من تراث الداعية الأديب سليم زنجير، رحمه الله الدين النصيحة

ما يُسمّى اليوم بالنقد الذاتي، أو النقد البنّاء، قد سبق إليه الإسلام وسمّاه: النصيحة، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

هذا أمر يسلّم به كل مسلم، من الناحية النظرية، ولكن المواقف تختلف عند التطبيق العملي لهذا المبدأ العظيم.

فبعض الناس عرف كيف يتواضع، بمعرفة أصله وضعفه ورحلته في الحياة، فصار من سلوكه الطبيعي غير المفتعل أن يسمع النصح ويدرسه. فإن وجده مصيباً قوّم فكره أو سلوكه، بناءً على ذلك، بغضّ النظر عن شخصية الناصح ومقامه: أهو قريب أم بعيد؟ صديق أم خصم؟ كبير أم صغير؟ عالم أم جاهل؟ غني أم فقير؟..

في زماننا ومجتمعاتنا، ينبغي أن نعترف بأن نسبة هذا النوع من الناس قليلة.

وبعضٌ آخر يصغي إلى النصح إن كان صادراً عن شخص يحبّه أو يثق به، وإلا فلا!.

وبعض ثالث حَمَلَه غرورُه بنفسه على أن يسُدّ أُذنيه عن كل نصح أو نقد، من أي كان، حتى لو جرّ على نفسه، بغروره، الدمارَ أو الضلال، فتراه مصاباً بداء "الحساسية" من الناس.

وبعض رابع يفهم النصيحة أو النقد، من طرف واحد، بمعنى أنه هو فقط الذي يصدّر النصح للآخرين، ويوجّه إليهم النقد، وقد شغَلتْه عيوب غيره عن عيوبه. وربما يثور ويغضب، ويشنّع على أقوام لم يُصْغوا إلى نُصحه، ولم يلتفتوا إلى نقده الذي قد يكون وجيهاً سديداً، وقد يكون على النقيض من ذلك.

وبعض خامس وسادس وعاشر، لهم من النصح مواقف أخرى.

فهل يخطر ببال الإنسان أن يسأل نفسه: مِن أي الأصناف هو؟.

إن الإنسان الذي لا يقبل نُصحاً إلا ممن لا عيب فيه، أو يظن في الإصغاء إلى النصح إعلاناً عن ضعف في شخصيته، أو جهل في معلوماته... لا يمكن أن يكون منسجماً مع الوجهة العامة لدينه ولإنسانيته.

لماذا لا نقبل النصيحة، كالحكمة، من أي وعاء خرجت؟ لماذا نسارع إلى الطبيب لعلاج أي مرض في الجسم، في حين يبالغ بعضنا في حماية أمراضه النفسية والفكرية، وكأنما هي مكتسبات لا يجوز التفريط فيها؟!.

حين يكون المرء في مثل أحوالنا، حيث تنعدم السلطة المُلزِمة أو يضعُف سلطانها، فماذا عساه أن يفعل لينسجم مع إسلامه وإيمانه وإنسانيته؟!

الإجابة سهلة، والالتزام بها ليس صعباً إن كان للإنسان إرادة تسعف قراره. وهي تتلخص بأن يفتح الإنسان أذنيه وعقله وصدره للنصيحة، من أي إناء صدرت، فيدرسها بحياد وتواضع، فإن وجد فيها خيراً أو صواباً سارع إلى الاستجابة، ثم شكر الناصح، أصاب أو أخطأ. وهذا ليس صعباً حين يصبح عادة.

أما حين يوجّه النصح للآخرين فينبغي أن يتحلّى بفضيلة التواضع ولين الجانب والإخلاص والتجرّد، وأن يترك لغيره فرصة الاجتهاد وحرية الرأي، ويلتمس له العذر إن لم يستجب له، إلا أن تكون النصيحة في أمر شرعي لا خلاف فيه ولا اجتهاد.

فهل نُحيي هذا المبدأ الكريم، مبدأ النصيحة، في ثوبه الشرعي الإنساني، قبل أن يعتريه الذبول؟.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين