فتنة سليمان عليه السلام

فتنة سليمان عليه السلام شوَّهتها الإسرائيليَّات، وحمل عليها المفسِّرون قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ [ص: ٣٤].

فقالُوا في فتنته: تزوَّج امرأة أحبها -كما أحب أبوه والدته من قبله- وكانت تعبد الصَّنم في بيته بغير عِلْمِه، وكان ملكه في خاتمه -كما يقال في قصص الأطفال- فنزعه عند إرادة الخلاء، ووضعه عند امرأتِه المسمَّاة بالأمينة، فجاءها جنيٌّ في صورته، وأخذه منها، وقعد على كرسيه، وعكفت عليه الطَّير وغيرها. وجاء سليمان في غير هيئته، وقال: أنا سليمان، فأنكره النَّاس، ثم توصَّل إلى الخاتم -لعله وجده في بطن سمكة- فرَجعَ إليه ملكه، ونسوا:

أولًا: أنَّ الجنِّيَّ لا يُسمَّى جسدًا، لأنه كان حيًّا لا ميتًا.

ثانيًا: أنَّ الجنِّيَّ لا يمكن أن يتصوَّر في صورة نبيٍّ ولا يقدر على ذلك، لمَّا يترتَّب عليه من المفاسِد.

ثالثًا: لو جاز للجنِّيِّ أن يأتي امرأة سليمان في صورتِه، ويأخذ منها خاتم ملكه، لجازَ أن يَزني بها وبغيرها من نسائه، وذلك يبطُله العقل والنَّقل كما سَبق.

رابعًا: أنَّ خاتم ملكه كان خاتم على هيئتِه أيضًا، فإنَّه لما ذهب، ذهبتْ هيئته، وأنكره النَّاس، ولما وجده رجعتْ إليه هيئته.

خامسًا: أنَّها -مع كونها كذبًا غير محبوك- خالية من العِبرة، والله تعالى يقول: ﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ﴾ [يوسف: ١١١].

وإليك قصة فتنة سليمان على حقيقتِها:

كان له مائة امرأة، فقال يومًا لبعض جلسائه: لأطوفنَّ الليلة على نسائي، فتأتي كل واحدة منهن بفارسٍ يجاهدُ في سبيل الله. فقال له جليسه: قل: إن شاء الله. فلم يقل -نسيانًا أو عرضت له قضية شغلته- فلم تحمل منهنَّ إلا واحدة، ولدت شَقَّ إنسان، فهو الجسد الذي ألقي على كرسيِّه، فرآه وعلم سبب ابتلائه، ثم أناب. قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «والَّذي نفس محمد بيده لو قال: إنْ شاء الله؛ لجاهدوا كلهم فرسانًا أجمعون».

والعِبرة من هذه القصة: أنَّ الله تعالى يحب من عباده أن يردُوا المشيئة إليه في كل أمورهم، فإذا غفلوا نبَّههم، بمثل ما هنا.

وحصل شبه ذلك للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: فقد سأله أهل مكة عن قصة أهل الكهف، فقال: «أجيبكم غدًا» ولم يقل: إن شاء الله. فأبطأ الوحيُ عنه خمسة عشر يومًا، ثم نزل قوله تعالى: ﴿إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا٢٣ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ﴾ [الكهف: ٢٣ – ٢٤] الآيةَ.

أما سؤال سليمان مُلْكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده، فليس حسدًا أو حبًّا للاستئثار كما قال بعض المارقين، بل ليكون معجزته على نبوَّته كما كانت النَّاقة معجزة صالح، والعصا معجزة موسى، وإنَّما طلب الملك معجزة؛ لأنه رسولُ إلى اليهود، وهم عبيد المال، فلا يخضعهم إلَّا مظاهر الملك وبريق الذَّهب، وانظر إلى عيسى عليه السلام حين جاءهم بالزُّهد والتَّقلُّل، حاولوا قتله كما قتلوا زكريا ويحيى عليهما السَّلام، وما خضعوا لموسى عليه السلام إلَّا لشدِّته عليهم، فقد كان يسوقهم سوق العبيد بالعصا، وكانوا يستضعفون هارون عليه السلام، كما جاء في قوله:﴿قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي﴾ [الأعراف: ١٥٠] والله أعلمُ.

من كتاب" خواطر دينية"

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين