

(يعيد مقعدا إلى وضعه الصحيح، و قد انكفأ على وجهه، يجلس و هو يضرب كفا بكف)

(و يتابع ندبه):

يا مالي الضائع، يا مالي

يا نخلي اليابس، يا عنبي

يا نهرا عذبا لا يجري

أصبحتَ بعيدا عن طلبي!!

(يعود إلى الوقوف و هو ينادي):

يا جيراني يا جيراني

أنا في بحر من أحزان

(يطل أحد الجيران و يقول له):

لم تعرف حق الجيران

هل ذاقوا ثمر البستان

المتشكك: (ينادي بعصبية):

يا أنصاري، يا أعواني

أنا في بحر من أحزان

(يطل أحد الأعوان، و يقول له):

لا تطلب عونا من أحد

لم تعرف حق الأعوان

المتشكك: (ييئس منهما فيصيح):

يا إخواني... يا إخواني

المؤمن: (يدخل في هذه الأثناء):

لم تعرف حق الإخوان

لم تذكرهم بالإحسان؟!

المتشكك: (بتضجر، يرفع صوته):

يا شيطاني... يا شيطاني

المؤمن: نادِ لتظفر بالخذلان

كنت مطيعا للشيطان

المتشكك (استبد به اليأس من نجدة المعارف و الأتباع فيصرخ باكيا):

من ينقذني؟ من ينجدني؟

من ينقذني؟ من ينجدني؟

من يرجع جناتي خضرا

و سأعطيه الأجر و عشرا

المؤمن: لن يرجعها أحد أبدا

لن يصلح منها ما فسدا

المتشكك: (نادبا حظه من جديد):

ضاعت أموالي، أرزاقي

كيف سأحيا في إملاق؟!

يا ليت الإشراك بربي

لم يدخل يوما في قلبي

المؤمن: لن ينفع دمع و ندامه

فعلام الآهات علامه؟!

أو لم تنكر في إصرار

و تقل: ليس هناك قيامه؟!!

المتشكك: (بتوسل):

ليت مياه النهر تعود

يوما كي يخضر العود

كي أسقي زرعي ونخيلي

كي أروي بالماء غليلي

أحد الجيران: (بهدوء):

ذبل الزرع، و غاض الماء

فابك لن ينفعك بكاء

المؤمن: (بتوبيخ):

أولم تكفر من يومين؟

و تباهيت ببستانين؟

(متهكما):

لِمَ لمْ تُنصر بالأموال؟

لم لم تُحفظ من أهوال؟

(يلتفت إلى البستانين):

أمر الله أتاها ليلا

فغدت طينا وغدت وحلا!

لا نبتٌ فيها، لا ثمر

لا زرعٌ يبدو، لا شجر

(ينقل بصره بين شقيقه و بين البستانين):

أنت اخترتَ لنفسك هذا

فاحصد ما زرعته يداكَ

من يشرك بالله تعالى

فسيلقى ما قد أخزاكَ!

فعلام – قل لي – تتباكى؟؟

المتشكك: (غاضبا،و منكرا):

ليس صحيحا قولك هذا

فلماذا تتهم لماذا..؟

المؤمن: (مفحما له):

أولم تكفر بالرحمن

و تقل عندك بستانان؟!

أبقى من روضات جنان؟

و تقل: إنهما كالجنة؟

وثمارهما ليست تفنى؟

المتشكك: بانكسار):

قلت وكان القول غرورا

ذلك من جهلي وغبائي

المؤمن: كنتَ جحودا، كنت كفورا

نلتَ بذلك بعض جزاء

المتشكك: (باستسلام):

صار حطاما ما أملكه

المؤمن: (مشيرا للأشجار):

والله تعالى مهلكه

لكني أنفقت المالا

أبغي وجه الله تعالى

فيضاعفه، ويباركه

المتشكك: (بانكسار و أسى):

مالك باق ٍ، مالك باقي

المؤمن: (يرفع كفيه):

حمدا لله الرحمن

حمدا لله الرزاق

فهو إلهي لا ينساني

(يخرج المؤمن مع الأعوان والجيران، ويبقى المتشكك يقلب كفيه).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين