الاغتيال المعنوي

الاغتيالات والتصفيات الجسدية للأشخاص قديمة قدم البشرية، وهي آفة الجنس البشري التي لم يبرأ منها، وكم من أناس بريئين تم تغييبهم وسفكت دماؤهم بهذه الطريقة البشعة التي تنفذ بوسائل متعددة يعجز شياطين الجن عن ابتكارها.

غير أن الاغتيال المعنوي أشد ضررا وأعظم خطرا من الاغتيال العادي المعروف، والنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن بشاعة وقبح وخطر هذه الجريمة، روى أبو داود بسند صحيح عن سعيد بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق.

يا للهول .. كلنا يعلم أن من يأكل الربا فقد فتح باب الحرب بينه وبين ربه ما لم يتب .. بيد أن استطالة اللسان في عرض المسلم وقدحه وذمه ورميه بالعيوب في المجالس ووسائل الإعلام بدون وجه حق لهو أخطر على دين المرء وأشد وبالا عليه وأعظم جرما من الربا المالي المعروف والذي هو من السبع الموبقات.

كم من شخص خطب فتاة أو فتاة خطبها شخص فتصدى لهما من يلوث سمعتهما ويلوك عرضهما بالكذب وشهادة الزور، وانتهى الأمر بينهما إلى غير جعة.

كم من شخص تقدم لوظيفة مرموقة فحسده الحاسدون ووشوا به بغير وجه حق فقضوا على مستقبله الوظيفي.

كم من عالم عامل مخلص يدعو إلى الله على بصيرة طعن به الطاعنون وأهل الأهواء ورموه بالعيوب والجهل، فانصرف عنه الناس وفاتهم الخير.

كم من علماء أفذاذ في تاريخنا العظيم يتعرض لهم السفهاء بالتجريح والتجهيل والتخريف، ليغروا الغوغاء من الناس، والسفهاء هم أجدر بهذه الأوصاف؟ قال ابن كثير: الناس إذا لم يجدوا عيباً لأحد وغلبهم الحسد عليه وعداوتهم له، أحدثوا له عيوباً.. !!

ألا إن الاغتيال المعنوي لمن كبرى الجرائم، والمشارك لهؤلاء بعلم أو بجهل شركاء في الجريمة والعقوبة، وتتضاعف العقوبة الأليمة على من يشيع البهتان بقدر المشاركين فيها. قال الشيخ عبد العزيز الطريفي: إثم الغيبة بمقدار عدد السامعين، والوعيد جاء للواحد، فكيف بالملايين، ومن اغتاب أحدا أو نمه أو بهته في وسائل الإعلام فكأنما كرر غيبته لكل سامع.

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)

وروى أبو الشيخ الأصبهاني عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أيما رجل أشاع على امرئ مسلم كلمة وهو منها بريء ليشينه بها، كان حقا على الله أن يعذبه بها يوم القيامة في النار، حتى يأتي بنفاذ ما قال.

وروى أبو داود بسند صحيح عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال - ردغة الخبال: عرق أهل النار وصديدهم).

وقال المرشد الهضيبي: أكثر الشرور تبدأ من الغيبة.

وهؤلاء يعذِّبون أنفسهم يوم القيامة بأيديهم، روى أحمد عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما عرج بي ربي عز وجل مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم! فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟! قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم).

والدفاع عن المؤمنين وتزكية سمعتهم والتحدث بمناقبهم واجب على كل مسلم، والجزاء عند الله عظيم، روى الترمذي وأحمد بسند حسن عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم: من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين