محمد صلى الله عليه وسلم شخصيته وصفاته (9)

حـاجــة البـشــــريــة إلى رســـالـة ســمـاويــة

جاء الملك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في خلوته في غار حراء وطلب منه أن يقرأ الآيات الخمس الأولى التي أنزلت من القرآن: "إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم." (العلق 1-5) فأصبح محمد بن عبد الله نبيا من اللحظة التي تلقى فيها تلك الآيات الخمس.

يعرف الإمام علي بن حزم وغيره من العلماء النبوة بأنها الوصول إلى علم يقيني لا تمكن معرفته بالجهد أو التجربة البشرية. فهو إذن علم يتفضل الله تعالى به على من يصطفيهم من عباده ليكونوا أنبياء. وبعض الأنبياء يعطون رسالات يبلغونها إلى الأقوام المعنيين بهذه الرسالات. أما إذا لم يُعْط النبي رسالة، فهو مصدق لرسالة رسول من قبله. ولقد كان لبني إسرائيل عدد كبير من الأنبياء، وكان من بينهم عدد قليل من الرسل. ولعل أوضح الأمثلة على هذا موسى وهارون عليهما السلام، فقد اختار الله تعالى موسى عليه السلام وأنزل عليه التوراة، رسالته الهادية إلى بني إسرائيل، بينما كان هارون نبيا يعمل مع أخيه في تبليغ رسالته وهداية قومه. وقد ذكر الله تعالى أسماء عدد من الرسل في القرآن ولكنه جلّ وعلا لم يذكر أسماء رسل آخرين، فهو يقول لرسوله محمد، صلى الله عليه وسلم: "ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك." (غافر 78)

ثم لم يلبث محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، أن أصبح رسولا من الله تعالى، عندما أنزل عليه قول الله تعالى: "يا أيها المدثر، قم فأنذر." (المدثر 1-2) والمعنى في هاتين الآيتين أنه بات على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ دين ربه كما هو في الرسالة التي يتلقاها من لدن ربه الحكيم الحميد. فما تبقى على أصله من الرسالات السابقة، دون تحريف أو تبديل، يُصدَّق أو يعدل بالرسالة الجديدة. كانت كل الرسالات السابقة موجهة إلى أقوام الرسل الذين حملوها، وكانت بلغاتهم، تطلب منهم أن يعبدوا الله وحده لا يشركون به شيئا، وأن يطبقوا رسالات ربهم كما أبلغها إليهم رسلهم. أما محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، فقد كان خاتم الأنبياء والمرسلين، ورسالته الخاتمة موجهة إلى الناس كافة، في كل العصور والأجيال. ولذلك جاءت رسالته في كتاب، هو القرآن الكريم، الذي تكفل الله تعالى بحفظه من أي تحريف: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون." (الحجر 9)

أما أن البشر بحاجة دائما إلى رسالة سماوية، فذلك أمر مقطوع به، لا يرقى إليه شك، وهو يتعلق مباشرة بخلق الإنسان ودوره في الحياة. فقد بيّن الأنبياء والرسل جميعا أن مهمة الإنسان هي إعمار الأرض، كما قال صالح عليه السلام لقومه: "وإلى ثمود أخاهم صالحا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها." (هود 61) والمقصود بهذا الإعمار هو التقدم وازدهار كل ما هو جميل ونافع. وعندما ينظر المرء اليوم إلى حال الإنسان في الكون، يدرك أنه بالرغم من كل ما اكتشفه الإنسان واستطاع تسخيره لأغراضه، وكل ما توصل إليه عبر القرون، فإنه إنما يتحرك في مساحة محدودة وأن قدراته محدودة كذلك. بل ظل الإنسان دائما يدرك أن هناك عالما واسعا كبيرا يتجاوز عالمه، ويعرف أن جهوده التي يحاول بها أن يصل إلى هذا العالم واكتشاف أسراره هي التي جعلته يتقدم في البحث العلمي، ويضع النظريات الفلسفية، ويكتب الشعر محلقا في الخيال، وينسج الروايات. وهذا هو السر في كل تقدم حققه الإنسان. ومع ذلك فإن الذين تتحقق على أيديهم أفضل المكتشفات هم أول من يعترف بأنهم إنما يبحثون في السطح وأنه ما تحت السطح أكبر بكثير

ينطبق هذا على فطرة الإنسان ونفسيته، ومشاعره، وعواطفه، بمثل ما ينطبق على العالم المادي من حولنا. ونحن عندما نتعامل مع العالم المادي قد نخطئ، ولكننا نستطيع دائما أن نعيد النظر في طريقة عملنا ونصحح أخطاءنا. لكن الأمر ليس على هذه الشاكلة المباشرة عندما نتخذ تشريعات تتناول المشاعر والعواطف والفطرة الإنسانية. فالخطأ الصغير في هذه الأمور قد يؤدي إلى عواقب سيئة بعيدة الأثر. وعندما يتطلب الأمر تلافي هذه العواقب بتصحيح خطأ سابق نجد في كثير من الأحيان أن هناك من يعترض على هذا التصحيح، لأن كل وضع إنساني له إيجابياته وسلبياته. فالذين يستفيدون من إيجابيات أي وضع قائم سيعترضون على محاولة تغييره أو تعديله، وهذا أمر طبيعي ومفهوم. ومن جهة أخرى، فنحن عندما نحاول أن يصحح خطأ من هذا القبيل، كثيرا ما نسير بعيدا في الاتجاه المعاكس، مما يعني أننا نحتاج إلى تصحيح آخر بعد مدة قد لا تكون بعيدة. ولو توافر للناس أصلا الهدي الصحيح، لتجنبوا كثيرا من أخطاء مجتمعاتهم.

وإذا نظرنا – على سبيل المثال – إلى الجانب الخلقي المتعلق بالجنس في المجتمعات الغربية، والتطور الذي طرأ على هذا الجانب في القرنين الماضيين، نجد أنها كانت تراعي قيما خلقية دقيقة في القرن التاسع عشر، غير أن النصف الأول من القرن العشرين شهد حربين عالميتين عصفتا بكل تلك القيم. ثم عندما تأكد أن استعمال أقراص منع الحمل أمر مأمون شهدت الستينات من القرن الماضي ما يسمى "ثورة الجنس" التي اعتبرت تحررا من تلك القيم التي وصفت بالمعتسفة. وأصبحت المناظرات الفكرية التي تقارن بين القيم المتعلقة بالجنس في القرنين التاسع عشر والعشرين ترمي القيم المتشددة القديمة بأنها مظهرية فقط، وافترضت أن الأجيال السابقة لم تكن تؤمن حقا بتلك القيم، ولكن المجتمع كان حريصا على أن يعطي نفسه صورة فاضلة. ولئن احتج البعض بأن أدب القرن التاسع عشر لا يؤيد هذا الرأي فإن الرد هو أن الروائيين وكاتبوا المسرحيات كانوا مضطرين لممارسة نوع من الرقابة الذاتية كيلا تتعرض أعمالهم للمنع والمصادرة. ومن جهة أخرى نجد أن المجتمع الغربي قد سار شوطا بعيدا في الانسلاخ من قيم تلك الفترة حتى إن البعض يتساءلون عما إذا كان من المحتمل أن ما هو اليوم غير مقبول سيكون مقبولا في المستقبل القريب أو غير القريب.

أثار التقدم العلمي الذي شهدته العقود الأخيرة عددا من المشكلات الخلقية الشديدة الصعوبة، خصوصا في مجال الهندسة الوراثية، والحمل الذي يعتمد على الأساليب الطبية الحديثة. ولا يزال المجتمع الإنساني يعمل جاهدا على التوصل إلى إجابات شافية لعدد من الأسئلة المحيرة، مثل: لمن الطفل الذي يولد بطريقة الرحم الظئر؟ بمعنى: إذا اتفق زوجان لا ينجبان مع امرأة أن تحمل لهما طفلا بطريقة التلقيح الصناعي على أن تتقاضى على ذلك أجرا، ثم قررت هذه المرأة بعد الولادة أن تحتفظ بهذا الطفل لنفسها، فهل يكفي أن ترد للزوجين ما دفعا لها من مال حسب الاتفاق بينهم؟ وما مدى الالتزام بالاتفاق المبدئي بين الطرفين؟ هل من المقبول استخدام وسيلة أطفال الأنابيب لمساعدة امرأة عجوز على الحمل (مثلما حدث من قريب حينما حملت بهذه الطريقة امرأة في التاسعة والستين من عمرها)؟ وإلى أي مدى يمكن استخدام وسائل الهندسة الوراثية لإعطاء الوالدين حق الاختيار لجنس المولود وصفاته؟ وماذا عن الانتحار بمساعدة الطب: فهل من الصواب مساعدة المرضى الذين لا يرجى لهم شفاء على إنهاء حياتهم إن كانت هذه رغبتهم؟

في هذه الأمور وأمثالها يصعب تحديد المدى الذي يمكن أن يحدده المجتمع الإنساني للسير على أساس التجربة وتصحيح الخطأ. فإذا كانت النتائج السلبية المترتبة على تجربة ما في جانب معين من النوع البئيس وصعب المعالجة، فإن هذا قد يعني تعرض الناس لمشكلات خطيرة كان يمكن أن لا يتعرضوا لها لو أنه توافرت لهم الإرشادات الصحيحة. فنحن بحاجة إلى هدى لنتجنب مزالق الخطر ولتكون حياتنا سعيدة، حسب ظروف كل منا. وبما أن التجربة الإنسانية لا توفر لنا هذا الهدى، فإن المصدر الوحيد الذي يمكن أن نلتمسه عنده هو الله الذي خلقنا وخلق الكون والعالم الذي نعيش فيه. فهو الذي يعلم من خلق وما يصلح لهم أو يضر بهم.

لم يخلق الله تعالى الإنسان ويتركه هملا، يسير في حياته على غير هدى. بل كلفه بعمارة الأرض، ووفر له الهداية من اليوم الأول لوجوده. واتخذ هذا الهدى الرباني صورتين: الأولى هي الفطرة الإنسانية السليمة التي لم تفسدها المؤثرات السلبية، أما الصورة الثانية فهي الهداية المباشرة التي جاء بها الأنبياء والرسل. والأمران يعملان معا، فالرسالة التي دعا إليها الأنبياء والمرسلون تؤكد على ما يصلح الفطرة ويصلح لها، ويبين لها كيف تواصل السير في الخط السليم الذي يناسبها. ولعل من المهم أن نتذكر دائما تعريف النبوة، فهي اكتساب معرفة يقينية لا يمكن التوصل إليها بالجهد والتجربة الإنسانية.

والله - سبحانه وتعالى – هو خالق الكون وكل ما فيه، وهو الرحيم الودود الذي بيده كل شيء، وهو الحكيم العليم الذي لا يند عن علمه شيء. ولكي ندرك معنى هذا العلم نقول إن علم الله مستقل عن الزمان والمكان، بمعنى أنه لا يزيد علمه لأمر حدث في أي مكان في الكون. فليس هناك لحظة لم يكن فيها شيء ما في علم الله ثم علمه بعدها. ذلك أمر لا ينطبق على الله تعالى. وهذا يعني أن الله تعالى هو المصدر الوحيد للهدى المطلق الذي لا يعتريه نقص والذي يزكي الحياة البشرية وينميها ويسعدها. وقد أعطى ربنا جل وعلا الهدى للناس بواسطة أنبيائه ورسله، عليهم السلام.

الحياة بعد الموت

ظل الإنسان يحار في ما يحدث له بعد الموت. والدين السماوي، بكل صوره، يتخذ موقفا واحدا وهو أننا سنبعث من جديد لحياة دائمة أبدية لا يعتريها الموت مرة أخرى، وسنحاسب فيها على ما نفعله في هذه الحياة الدنيا، فننال الأجر العظيم إن كانت حسناتنا أكثر من سيئاتنا. أما الذين تنوء بهم سيئاتهم وتقل حسناتهم فالله يحكم فيهم، فإما أن يعفو عنهم أو يعاقبهم. ومعنى هذا أن الناس يصيرون إما إلى جنة النعيم أو إلى عذاب الجحيم بناء على ما يحكم به الله بعدله المطلق ورحمته بعباده في شأن كل منهم. فالله الرحمن الرحيم هو الذي لا يظلم أحدا، وإذا عفا فإن عفوه يمحو كل السيئات، حتى الكبائر، باستثناء الشرك به: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله: إن الله يغفر الذنوب جميعا. إنه هو الغفور الرحيم." (الزمر 39) "إن الله لا يغفر أن يُشرَكَ به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما." (النساء 48) ومعنى هذا أن أي إنسان يؤمن بالله وحده، لا يشرك به شيئا، ويؤمن برسالته، ويعمل صالحا في حياته هذه، يغفر الله له ذنوبه ويكفر عنه سيئاته، ويجزيه بعمله الصالح.

وبما أن من طبيعة هذه الحياة أنها محدودة وقصيرة، بينما الحياة الأخرى أبدية، فإن من البدهي أن على كل إنسان أن يستعد لحياته فيقدّم لها بالإيمان بالله وبأن يعمل من الصالحات ما يستطيع. وعندما يقبل الناس هذا المبدأ وينظمون حياتهم في ضوئه، فإنه يترك أثرا قويا في حياة الإنسان. فالذين يلتزمون بالصالحات من الأعمال يحبهم كل من حولهم إذ إن أعمالهم تعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع من حولهم. وهذا يعني أن النهج الذي يدعو إليه الدين الرباني له آثار عظيمة طيبة في الحياة الإنسانية الحاضرة ويضمن السعادة الدائمة في الآخرة.

هنا قد يسأل البعض: كيف لنا أن نتأكد أننا سنبعث من جديد؟ وما هو الدليل عليها؟ لم يعُدْ أحد من الناس بعد أن مات ليحدثنا عما جرى له بعد أن فارق عالمنا هذا، فكيف لنا أن نتحدث عن الحياة الآخرة حديث المستيقن الذي لا يرقى إليه شك؟ نجد الدليل والبرهان في عدالة الله تعالى، وأنه سبحانه لا يرضى بالظلم، ولا يترك الظلم ينتصر. ومعروف أن هذه الحياة تعج بالمظالم، سواء على صعيد الأفراد أو على صعيد المجتمعات. والظلم موجود في كل مكان، فالسيد يظلم خادمه، ورب العمل يظلم موظفيه فلا يعطيهم الأجر المناسب لعـملهم الذي يحقق له الربح الوفير، والشركات الكبرى التي تجني الأرباح الطائلة من أعمالها حول العالم تستخدم أعدادا كبيرة من العمال في الدول الفقيرة ثم تبخسهم الأجر فتبقيهم تحت خط الفقر، والزوج الذي يظلم زوجته فيضربها لأقل هفوة، والأبوان اللذان يسيئان معاملة أولادهما، والحاكم الطاغية الذي يستبد بأمور الأمة كلها، ويظلم شعبه كله. الظلم موجود في كل قرية ومدينة ودولة، ولا يكاد يحصى. ولكن الله تعالى عادل لا يرضى بالظلم، ويحقق العدل لأن العدل من صفاته الأساسية.

مظاهر الظلم منتشرة في العالم كله، وعندما يطرأ وضع من الظلم تبدأ المحاولات لتصحيح هذا الوضع. ولو أن هذه الحياة تنتهي إلى لا الشلحييء، لتحقق النجاح لمحاولات رفع الظلم، ولكانت كل المظالم قد سويت في هذه الحياة، فالإنسان أكرم المخلوقات على الله، ولهذا فإن الأوضاع التي تسبب الشقاء والبؤس في المجتمع الإنساني لابد أن تمنع ابتداء وأن تصحح عندما تقع. غير الذي نشهده في حياتنا أن الكثير من أوضاع الظلم لا تحل، سواء على الصعيد الفردي أو على صعيد المجتمع. فمن المنطقي إذن أن نقول إن نظام الخلق الرباني وعدالة الله جلّ وعلا لا يمكن أن يسمحا بهذا العوار في نظام الحياة الكامل. ولهذا لا بد من حياة أخرى يتم فيها تحقيق العدل. وهذا ما وعدت به الرسالات الربانية والأديان السماوية كلها، منذ أن خلق الله الإنسان. وهذا ما يوضحه القرآن أشد الوضوح: "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون؟ فتعالى الله الملك الحق، لا إله إلا هو رب العرش الكريم." (المؤمنون 115-116)

وعندما ننظر إلى الحياة في عالمنا هذا، نجد أن هناك عددا لا يُحصى من التوازنات التي لابد أن تترافق وتعمل معا كي تستمر الحياة وتبقى. ولو أن أحد هذه التوازنات اختل، ولو بنسبة بسيطة، فإن هذا الخلل قد يؤدي إلى عواقب وخيمة للإنسان والبيئة. وما كان لكل هذه التوازنات أن تتحقق من تلقاء ذاتها، بل هي من صنع الله الذي أتقن كل شيء، والذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، ثم جعله في عالم يناسب حياته وفطرته. بل إن هذا التوازن الدقيق والكمال في الخلق ينطبق على الكون كله. وليس من حكمة الله أن يخلق هذا النظام المتقن والكون المتكامل، ثم يتركه يسير على غير هدى، ودون تدخل منه جلّ وعلا. إن الإنسان الذي يصنع آلة دقيقة الصنع لا يتركها تعمل دون أن يوفر لها الصيانة المناسبة. والله عزّ وجلّ أعطانا الهدى الذي نحتاجه للحفاظ على التوازن في عالمنا، وهذا الهدى لا يمكن أن يأتي من مصدر آخر.

يتميز الإنسان عن كل المخلوقات في هذا العالم بإرادته الحرة. فالإنسان يتمتع بالحرية في تكييف حياته واختيار ما يراه صالحا له. صحيح أننا نتأثر بقوى الطبيعة دون أن يكون لنا كبير تأثير في سيرها وطريقة عملها، ولكننا نستطيع فيما عدا هذا أن نمارس ما أعطانا الله تعالى من حرية في اختيار ما نعمل في كل الأوضاع والأحوال تقريبا. وهذه الحرية تضع علينا مسؤولية كاملة في اختيار ما يرقي الحياة الإنسانية وينميها ويزكيها، ويحقق التقدم فيها، ويضمن الحفاظ على البيئة وسلامتها. والحرية تترافق يدا بيد مع المسؤولية. فنحن مسؤولون أمام الله وسنحاسب على ما نفعل وهذا الحساب سيكون في الدار الآخرة. وهذا حق، فالله عزّ وجلّ هو الذي أعطانا ما نحتاجه من ملكات وأدوات للقيام بالمهمة التي ناطها بنا، فالحساب لابد أن يكون أمامه. وعلينا أن لا ننسى أن هذه المهمة التي نحن مكلفون بها إنما هي لصالحنا وسعادتنا، فالمطلوب منا هو إعمار الأرض بوجود حياة بشرية سعيدة فيها يتحقق فيها التقدم الحقيقي للانسان.

الـرســالة الأخـيـرة

أكرمنا الله تعالى بالهدى رسالة منه جاءتنا بواسطة إنسان اختاره بحكمته وإرادته ليكون رسوله للعالمين. وقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم حياة عادية وسط مجتمع إنساني عادي. ورسالة الله إنما جاءت لتساعدنا على أداء المهمة الموكولة إلينا في إعمار الأرض، ولكي نستطيع أن نقدم كشف حساب جيد عما فعلناه في حياتنا في الأرض. وقد أرسل الله تعالى عبر القرون عددا كبيرا من الرسل، يبينون للناس هديه، ويدعونهم إلى اتباعه. وقد دعا الرسل جميعا إلى عقيدة واحدة في جوهرها، وإن كانت تتفاوت في تفصيلاتها. فكل الأديان تطلب من الناس الإيمان بالله وحده وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فهذه الأركان الثلاثة الأساسية في دين الله في كل صوره، فهي تمثل صفاء العقيدة، وتقوم على أساس اعتراف الإنسان بعبوديته لله وحده، ويؤدي ما فرضه الله عليه من شعائر العبادة، ويسهم في التعاون والتكافل الاجتماعي. ولقد كان الرسل يرسلون إلى أقوامهم خاصة، ويبلغون رسالة تنطبق على مجتمعهم خاصة. ومع بلوغ الإنسانية مرحلة النضج الكامل، بات ضروريا أن تتوافر للإنسان رسالة ربانية تنطبق على الناس كافة في كل الأجيال المقبلة، وفي كل أنحاء العالم. وهذه الرسالة هي التي جاء بها القرآن، كلام الله الذي بلغه محمد بن عبد الله، خاتم النبيين والمرسلين بعد أن تلقاه من الله بواسطة أمين الوحي الملك جبريل.

عندما كان نبي من الأنبياء يدعو قومه إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، كان الناس يطلبون منه معجزة يدلل بها على صحة رسالته. وقد طلب العرب في مكة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بمعجزات. وقد أعطى الله تعالى رسله معجزات فأعطى موسى عليه السلام العصا التي يلقيها فتنقلب ثعبانا، وكان إذا ضم يده إلى جناحه تخرج بيضاء من غير سوء. وأعطى عيسى عليه السلام أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وأعطى غيرهما من رسله معجزات تناسب أقوامهم و المستوى الذي بلغوه في الحضارة. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يُعطَ شيئا من هذه المعجزات، لأن رسالته كانت إلى الناس كافة في كل العصور والأجيال. فالمعجزة المادية يراها عدد محدود من الناس، قد يكون كبيرا ولكنه يظل محدودا، في زمان ومكان معينين. وهذا لا يتفق مع كون رسالته عامة للناس جميعا. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله أومنَ – أو آمن – عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيتُ وحيا، أوحاه الله إلي، فأرجو أني أكثرهم تابعا يوم القيامة."[1]

كانت الرسالات التي جاء بها الرسل تتخذ صورا مختلفة، فقد أعطي إبراهيم وموسى وعيسى كتبا من الله تعالى، وأعطي داود المزامير المعروفة بالزبور. ويؤكد القرآن أن التوراة والإنجيل فيهما "هدى ونور" (المائدة 44، 46) غير أن التبديل والتحريف طرأ على هذه الكتب، بل إن التحريف كان أحيانا يخرج بما أوحاه الله لأنبيائه إلى ما هو ضده. وقد يسأل الناس لماذا ترك الله تعالى هذا التحريف ينال رسالته. والسبب في ذلك أن الله لم يجعل تلك الرسالات خاتمة الوحي الذي يوحي به إلى أنبيائه. غير أنه – جلّ وعلا – وعد بحفظ رسالته الخاتمة خالية من كل تبديل أو تحريف. وبما أن هذه الرسالة تخاطب الناس كافة، في كل العصور، فإنها لابد أن تكون كتابا، وليست في أي صورة أخرى. ولهذا أنزل الله تعالى القرآن، كلمته الخالدة المنزهة عن التحريف والتغيير، وسيظل بين أيدي الناس في صورته الأولى، لا يطرأ عليه أي تبديل بحفظ الله له. وقد بين لنا العلماء كيف حفظ الله القرآن من اليوم الأول لتنزيل آياته. وهذا القرآن الذي نقرأه اليوم في كل مكان في العالم هو في صورته التي اكتمل عليها قبل أكثر من 1400 سنة. فليس هناك فرق بين نسخه التي كتبت باليد قبل قرون عديدة وما تنتجه المطابع اليوم في كل مكان في العالم.

يتساءل البعض كيف يمكن أن تكون رسالة أنزلت قبل أربعة عشر قرنا صالحة لتطبق اليوم، أو بعد ألف سنة أخرى. ثمة مجالات في الحياة لا تتغير، وتنطبق على كل الناس في كل العصور، وفي كل المجتمعات، دون اعتبار لمدى ما أحرزته من تقدم أو لمستواها الحضاري، ومن أهم هذه المجالات العلاقة بين الله الخالق والإنسان المخلوق. وفي هذا المجال نجد أن الأحكام والقواعد تتميز بالمرونة كي يستطيع الناس أن يكيفوا التزاماتهم وأوقاتهم بما يسهل عليهم الالتزام بأمور الدين. ومن أوضح الأمثلة على هذا الصلاة، فقد فرض الله علينا خمس صلوات في اليوم والليلة، وأعطانا فسحة من الوقت لأداء كل صلاة بحيث يسهل على المرء، أيا كانت طبيعة عمله أن يؤدي الصلاة في أوقاتها. وبما أن الإنسان تعتريه حالات طارئة أو غير عادية، فقد أعطانا ربنا، جلّ وعلا، رخصا تجعل الالتزام بما أمر سهلا علينا. ثمة مجالات أخرى في حياة الإنسان تتغير تغيرا جوهريا باختلاف الظروف الاجتماعية والأزمان، وفي هذه المجالات تضع الرسالة السماوية مبادئ واضحة وقيما محددة لابد من الالتزام بها، ثم للناس أن يكيفوا حياتهم كما يحبون في ظل هذه المبادئ والقيم. فعلى سبيل المثال، نجد الظروف الاقتصادية في مجتمع صناعي متقدم تختلف اختلافا بيّنا عنها في مجتمع زراعي لا تزال أمامه مرحلة طويلة يمكن أن يتقدم فيها. وفي هذا الاطار، نجد الشريعة الإسلامية تحرم الربا والاستغلال والاحتكار، وتطلب العناية والرعاية للقفراء، وتفرض الزكاة وتحدد مصارفها كي يمكن تحقيق ما تطلبه من تكافل اجتماعي. وتلزم الشريعة الإسلامية دفع أجور العمال والموظفين عند استحقاقها. كما يحدد القرآن الكريم والسنة المطهرة القيم التي لا بد من توافرها في المجتمع المسلم عموما. ثم يعطي الإسلام الناس الحرية الكاملة في تصريف أعمالهم وحياته بالشكل الذي يريدون شريطة الالتزام الكامل بما حدده من مبادئ وقيم. وأعطانا النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ العام الواضح: "أنتم أعلم بأمور دنياكم".

رســول من البـشـــر

لم يرد الله سبحانه وتعالى أن ينزل كتابه جملة واحدة، ثم يدرسه الناس دراسة متعمقة ليطبقوه بعدها. بل أعطانا ما هو أفضل بكثير، إذ أرسل رسوله يحمل رسالته ويعلمنا كيف نطبقها في حياتنا بالعلم والعمل معا. فكان رسوله، صلى الله عليه وسلم، إنسانا من البشر ولد ونشأ كما ينشأ كل إنسان. ولم يكن له تميز سوى أنه يتلقى رسالة الله ويبلغها للناس، ثم تميز بصفاته الشخصية. أما في حركته وسلوكه، فكان بشرا من البشر.

وأن يختار الله رجلا من الناس يبلغهم رسالته ظل أمرا يجادل فيه الكافرون. فهم يسألون لماذا يختار الله شخصا مثلهم ليكون رسوله، بدلا من أن يرسل إليهم ملكا من الملائكة. وهم يرون أنه لو جاءهم ملك بالرسالة فإنهم يعرفون عندها قيمتها وأهميتها، ومن ثم يؤمنون بها. ولكن هذه الحجة إنما تنطلق من الطريقة التي يطبقها البشر في حياتهم. فعندما يرسل ملك أو رئيس جمهورية رسالة إلى رئيس دولة أخرى فإن الذي يحملها رئيس الوزراء أو وزير خارجية، والرسالة تعطى قدرها من الأهمية بحسب الشخصية الرسمية التي تحملها. لكن الرسالات السماوية تكتسب أهميتها من أنها إنما تأتي من الله تعالى. والرسالة السماوية إنما ترسل كي يطبقها الناس في حياتهم. ولو أن ملكا حمل رسالة الله وبلغها للناس وبين لهم كيف يطبقونها، فإنهم سيقولون إنها لا تنطبق عليهم لأنهم ليسوا ملائكة. وعندما يرتكب الناس إثما أو معصية، فإنهم يقولون إنهم لم يستطيعوا أن يتجنبوا ذلك لأنهم بشر، بينما الملك الرسول يسهل عليه أن يتجنب كل إثم لأن الملائكة لا يعصون الله بطبيعتهم وفطرتهم التي فطروا عليها. وعلى هذا، فإن رسالة الله لابد أن يبلغها فرد من الأمة التي ترسل إليها. ورسالة الله إلى الناس كافة لابد أن يقوم بتبليغها فرد من الناس. فالله تعالى يقول: "وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا. قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا." (الإسراء 94-95)

لا يقتصر عمل الرسل على تبليغ رسالات ربهم، بل هم يوفرون النموذج العملي لتطبيقها في واقع الحياة. فالناس يتطلعون إليهم دائما ليعرفوا كيف ينفذون ما يطلبه الله تعالى منهم. وهم يتعلمون أن ما يفعله الرسول من أمر سهل عليهم ويستطيعون أن ينفذوه. فليس هناك من أمر يفعله الرسول يشق عليهم، لأن الرسول بشر مثلهم، وينطبق عليه ما ينطبق عليهم. ومن جهة أخرى فإن الرسول يتفاعل تفاعلا الكعبةاملا مع مجتمعه ويشاطر قومه مشاعرهم وهمومهم، وسعادتهم وانتصاراتهم وآمالهم. وبذلك يعرفون نعمة الله عليهم إذ بعث إليهم رسولا الإسلامن أنفسهم يهديهم إلى صراطه المستقيم.

أنزل الله تعالى رسالة الإسلام على مدى ثلاثة وعشرين عاما، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلالها يعيش بين ظهراني قومه، يبين لهم الهدى في كل خطوة، ويغير منهاج حياتهم. فعندما كانوا بحاجة إلى تعليم، كان هو الذي يعلمهم، وإذا بدا لهم أمر من الأمر غامضا لا يعرفون كيف يتصرفون فيه، كان يوضح لهم ما غمض عليهم ويبين لهم طريق الرشاد. وإذا تعذر عليهم أمر ووجدوه صعبا كان يبين لهم كيف يفعلونه دون صعوبة. وإذا سارت الأمورعلى غير ما كانوا يتوقعون أو يأملون، أو وجدوا أن ما يأمرهم به يشق عليهم، لم يكن يحتاج إلى أكثر من أن يفعله أمامهم حتى يبادروا إلى الاقتداء به وفعل ما يفعله. ولعل المثال الأوضح هو ما حدث عندما تم إمضاء صلح الحديبية، إذ كان الصلح يتطلب من المسلمين أن يعودوا إلى المدينة دون أن يؤدوا عمرتهم التي جاؤوا من أجلها، وكانت قلوبهم معلقة بالوصول إليها والطواف بالبيت العتيق، وبات لزاما عليهم أن يرجعوا على أن تكون عمرتهم بعد عام من يومهم ذاك. وقد أمرهم النبي بأن يحلوا من إحرامهم وينحروا الهدي الذي جاؤوا به في مكانهم ذاك، ليستطيعوا العودة إلى بلدهم. لقد شق ذلك عليهم وتركهم في حزن شديد. وحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، لكنه لم يلبث أن فعل ما أشارت عليه به زوجته أم سلمة، فحلق رأسه ونحر هديه أمامهم، فسارعوا بدورهم إلى فعل ما فعل.

في تلك الحقبة المباركة من تاريخهم كان المسلمون يلجؤون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما واجهوا أمرا يحتاجون فيه إلى تبيان الطريق الذي ينهجون، فيبين لهم ما ينفعهم إن كان يعرف، أما في الأمور التي لا يعلمها فينتظر أن يأتيه الوحي بالهدى الرباني. وفي أغلب الأحيان كان الوحي يأتيه آيات من القرآن تتنزل عليه فيعملها للناس. ومن أمثلة ذلك ما حدث لخويلة بنت ثعلبة التي جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناها تدمع، وشكت إليه أن زوجها قد ظاهر منها، على عادة العرب القديمة القبيحة، إذ كان العربي إذا أراد أن يبالغ في الإساءة إلى زوجته يظاهر منها، فيقول لها إنها عليه مثل ظهر أمه، فلا يعود يقربها. فهي ليست مطلقة ولكن زوجها حرمها على نفسه. وقد ذهبت خويلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو من معاملة زوجها عندما ظاهر منها، وتروي خويلة قصتها فتقول:

فيَّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة: كنت عنده، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه، فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب، فقال: أنت عليّ كظهر أمي. ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليّ، فإذا هو يريدني عن نفسي. قلت: كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إلي وقد قلتَ ما قلتَ حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه. فواثبني، فامتنعت منه فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف. فألقيته عني، ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابا، ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا خويلة، ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه". فوالله ما برحت حتى نزل فيّ قرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سُرّي عنه، فقال لي: "يا خويلة، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا" ثم قرأ علي: "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها، وتشتكي إلى الله، والله يسمع تحاوركما، إن الله سميع بصير." إلى قوله تعالى: "وللكافرين عذاب أليم."

فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مريه فليعتق رقبة." فقلت: يا رسول الله ما عنده ما يعتق. قال: "فليصم شهرين متتابعين." فقلت: والله إنه لشيخ ما له من صيام. قال: "فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر." فقلت: والله يا رسول الله ما ذاك عنده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإنا سنعينه بعِرْقٍ من تمر." فقلت: وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق آخر. قال: "قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيراً." ففعلت.[2]

تبين هذه القصة مدى مشاركة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياة قومه طوال تلك الحقبة التي امتدت ثلاثة وعشرين عاما كان الوحي يتنزل فيها عليه. وهي قصة امرأة من الناس مع زوجها الكبير السن والضعيف الجسم، الذي غضب منها لأمر قالته، فتصرف تصرفا يفسد الحياة الزوجية بينهما. وجاء الحل من الله مباشرة، فهو الذي يقول إنه – جلّ وعلا – سمع مقالتها وشكواها. ولقد كانت هذه الحقبة التي حظيت فيها الجماعة المسلمة بالمساعدة المباشرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرورية، لأنها أعطت القدوة العملية والهداية التي درسها العلماء جيلا بعد جيل، كي يبينوا أن التطبيق العملي للشريعة الربانية في العصور والبيئات المختلفة أمر ممكن وسهل لا لبس فيه. كما أعطت تلك الحقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم الوقت اللازم ليصوغ حياة المسلمين فيجعل منهم أمة واحدة ومجتمعا متناسقا متكاتفا، يوحده الإيمان بالله وجهوده في الدعوة إلى الله، بعد أن كانوا قبائل متنافرة لا يحكمها ضابط، بل يغير بعضها على بعض. وأصبح المجتمع الإسلامي الذي صاغه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الحقبة صالحا لحمل الأمانة وتبليغ الرسالة الربانية إلى الناس، ولينشئ الحضارة الإسلامية التي سادت العالم لقرون.

[1] صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، الحديث رقم 7274. صحيح مسلم، الحديث رقم 152.

[2] رواه أبو داود في كتاب الطلاق من سننه. والعرق ستون صاعا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين