الفرق بين العقيدة والتعصب والتسامح

كثير من الناس في مصر -ومنهم علماء- يخلطون بين هذه الأشياء خلطًا معيبًا يؤدي إلى خلل في دينهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، فإذا سمعك أحدهم تقول: لا يجوز الترحم على اليهودي أو النصراني، لأنه لا يدخل الجنة، اعتبر هذا تشددًا وتعصبًا، وتشدق بأن رحمة الله واسعة، وعد نفسه متمسكًا بسماحة الإسلام، وما درى أنه خرج من دينه وهو لا يشعر، وما أتى إلا من قبل جهله وضعف عقيدته.

ولكشف النقاب عن خلطهم نقول:

إن التعصب والتسامح لا يكونان إلا في المعاملة، فالتعصب أن تعامل اليهودي أو النصراني بحيف، وتبخسه حقه، والشرع يأبى ذلك ولا يرضاه.

والتسامح أن تحسن معاشرته، وتجامله في المناسبات، فإذا حصلت له مصيبة واسيته فيها، وإذا حصل عنده فرح كعيد مثلًا هنيته عليه. ولا بأس أن تقدم له هدية، أو تمشي إلى كنيسته، بشرط ألا تشارك في شيء من طقوس دينه.

ولا بأس أيضًا أن تساعده في أمور دنياه، كقرض أو صدقة إن كان محتاجًا أو نحو ذلك مما لا تعلق له بالدين.

وتراعي جيرته إن كان جارًا لك، وإن كان بينك وبينه قرابة فَصِلْهُ، وبِرَّ قرابته، غير ألا تعطيه من زكاة مالك ولا من زكاة فطرك، لأنهما خاصتان بفقراء المسلمين.

وإذا كان بينه وبين أحد من المسلمين نزاع في شيء من المعاملة، ورأيت الحق في جانبه، فانصح أخاك المسلم بإعطائه حقه.

والخلاصة: أن المطلوب منك أن تعامل اليهودي أو المسيحي بالعدل والإنصاف، وتعاشره بالمجاملة والألطاف.

ومع هذا يجب عليك أن تعتقد اعتقادًا جازمًا لا تردد فيه أنه على باطل، وأنه إن مات كافرًا، لا يجوز الترحم عليه، ولا الدعاء له بالمغفرة، لأنه لا يدخل الجنة أبدًا. وإذا عمل صالحًا فإن الله تعالى يجازيه عليه في الدنيا بالصِّحة أو المال أو الأولاد، أو تيسير الأمور، فإذا كان يوم القيامة لم يكن له ثواب لقوله تعالى:﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ ﴾ [الفرقان: 23] من الخير كصدقة وصلة رحم وإغاثة ملهوف ﴿فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: ٢٣] لا ثواب له.

وهذه الآية تفيد أنه لا يوجد منهم ولي أو قديس كما يقولون، لأنَّ الولاية أو القداسة نتيجة العمل الصالح المقبول، وعملهم غير مقبول لبطلان دينهم بظهور الإسلام، فمن جوز وجود ولي منهم، أو تبرك بأحد قديسيهم، أو توسل به، فقد تخلى عن عقيدته ودينه، إذ التساهل في شيء من العقيدة لا يكون تسامحًا كما ظن المخلطون الواهمون لكنه تنازل عنها، يلزم منه الخروج من الدين. لأنه مبني على العقيدة، فإذا فقدت، فقد. وهذا واضح لا يحتاج إلى بيان، لولا خفاؤه على كثير من الناس، وبالله التوفيق.

من كتاب" خواطر دينية"

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين