موسى والخضر، والحكَم الكامنة، وراء الأحداث الظاهرة، في حياة الناس!

ليست هذه السطور، درساً في التفسير، بل هي نظرة، في كتاب الله، تبحث عن أفكار، اجتماعية وسياسية، قد تسلّط بعض الضوء، على مايجري، على أمّة الإسلام!

من يقرأ سورة الكهف، من العقلاء المخلصين، يكتشف أموراً شديدة الأهمّية، فيعمل ما يستطيع، من الواجب عليه، ويسلّم أمره لله، العليم الحكيم! فما كلّ مايحبّه المرء، خير له، ولا كلّ مايكرهه، شرّ له ؛ بل قد يكون الشرّ، فيما يحبّ، والخير، فيما يكره!

قال تعالى:

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

وقال تعالى:.. فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً!

ما الذي يجري، في أمّة الإسلام:

تظالُم: التظالم بين المسلمين، صار سائداً، على سائر المستويات: ظلم الجار لجاره.. وظلم الشريك لشريكه.. وتظالم الارحام فيما بينهم ؛ فالأخ يظلم أخاه، أو أخته.. والرجل يظلم زوجته، أو تظلمه..! وإذا كثر تظالم الأرحام، فيما بينهم، فتظالم الناس، عامّة، فيما بينهم، يأتي، من باب أولى!

وقد جاء، في الحديث القدسي:

يا عبادي، إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّماً، فلا تَظالموا!

تمرّد على أحكام الله: أمّا التمرّد على أحكام الله، فصار دَيدن الناس ؛ ولاسيّما الحكّام، وأتباعهم ومؤيّديهم، والمنافقين لهم! يُرى هذا التمرّد في أشياء كثيرة، أهمّها: سَنّ القوانين، المخالفة لتشريعات الله، في: السياسة، والاقتصاد، والزواج، والميراث، والاخلاق، عامّة! فقد سُمّيت المعاصي، بغير أسمائها الحقيقية ؛ فالربا فائدة، والزنا حرّية شخصية، والخمور مشروبات روحية، وغير ذلك!

هَيمنة الظَلمَة: ولقد هيمن الحكّام الظلمة وأعوانهم، على سائر البلاد الإسلامية، العربية ومنها وغير العربية، باستثناء دول قليلة، قيّض الله لها، حكّاما عقلاء، يحترمون شعوبهم، ويشعرون بالمسؤولية تجاهها! ومن البَدهي، أن يكون الحكّام الظلمة، مرتبطين بأعداء الأمّة؛ إذ لايجد هؤلاء الحكّام، عند شعوبهم، الولاء، أو المحبّة، أو التأييد! فالعداوة، بين الحكّام الظلمة، عملاء الأعداء، وبين شعوبهم ؛ هي الأساس في العلاقة ؛ والحكّام يقهرون شعوبهم بالحديد والنار، وبالأتباع السفلة!

نفاق المظلومين: أمّا نفاق العبيد، لظالميهم، فكثير، وهو مِن سنن الحياة ؛ فلو حكم الشيطان الأكبر، نفسُه، شعباً ما، لوَجد، من أبناء هذا الشعب، من ينافق له، ويتزلّف، خوفا وطمعاً! وهؤلاء المنافقون والمتزلفون، يكونون بلاء، على شعوبهم ؛ لأن الظلمة يستخدمونهم، في التجسّس على شعوبهم، عامّة، وعلى جيرانهم وأهليهم، خاصّة!

وما الذي يجري على الأمّة، عامّة، وعلى كلّ شعب من شعوبها، خاصّة:

يعاني كلّ شعب، من شعوب الأمّة، من قِبل حكّامه، مالا يعانيه من أعدائه! ومن ألوان المعاناة:

القتل: دماء الشعوب، ليست لها حرمة، لدى حكّامها، بل ليس لها أيّة قيمة! يكفي أن يقرّر الحاكم، أو بعض أعوانه، قتل شخص ما، حتى يُقتل، بلا أيّة جريرة، وتلفّق له التهم الكاذبة، بعد قتله، أو قبل القتل، دون أن يجرؤ أحد، من أهله، على الاعتراض، أو الاحتجاج، أو حتى السؤال، في كثير من الأحيان!

أمّا التشريد والاعتقال، والتعذيب الوحشي، والإذلال داخل السجون.. أمّا هذه الأمور، فمتَعٌ، يستمتع بها الحكّام، وأعوانهم، وأذنابهم!

فهل وراء ذلك، حِكم ربّانية، لايعرفها كثير من البشر، ويعرفها بعضهم، ويحاول تحاشي أسبابها، بجدوى، أو بلا جدوى؟

أجَل.. ثمّة حكم ربّانية، وراء ذلك!

من أهمّها: معاقبة الناس، بما كسبت أيديهم.. ومنها: تنبيه الناس، إلى مايجب أن يفعلوه، تجاه العابثين، بمصائرهم، ومصائر أجيالهم!

وهناك حكم كثيرة، لا يعلمها إلاّ الله، لكن على الناس، التعامل مع ظالميهم، خاصّة، ومع المصائب التي تنزل بهم، عامّة، بما توجبه عليهم، أحكام ربّهم، وتوجيهات نبيّهم، الذي قال:

سيّد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه، فقتله! وقال: إذا هابت أمّتي، أن تقول للظالم: ياظالم، فقد تُودّع منها!

ولعلّ ثورات الربيع العربي، تعيد الشعوب، إلى طريق الحقّ والاستقامة والعدالة، الذي حُرفت عنه، منذ أمد طويل!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين